Aug 31, 2022 7:21 AM
صحف

وساطة "حزب الله" لحل المأزق الحكومي تصطدم بتهديد باسيل بسحب وزرائه

يبقى احتمال تعذّر انتخاب رئيس جديد للبنان في المهلة الدستورية المحدّدة لانتخابه والتي تبدأ غداً الهاجس الأكبر الذي لا يفارق القوى السياسية، وهذا ما خلص إليه مصدر نيابي بارز في استقرائه الأجواء التي سادت لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري برئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، ولاحقاً باجتماعه مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور وليد جنبلاط.

ويكشف مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط»، عن أن بري وإن كان يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس في المهلة الدستورية، فإنه في المقابل يتريّث بدعوة النواب لجلسة الانتخاب إفساحاً في المجال أمام الكتل النيابية للتوافق على الرئيس العتيد، وسيبادر في حال تأمين التوافق إلى دعوتهم فوراً لحضور الجلسة خلال المهلة المحددة لانتخاب الرئيس.

ويؤكد بأن تريّثه لن يذهب هدراً وسيبادر إلى عقد جلسة تشريعية لإقرار الموازنة للعام الحالي والإصلاحات المطلوبة لتسهيل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا ما اتفق عليه مع الرئيس ميقاتي، ويقول بأن الرئيس بري يؤيد تعويم حكومة تصريف الأعمال لقطع الطريق على إقحام البلد في دوامة من الاشتباكات الدستورية لا طائل منها.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية متطابقة، أن مسؤول التعبئة والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا لم يتمكن من إقناع رئيس الجمهورية ميشال عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بضرورة السير في تعويم حكومة تصريف الأعمال، رغم أن ميقاتي قدّم أقصى التسهيلات المطلوبة لجهة عدم ممانعته بأن يسمي عون الوزيرين البديلين لوزيري الاقتصاد أمين سلام والمهجرين عصام شرف الدين، شرط ألا يكونا من الأسماء النافرة مراعاة لكتلة «الاعتدال» العكارية التي كانت سمّت ميقاتي لتشكيل الحكومة.

ولفتت المصادر السياسية نفسها إلى أن تسمية الوزير الدرزي لن تتسبب بمشكلة مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي كان أبلغ ميقاتي بأنه ليس معنياً بتسمية الوزير الدرزي البديل ولن يتدخّل في اختياره، لكن عون وباسيل يصرّان على تشكيل حكومة موسّعة من 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء دولة تختارهم القوى السياسية التي كانت أعلنت أنها تنأى بنفسها عن المشاركة في الحكومة، خصوصاً تلك المنتمية إلى المعارضة وتكتل قوى التغيير.

ورأت المصادر بأن هناك ضرورة إلى توفير الحماية السياسية لميقاتي في تصدّيه لمحاولات الابتزاز والتهويل التي يمارسها باسيل بتناغم مع عون، وقالت إن باسيل بإصراره على تشكيل حكومة موسعة يريد السيطرة على المفاصل الرئيسية في الحكومة العتيدة؛ تحسُّباً منه لتعذّر انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية لانتخابه؛ ما يتيح له بأن يكون شريكاً في إدارة الفراغ.

وتوقفت أمام ما يتردّد حالياً من أن باسيل سيبادر إذا لم يؤخذ بشروطه بتشكيل حكومة موسّعة إلى سحب وزرائه من حكومة تصريف الأعمال، وقالت بأن تهويله في هذا الخصوص لن يصرف في مكان وأن مفاعيله تنتهي فور انتهاء الولاية الرئاسية لعون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) وانتقاله إلى بيته العائلي في الرابية.

وتضيف: إذا أراد باسيل أن يرفع من منسوب تصعيده السياسي بدعوة محازبيه وأنصاره إلى التحرّك احتجاجاً على عدم الانصياع لشروطه، فإنه سيضطر إلى مراجعة حساباته بدقّة لئلا يقع في محظور تهديد الاستقرار الذي يستدعي تدخل القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش لحفظ الأمن في حال أن التحرك الاعتراضي تجاوز الخطوط الحمر وشكّل تهديداً للسلم الأهلي.

وتعتقد المصادر نفسها بأن باسيل لن يكون مضطراً إلى استعراض قوته واختبار ردود الفعل طالما أن «حزب الله» لا يحبّذ مثل هذه الخطوة، وقال كلمته بلسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد بدعوته إلى تعويم هذه الحكومة لتكون حكومة كاملة الصلاحيات؛ لأن الحزب يرفض الفراغ في المؤسسات الدستورية و«نحن لا يهمنا من يذهب ومن يعود بل عوّموا هذه الحكومة».

فـ«حزب الله» وإن كان أمينه العام حسن نصر الله قد أكد بأن تحالفه مع «التيار الوطني» مستمر، فإنه يتعاطى مع ملف تشكيل الحكومة من زاوية إقليمية، آخذاً في الاعتبار ما يدور في المنطقة من حراك، سواء فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي أو بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية بعد أن تراجعت الآمال المعقودة على إنجازه في وقت قريب، من دون أن يتجاهل ما يدور في العراق، وإن كانت مصادر شيعية تقول لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه الأحداث لن يكون لها ارتدارات سلبية على الثنائي الشيعي في لبنان، لكنها لا تخفي قلقها من تداعياتها على المكوّن الشيعي في العراق.

وتفرض هذه الاعتبارات على «حزب الله» بأن يتمايز عن باسيل في الشأن الحكومي من دون أن يهتز تحالفه الاستراتيجي معه وهو يلتقي وبلا تنسيق مسبق ومن موقع الاختلاف مع «اللقاء الديمقراطي»، في تعاطيه بالملف الحكومي. ويأتي الموقف الذي صدر عن «اللقاء» في اجتماعه برئاسة النائب جنبلاط وحضور رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بمثابة رافعة تؤمّن الدعم لميقاتي الذي يلقى تفهّماً من رئيس البرلمان الرافض لتوسيع الحكومة إذا كان يراد منها الإخلال بالتوازنات وتمكين طرف من الاحتفاظ بالثلث الضامن، خصوصاً إذا كان باسيل هو صاحب هذا الطرح.

وعليه، فإن دعوة «اللقاء الديمقراطي» الحكومة الحالية للقيام بمهامها كاملة في حال الوقوع في فراغ رئاسي أو تعذّر تشكيل حكومة جديدة تنمّ عن رفض للاجتهادات الدستورية أكان مصدرها باسيل أو المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي، خصوصاً أنها قوبلت برفض من قبل قوى سياسية متعددة الانتماءات.

وأخيراً، يبدو أن حظوظ انتخاب الرئيس في الموعد الدستوري أخذت تتراجع؛ مما يعني أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي سيواجه صعوبة ولن يكون مستحيلاً في حال تبدّلت الأوضاع في المنطقة لأن من دونها لا يمكن الاستعانة بكاسحة ألغام لتعطيل الأفخاخ التي تعيق انتخابه ولا تترك مجالاً للرهان على الفراغ الرئاسي الذي يتقدّم حتى الساعة على ما عداه.

يقول مصدر مواكب للملفّ الرئاسي والحكومي عبر "أساس": "معسكر الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي وحزب الله صاحب مصلحة في تأليف حكومة تعفي الداخل اللبناني الهشّ من "زلزال دستوريّ - سياسي" يمنح صلاحيّات رئاسة الجمهورية لحكومة ناقصة ومستقيلة بحكم الدستور وتصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق، وهو واقع لا أحد في لبنان وخارجه قادر على توقّع تداعياته، إلّا إذا صدر قرار كبير بتغيير النظام والدستور". 

من جهة أخرى، جبران باسيل وأركان العهد "الموالون" لرئيس التيار الوطني الحرّ، هم أصحاب مصلحة ليس فقط في ولادة حكومة تتسلّم صلاحيات الرئيس، بل في عدم التئام مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية لن يكون اسمه جبران باسيل بل "خياراً ثانياً" سيكون الأخير مجبراً على تزكيته أو إعطائه "الغطاء المسيحي" رغماً عن إرادته.

في الساعات الماضية أفتى حزب الله، على لسان النائب محمد رعد، بتعويم الحكومة. وهو الخيار الذي يفرض نفسه حتى إشعار آخر، والذي يعني إمّا إعادة منح الثقة للحكومة كما هي بتركيبتها، وهو الخيار الأقرب إلى رغبة حزب الله، أو إجراء تعديلات محدودة عليها. أمّا خيار توسيعها إلى 30 وزيراً فلم يعد وارداً بعد تداوله في الأسابيع الماضية، وهو أمر يلقى معارضة صريحة من الرئيسين برّي وميقاتي.

يخفي هذا المشهد أيضاً رغبة ضمنيّة لدى معسكر باسيل بعدم حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها وصولاً إلى منح الغطاء السياسي الكامل لتولّي الحكومة، بعد ترميمها، صلاحيّات الرئاسة الأولى بمنطق معاكس لخطاب باسيل المعروف بدعوته إلى حماية الموقع المسيحي الأوّل والدفاع عن صلاحيّاته. 

 ذهب الأمر بباسيل إلى حدّ التساؤل في مقابلة مع الزميلة "الأخبار": "هل سمعنا أحداً يقول إنّنا في حال تشكيل حكومة والوصول إلى فراغ رئاسي لن نقبل بتسلّمها صلاحيّات الرئيس؟"! موقف مستغرب من قبل مرجعية "زاحت" اللبنانيين منذ العام 2005 بالدفاع عن حقوق المسيحيين وصلاحيّات الرئيس وموقعه.

مستويات باسيل الثلاثة

مع أنّ باسيل وضع ثلاثة مستويات في "كاتالوغ" انتخاب رئيس الجمهورية، إلا أنّه يتمسّك بورقة وحيدة لا غير هي شرعيّته التمثيلية التي يفترض أن تتيح له دخول القصر بعد خروج عون منه "حين تتوافر ظروف انتخابه رئيساً"، ولذلك فالفراغ الرئاسي مشروع بالنسبة إليه: 

- المستوى الأول: القدرة التمثيلية، وهي التي تعني انتخاب باسيل أو سمير جعجع لرئاسة الجمهورية باعتبارهما صاحبي الكتلتين المسيحيّتين الكبريين في مجلس النواب. ولأنّ جعجع "مشطوب" باسيليّاً من المعادلة الرئاسية، فإنّ باسيل، وفق مطّلعين، يراهن على تغييرات إقليمية ودولية تحسّن حظوظه الرئاسية طوال فترة الشغور الرئاسي الذي يُنقل عن مصدر قيادي في حزب الله أنّه قد يطول كثيراً في حال تجاوزنا تاريخ 31 تشرين الأول من دون انتخاب رئيس للجمهورية. اللافت في هذا السياق تكرار باسيل في مجالسه "بأنّني لا أحرج حزب الله بكوني زعيم أكبر كتلة نيابية ومسيحية لتبنّي ترشيحي للرئاسة. ظروفي تختلف عن ظروف ميشال عون وتبنّي الحزب له. أنا أقول لهم فقط أمرين: ممنوع تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيّات الرئيس، والأمر الثاني لن أقبل بأن يُفرض علينا رئيسٌ من خارج المعايير، وهم أيضاً معنا في هذا التوجّه".

- المستوى الثاني: تجيير التمثيل المسيحي والشعبي لكلّ من باسيل وجعجع وسليمان فرنجية عبر التوافق على اسم مرشّح للرئاسة. وهو أمرٌ يرفضه باسيل ضمنيّاً ويُقرّ أصلاً بصعوبته، ولا يوافق عليه أيضاً خصومه المسيحيون. تفيد معلومات في هذا السياق أنّ النقمة تكبر داخل "التيار" بسبب عدم مبادرة باسيل إلى ترشيح اسم نائب ماروني من داخل التكتّل، فيما هناك أكثر من اسم يحظى باحترام باقي الكتل النيابية ولديه قنوات مفتوحة مع الجميع بعكس باسيل "المنبوذ" سياسياً. 

- المستوى الثالث: فرض ترشيح شخصية لا تتمتّع بأيّ صفة تمثيلية، وهو واقع هدّد باسيل بأنّه لن يمرّ. وقد بلغت به صراحته حدّ مفاتحة الفرنسيين برفضه لأسماء تطرحها باريس كحلّ وسط لأنّها "مفروضة علينا ولا تتمتّع بحدّ أدنى من التمثيل"، فيما يتعهّد علناً بمحاربة مشروع جعجع لإيصال أيّ مرشّح يتبنّاه بالتنسيق مع نواب التغيير.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o