Sep 14, 2022 11:06 AM
خاص

بحثا عن "بشير الثاني" أم عن المنقذ الأول؟

يارا أبي عقل

المركزية-.. وفي الذكرى الأربعين، لم يندمل جرح الوطن بعد... ذلك أن الثلثاء الأسود الذي انفجر فيه بيت الكتائب في الأشرفية لم ينته إلى مجرد جريمة عادية من الصنف الذي يعتاده الناس في زمن الحرب وتصفية الحسابات الدولية والمحلية الصغيرة والكبيرة. إنه الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس المنتخب بشير الجميل و23 شخصا آخرين بعد 3 أسابيع فقط على بلوغه سدة الرئاسة. إنه الحدث الذي أجهز على حلم كبير لوطن صغير تجرأ أبناؤه على أن يتأملوا في زمن أفضل جسّده شخص واحد... لكن هناك من لم يكن يريد للبنان ذلك.

على حين غرة، سقط "البشير" في قلب الأشرفية، مكانه الأرحب والأوسع، وفي حاضنة حزب الكتائب، الشاهد الأول على انطلاقته وصعوده الصاروخي في العالم السياسي، بعد نجاح عسكري باهر أتاح له فرض المعادلات السياسية والعسكرية التي يريد، والتي أجبر الجميع على السير بهديها. على أن الموضوعية تفترض الاعتراف للرجل بأنه نجح في تجاوز انتمائه المسيحي الكتائبي الذي لا يقبل جدلا ولا يحتاج تفسيرا، ليتحول رئيسا لجميع اللبنانيين. بقدرة فائقة على التكيف مع المتغيرات الكثيرة في مشهد لبناني يتقلب على نيران المعادلات الاقليمية والدولية، خلع بشير زي قائد الميلشيا ليرتدي "بذة الرئيس "للي جايي بمهمة كتير محددة: 10452 كلم مربعا"، كما قال في إطلالته الرئاسية الأولى عبر شاشة تلفزيون لبنان، راسما بوضوح الخطوط العريضة لعهده الذي لم يعمر إلا أياما قليلة... 21 يوما كانت كافية لتحفر في مخيلة الناس ما يمكن اعتبارها الصورة الأفضل عن الرئيس القوي، القادر...

قد يقول قائل إن من الأفضل أن يترك لبنان للتاريخ مهمة إنصاف بشير الجميل، صاحب المواقف الكبيرة والسجل السياسي الحافل. لكن هذا لا ينفي أنه أيضا من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في التاريخ اللبناني الحديث، على اعتبار أنه ركن إلى خيارات لا تلقى إجماعا لبنانيا تاما، عمل جاهدا لإرسائه..

غير أن بعض الهامات والقامات لا يسعه انتظار كتابة التاريخ بموضوعية. فالزمن على جبروته في تجاوز الأشخاص وتقليب الصفحات، لا يمكن إلا أن يتوقف عند البعض الاستثنائي، وهي حال بشير. ولفهم هذه الصورة، يكفي النظر إلى حال لبنان اليوم: بعد 4 عقود على استشهاد الرجل الأسطورة، لا تزال البلاد غارقة حتى العظم في رحلة البحث المضني عن رئيس جديد، رئيس لا يكون كمن سبقوه إلى الكرسي الأولى، رئيس قادر على فرض كلمته المسموعة في الداخل والخارج، رئيس يفهم معنى القوة في الحكم، على أنها تبدأ باحترام الدستور والقانون، ولا تنتهي عند تكريس السيادة في يد الشرعية التي لا يشاطرها أحد السلاح ولا قرارات الحرب والسلم ومعادلات ترسيم الحدود مع الأعداء.... رئيس يشبه بشير؟ ربما، مع العلم أن في ذلك ظلما للرئيس المقبل لأسباب عدة أولها أن بعض الأسماء الكبيرة لا تتكرر، وثانيها أن الظروف التي سادت في البلاد في حقبة الحرب انتفت، وما عادت هي نفسها...

قد يكون في ذلك شيء من الحنين إلى زمن سياسي قد لا يتسنى لمن لم يعايش بشير أن يعرفه. لكن الأكيد أن مرور السنين لا يغير شيئا في وصفة خلاص بلاد لم يستخلص ناسها العبر من الحرب الأهلية ... عسى أن تكون الذكرى الـ 40 بداية لتنقية الذاكرة والبحث عن رئيس جديد لا نريده أن يكون بشير الثاني، بل المنقذ الأول.. مستلهما تجربة الحلم الأول...    

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o