Oct 15, 2022 7:19 AM
صحف

مقاربة "حزب الله" للسباق الرئاسي بعد الترسيم هي غير ما قبله

يسري في بعض الاوساط تقدير فحواه ان "حزب الله" ولج بعد انتهاء الجلسة الثانية من جلسات انتخاب رئيس للجمهورية الى ما انتهت اليه بفعل فقدان النصاب، سلوكا مختلفا وانطلق للتو في توجه آخر، اذ عرض للمرة الاولى وعلى لسان نواب من كتلته ثلاثة امور دفعة واحدة كانت الى الأمس القريب ملتبسة وغامضة وهي:

- اثبت بالبرهان انه قادر على تعطيل جلسات الانتخاب بالتكافل والتضامن مع كتلة نواب حليفه "التيار الوطني الحر".

- انه يرفض ترشيح النائب ميشال معوض ويعتبره مرشح "تحدٍّ" طرحته "القوات اللبنانية" وعدد من الكتل الاخرى، وفق ما ورد على لسان النائب حسن فضل الله، وقرن هذا الكلام بدعوة الى من يعنيهم الامر ان تعالوا الى كلمة سواء "للوصول الى مرشح توافقي يحظى بمقبولية الجميع".

- ومضى الحزب أبعد من ذلك حينما قال إن مواصلة دعم مرشح يتحلى بهذه الصفة معناه "تضييع الوقت بطرح مرشح لا يمكنه الوصول الى سدة الرئاسة" لانه، كما قال نائب الحزب عن زحلة رامي ابو حمدان "اذا لم يكن هناك رئيس توافقي فمع رئيس تحدِّ ما بيمشي الحال".

العارفون ببواطن الامور عند الحزب يستنتجون من هذا الأداء امرين، بحسب "النهار":

الاول، رسالة عابرة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأنك تذهب الى رئيس تحدٍّ فيما ابلغتنا ابان لقاء كليمنصو انك مع رئيس توافقي، وتردَّد ذلك على لسان نوابك مرارا.

الثاني، وهذا الاهم، ان الحزب يريد بهذا الاداء الاعلان صراحة انه في وارد التصدي لرئيس غير توافقي، وإحدى مواد المواجهة تعطيل النصاب، وانه استطرادا بدأ للتو المقاربة التي تعاطى بها مع ملف الانتخابات الرئاسية منذ انفتاح ابواب النقاش حول هذا الامر وذلك عندما اعلن انفتاحه على كل الخيارات انطلاقا من ان لا مرشح ثابتا ومعلنا لديه يزكّيه ويتمسك به على غرار ما سلف.

وعليه، فسّرت اوساط خصوم الحزب هذا الخطاب آنذاك بأنه دليل ضعف وعلامة رغبة في النأي بنفسه عن السباق الرئاسي المحموم والارتضاء بما يمكن ان تؤول اليه الامور.

وفي مقابل هذه المغادرة ثمة دخول الى مسار مختلف مع هذه المعركة والتحكم بمساراتها، إذ يقيم الحزب على اعتقاد فحواه ان خطابه الهادئ السابق قد "غرّ" خصومه وجعلهم يعقدون رهانات على ان بمقدورهم المواجهة في ميدان خال من منافسين جديين. وبحسب تقديرات الحزب فان هؤلاء الخصوم قد شطحوا في طموحاتهم الى حد إشهار الرغبة في "استرداد" مقادير الرئاسة الاولى، فما لبثوا ان بالغوا في عمليات استعراض القوة ورمي قفاز التحدي في وجوه الآخرين ومثالهم الابرز رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. وهم بالاجمال تصرفواعلى اساس ان الآخر فقد زمام المبادرة بفعل الانتخابات الاخيرة وما اصاب بعض الأفرقاء من وهن وتراجع.

وحيال ذلك كله فان السؤال المطروح هو: اذا كان دقيقا الاستنتاج بان الحزب قد غادر مرحلة "النعومة والسلاسة" وقرر للتو الولوج في مرحلة استعادة "التحكم والسيطرة"، فما هي الخيارات التالية في جعبته؟ واستتباعا ما هي خطوته التالية؟ وهل سيظل عند حدود شعار الدعوة الى رئيس توافقي فحسب؟

الثابت ان الحزب أظهر اخيرا عبر تصريحات لثلاثة من نوابه هم فضل الله وابو حمدان وابرهيم الموسوي الوجه الاكثر حزماً عبر خطاب بات مستنسخا عن اصل واحد وفحواه: لا تطمعوا اكثر بليونتنا ومرونتنا السابقة فتلك "لزوم" مرحلة تولّت وثمة مرحلة اخرى قررنا المضي فيها. ومن البديهي ان خصوم الحزب يقدّرون ان ثمة نسخة اخرى منه انطلاقا من انه ينسب فضل انجاز الترسيم البحري الى ذراعه ومسيّراته وترسانته، وانه بات يتصرف وكأن ثمنا سياسيا يتعين ان يبادر الى قبضه، لذا رأيناه وقد اشتد ساعده وعلت لهجته.

وبصرف النظر عن صحة هذه القراءة، فان المعطيات الشحيحة التي يسمح الحزب بالبوح بها للمتصلين بدوائر القرار عنده، تشي بان الاداء الذي قدمه خلال الساعات الاخيرة قد أدى الى الآتي: - أنه احتوى الى حد بعيد هجمة الخصوم الباكرة عليه والتي بدت متعجلة لقطف الثمار قبل فوات الاوان.

- انه بات يفترض ان على هؤلاء الخصوم ان يهدأوا ويعيدوا النظر بخياراتهم وطريقة مقاربتهم للاستحقاق الرئاسي.

- انه (الحزب) يبلغ الى من يعنيهم الامر انه لن يبقى عند حدود الاستيعاب والاحتواء بل ستكون له في القريب العاجل هجمة مرتدة.

- الامر الاساس انه يفترض ان تكون الاشهر الخمسة الماضية التي تلت الانفتاح العملي لأبواب السباق الى قصر بعبدا والاشهر المقبلة والتي ستكون وفق كل التقديرات فترة شغور رئاسي، بمثابة مهلة زمنية للحلفاء لكي يعيدوا النظر بحساباتهم في ضوء التجارب ويقتنعوا بالمضي نحو مقاربات مختلفة اكثر روية واكثر بُعدا عن المكابرة والكيدية.

وفي هذا الاطار تقر مصادر الفريق الذي يدير ملف الاستحقاق الرئاسي بتحليل يروّج له الخصوم ويقوم على فرضية ان الحزب يعاني ثغرة اساسية تنطلق من المشكلة التي لا ينكرها بين حليفيه المسيحيين ("تيار المردة" و"التيار الوطني الحر") والتي خابت كل جهوده الرامية الى انهائها عبر تنازل احدهما للآخر.

وثمة غموض حقيقي من جانب حليفه الآخر وهو حركة "امل" التي ما زالت تحيط موقفها الجوهري حيال هذا الملف بستار من الضبابية. كذلك ثمة انتظار لنتائج المساعي الخارجية ولاسيما منها الفرنسية الواعدة.

عموما، ولج الحزب مرحلة عنوانها ان ما بعد الترسيم هو غير ما قبله، وانه يتعين عليه التقدم لإثبات الحضور وللاستثمار، والاختبار الاول هو الانتخابات الرئاسية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o