Oct 07, 2022 8:34 PM
متفرقات

أكاديمية بشيرالجميّل تنشر فصولا من تاريخ "الأشرفية" في حرب المئة يوم

"نحن جيش نظاميّ لنا تاريخنا وتراثنا ورصيدنا في العالم العربيّ ولنا وزن عالميّ، هل تريد أن ترانا مكبّلين في المجلس الحربيّ عند بشير الجميّل"
مخابرة بين اللواء علي اصلان واللواء سامي الخطيب

أشرفية الصمود...
أشرفية التضحية...
أشرفية المقاومة...
أشرفية الحياة...
أشرفية القرارالأمميّ 436...
أشرفية البداية، بداية الإندحار السوري من لبنان...
إنّها أشرفية البشير

1 تموز 1978، الساعة الرابعة والنصف، وخلال توجهه إلى بلدة الحدث لعيادة جريحة أصيبت برصاصة قبل أيام، اعترض حاجزٌ سوريٌّ الشيخ بشير الجميّل في ساحة ساسين، ونقلوه مع مرافقيه إلى مقر قيادة القوات السوريّة في برج رزق رغم معرفتهم المسبقة بهويته. أطلق سراحه فورًا، ولكنّ هذه الحادثة أدت إلى شحن الأجواء، وشكّلت الشرارة الفعليّة التي أطلقت حرب ذلك الصيف.

قسّمت الأشرفية إلى قسمين: فقد انتشر السوريّون من السوديكو وصولًا إلى ساسين، ومن ساسين حتى الكيك هاوس وكرم الزيتون، ومن جهة برج رزق (حيث تمركزعلى سطحه القنّاصة ونصبت راجمة عيار 120) إمتدادًا حتى الوقف الدرزي. وقد اعتمد السوريّ هذا الخط للإنتشار إذ كان يؤمن له التغطية المناسبة من المناطق المساندة له للمحافظة على مواقعه وتأمين طرق الإمدادات اللوجستيّة ونقل الجرحى.

فتحت النار بغزارة على قوى الأمن الداخليّ في ساحة الدباس، هوجم البيت المركزيّ لحزب الكتائب، قذائف على المركز الرئيسيّ لحزب الأحرار في السيوفي أشعل النار في طبقاته. قصفت المدفعيّة السوريّة الهمجيّة المناطق المسيحيّة في بيروت الشرقيّة وبعض مناطق المتن وكسروان. تتصاعد النيران من عنابر مرفأ بيروت، القصفُ المدفعيُّ والصاروخيُّ يشتّد، والاشتباكات تزداد عنفًا يومًا بعد يوم في مناطق المرفأ، فرن الشباك، عين الرمانة، سن الفيل، غاليري سمعان، الشياح، التحويطة والكرنتينا. وقد طال القصف محاور في الضاحية الجنوبيّة ومناطق في بيروت الغربيّة في الروشة وزقاق البلاط. أمّا الأشرفية فكانت لها حصة الأسد: في الدقيقة الواحدة تدّك بحوالي 100 قذيفة، وبشهادة مراقبين من البعيد فقد كان المشهد أقرب إلى احتفاليّة بألعاب ناريّة. فقد تحول ليل المدينة إلى نهار، ونهارها إلى مدينة أشباح: طرقات خاليّة، دمار أبنيّة لم يتبقَ سوى فتات حجارتها، حتى الملاجىء، الملاذ الأخير، لم تسلم. فقد استعمل السوريّ للمرة الأولى قذائف 240 ملم توصلت أن تخترق مبانٍ من أربعة طوابق، وغطّى غبارها الجوار والطرقات.

" كانت السيدة في بيتها مثل المقاوم على الجبهة".

ظروف معيشيّة مأساويّة عاشتها الأشرفية: حصار محكم، قصف متواصل للأحياء الداخليّة، لا ماء ولا كهرباء، لا طعام ولا دواء، خطورة واستحالة التنقل داخل المنطقة وخارجها خاصة مع انقطاع مادة البنزين.

بدأت المقاومة باللحم الحي في مواجهة جيش نظامي. توزعت المجموعات في الأماكن المواجهة للعدو السوريّ، وكانت خطة المقاومة تهدف إلى تضييق الخناق على الجيش السوريّ عند كل نقطة تمركز لوحداته للحؤول دون قيامه بعمليات هجوميّة، وإقفال كل الطرقات لوقف خط ربط القوات السوريّة ووصول الإمدادات. بنيت التحصينات وفتحت طرقات عسكريّة تربط كل المباني بممرات محميّة حيث تمّ بناء متاريس وإنشاء الدشم الترابيّة، كما وضعت المستوعبات الكبيرة والباصات المحترقة من أجل عزل الرؤيا مما يقي المواطنين خطر الإصابة من رصاص القنّاصة.
دارت معارك كبيرة في الأشرفية أبرزها معركة الكيك هاوس وبيرتي حيث طرد السوريّ وتراجع عن مواقعه المتقدمة. معارك استبسل فيها حفنة من المقاومين المؤمنين والمندفعين للقتال والاستشهاد بهدف استرجاع أرضهم في وجه جيش نظاميّ استعمل كل أسلحته الثقيلة وكل أساليبه الوحشيّة لتركيع منطقة وأمة، فخرج نهاية المطاف مطرودًا يستنجد، فلا بيئة تحتضنه ولا قرارات دوليّة تدعم موقفه.

أعطى تواجد القادة على الأرض مع أهلهم طيلة فترة الحرب، دعمًا معنويًّا كبيرًا. فقد كان لحضور الرئيس كميل شمعون السياسيّ وبشير الجميّل العسكريّ والقتاليّ والسياسيّ الوقع المؤثرعلى المقاومين، وتركت جولاتهما الدائمة بين الأحياء ومع الأهالي ارتياحًا أعطى القوة، فرسّخا بخطواتهما صورة القادة الّذين لا يتخلّون عن أهلهم ودورهم ولا يهابون الموت. فعندما طلب من الرئيس شمعون ومن الشيخ بشير الخروج من المنطقة خوفًا على حياتهما، رفضا واعتبرا أن حياتهما ليست أغلى من ارواح المقاومين والمدافعين عن أهلهم وأرضهم وقضيّتهم. 

 إن أبرز دروس حرب المئة يوم كانت بكيفية تحقيق الانتصارات بتكامل عمل المقاومة العسكريّ- السياسيّ. فمن خلال النشاطات والاجتماعات الّتي كانت قائمة آنذاك في مكاتب المقاومة في واشنطن خاصةً والعالم عامةً، لدعم صمود ومقاومة أهل الأشرفية، إكتشف المكتوب المرسل سنة 1976 من إيغل آلون وزير خارجية إسرائيل آنذاك إلى حافظ الأسد برعاية ووساطة جوزيف سيسكو وزير خارجية الولايات المتّحدة، والّذي حدّد الخطوط الحمر لدخول الجيش السوريّ إلى لبنان وأهمها عدم السماح باحتلال المناطق المسيحيّة الرافضة لوجوده. عندئذ تركز العمل على إقناع امريكا من قبل المقاومة ومن قبل الدول الصديقة في العالم بالضغط على سوريا لسحب جيشها من الأشرفية وتمّ ذلك بنجاح. وتجسّد هذا النجاح من خلال إصدار الأمم المتّحدة القرار 436 الّذي أخرج الجيش السوري ذليلًا عسكريًّا وسياسيًّا من الأشرفية. إن هذا النجاح السياسيّ لم يكن ممكنًا لولا تضامن المقاومة والشعب في الأشرفيّة.
 فكانت بداية النهاية...

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o