Sep 13, 2022 6:28 AM
صحف

الموازنة على مشرحة "التشحيل".. وكنعان: أنا بريء من "دمها"!

التشحيل الذي طال بنوداً عدة في مشروع الموازنة، إضافة الى وجود بنود خلافية في متنها، سيجعل إقرارها في الجلسة التشريعية محفوفاً بالصعوبات. وفي المقابل فإن الوقت الفاصل عن حصر المجلس النيابي عمله بانتخاب رئيس للجمهورية يجعل إعادة المشروع إلى لجنة المال والموازنة تحت ضغط عامل الوقت، فضلاً عن أن المجلس يفترض أن يبدأ قبل نهاية العام بدرس مشروع موازنة العام المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار الضرورة الدستورية والمؤسساتية والمالية لإقرار الموازنة، إضافة إلى كونها واحدا من اهم شروط التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

النائب أحمد الخير وجّه جملة انتقادات لمشروع الموازنة، واعتبر أنه "بالنسبة لعامل الوقت كان مفترضاً ان نناقش كنواب اليوم موازنة العام ٢٠٢٣ بدلا من موازنة ٢٠٢٢ بعد مرور تسعة أشهر وبعد أن اصبحت السنة على نهايتها". هذا في الشكل، أما في المضمون فيشير الخير في حديثه مع جريدة "الانباء" الالكترونية الى "التخفيض الملفت في عدد مواد الموازنة. فبعد ان وصل العدد الى  ١٣٩ مادة تم تخفيضها الى ١٢١ مادة، وكذلك التخفيض في ارقامها. فإذا كان هناك خلل ما والأرقام ليست موضوعية فكيف يمكن التصويت على هكذا موازنة"، ويلفت الخير إلى "عدم الوضوح بما خص النفقات والواردات، وكذلك في آلية تمويل العجز"، وسأل "على أي أساس في بلد يمر بفترة ركود خطيرة ونسبة نمو سلبية بظل عدم اللجوء إلى طلب المساعدة من الخارج بسبب تخلف لبنان عن سداد ديونه وعزوف المصارف عن دفع أموال المودعين؟ وعلى أي أساس أيضا سيتم تحديد سعر الدولار الجمركي بـ ١٠ أو ١٢  أو ٢٠ ألفا؟، كذلك لم يتم التطرق الى موضوع تمويل الموازنة وضبط المنافذ الجمركية الشرعية وغير الشرعية التي يجب أن توفر مئات ملايين الدولارات"، مستغربا عدم الاشارة الى موضوع الإنفاق الاستثماري باعتباره أمرا أساسيا في مسار النمو. كما لم تلحظ الموازنة اي من الخطوات الاصلاحية وخاصة بما يتعلق بقطاع الكهرباء الذي يستنزف نصف الدين العام وكذلك بموضوع استيفاء الرسوم والضرائب. كذلك لم تلحظ كيفية اعادة الودائع لأصحابها، لكنها في المقابل ذهبت إلى تحديد فوائد عالية لتحفيز المواطنين على وضع أموالهم في المصارف من دون العمل على ترسيخ عامل الثقة معهم. إذ لا يجوز إعطاء الأخير محفزات من دون الاتفاق على خطة واضحة لإصلاح هذا القطاع.

من حهته، أشار موقع ام تي في الى ان جلسات مناقشة الموازنة لعام ٢٠٢٢ تنطلق غداً، ونحن، للتذكير، في منتصف أيلول. وما يجدر التوقف عنده، قبل أن تبدأ عمليّة "فرم" مشروع الموازنة على لسان بعض النواب، إمّا عن حقّ أو لضروراتٍ شعبويّة، أنّ البادئ بتلك المهمّة كان رئيس لجنة المال الموازنة النائب ابراهيم كنعان نفسه، الذي يتحدّث مطوّلاً عن مساوئها، وكأنّها يقول، قبل النقاش والإقرار، اللهم إنّي بلّغت.

يغسل كنعان يديه من "دم" الموازنة. أحالتها لجنته الى الهيئة العامّة من دون إقرارها، على الرغم من عمليّة التجميل التي أجرتها للمشروع. لا يُصلح العطار ما أفسده الدهر، فحافظت الموازنة على بشاعتها، على الرغم من التجميل الذي أتى بعد إلغاء ٢٧ مادة وتعديل ٣٧ وتعليق ١٤، وغالبيّة هذه المواد تتضمّن رسوماً وضرائب.

أولى المساوئ تكمن في غياب الرؤية الاقتصاديّة. هي موازنة تجميع أرقام، بلا رؤية وبصيرة. وثانيها أنّها وردت خارج المهلة الدستوريّة، وثالثها أنّها تتألف من أربعة فصول، ثلاثة منها مجرّد نصوص حُشرت فيها. ورابعها عدم واقعيّة الواردات المقدّرة في ضوء حالة الانكماش الاقتصادي. وإن استمرّينا في العدّ لأطلنا، ولهذه الغاية أعدّت لجنة المال تقريراً مفصّلاً عدّدت فيه سلبيّات مشروع الموازنة وتوقّفت فيه عند الزيادة العشوائيّة في الرسوم والضرائب، من دون الأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعيّة وارتفاع نسبة البطالة وتدنّي نسبة النمو…

ويتوقّف كنعان عند الارتباك في السلطة التنفيذيّة، فلا موقف موحداً من توحيد سعر الصرف ولا من الدولار الجمركي، وهذا الأمر يفقد الموازنة واقعيّتها، ونكاد نقول جدواها.

وكان لافتاً أنّ اللجنة طلبت من الحكومة تخفيض نفقات وواردات مشروع الموازنة، على ضوء عوامل عدّة، من أبرزها انقضاء أكثر من سبعة أشهر من السنة الماليّة ٢٠٢٢، وبالتالي اقتصار تحصيل الواردات المقدّرة على أربعة أشهر على أبعد تقدير.

وقد استوقف اللجنة وضع رواتب موظفي القطاع العام وانعكاسها على أداء الإدارة في ضوء انخفاض القدرة الشرائية لهذه الرواتب بنسبة تزيد عن 2300%، لدرجة ان الراتب، مهما بلغت قيمته، لم يعد يكفي حتى لانتقال الموظف يومياً من منزله الى مركز عمله. 

كما استوقفت اللجنة طريقة معالجة الحكومة لموضوع الرواتب بتخصيص العاملين في القطاع العام والمتقاعدين بمساهمة اجتماعية تعادل قيمة راتب واحد ضمن حدّين أدنى وأعلى. 

وقد تداولت اللجنة بحلّ مؤقت الى حين إعادة النظر بسلاسل الرتب والرواتب، يقضي بمضاعفة الرواتب ثلاث مرات، أي إعطاء الموظف ثلاثة رواتب حالية، لا يدخل منها في حساب معاشات التقاعد سوى الراتب الأساسي الحالي، إلا أن الحكومة تمسكت بالتدابير التي باشرت بتنفيذها، فعلّقت اللجنة المادة المذكورة وتركت أمر البتّ بها للهيئة العامة، علماً بأن كلفة الحل الذي تداولت اللجنة به تبلغ 2460 مليار ليرة شهرياً في حين أن كلفة تدابير الحكومة، أي الراتب مع المساعدة الاجتماعية المعادلة للراتب، تبلغ 1490 مليار ليرة شهرياً، كما أفادت وزارة المالية.

لقد كانت لجنة المال والموازنة، برئاسة النائب ابراهيم كنعان، أمام الاختيار بين السيء والأسوأ. السيء هو السير بالموازنة كما هي. الأسوأ ألا تكون هناك موازنة والاستمرار في الصرف على قاعدة الإثني عشرية. بين الخيارين، فضّل كنعان أن يُحال مشروع الموازنة الى الهيئة العامة لمجلس النواب، من دون إقرارها.

يبقى السؤال: كيف لحكومة أن تحيل هكذا مشروع موازنة منفصل عن الواقع الذي نعيش فيه؟

يملك مصدرٌ نيابي الجواب الشافي: "هكذا حكومة فاقدة الوعي تنتج هكذا موازنة"…

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o