Aug 18, 2022 6:04 AM
صحف

لقاء بعبدا: وقت مستقطع في مبارزة "النفس الطويل"!

"في 29 حزيران الماضي قدّمتُ إلى فخامة الرئيس تشكيلة للحكومة"... بهذه العبارة "البريئة" استهل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تصريحه المقتضب، إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، ليذكّر الداخل والخارج بأنّ تشكيلته الحكومية ما زالت محتجزة في قصر بعبدا منذ قرابة الشهرين رهينة مباحثات "الإفراج المشروط" عنها من قبل دوائر العهد وتياره، لا سيما وأنه بدا شديد الحرص على الإشارة إلى كون البحث لا يزال محصوراً بهذه التشكيلة دون سواها... و"للحديث صلة".

وبعد 47 يوماً على القطيعة بينهما منذ تاريخ آخر زيارة قام بها إلى قصر بعبدا، خرج الرئيس المكلف إثر لقاء لم يدم أكثر من نصف ساعة مع رئيس الجمهورية أمس ليطمئن اللبنانيين إلى أنّ "وجهات النظر كانت متقاربة"، الأمر الذي أدرجته مصادر مواكبة لكواليس الملف الحكومي في خانة "ترجمة المساعي التي بذلت في الأيام الأخيرة لفرض وقت مستقطع في مبارزة النفس الطويل التي يخوضها ميقاتي مع عون بانتظار نهاية العهد"، كاشفةً لـ"نداء الوطن" أنّ "ضغوطاً من غير اتجاه داخلي وخارجي هي التي أفضت إلى إعادة الحرارة إلى قنوات التواصل على خط بعبدا – السراي، بحيث شكّل عيد انتقال السيدة العذراء المخرج لمعضلة انتظار الرئيس المكلف دعوة رئيس الجمهورية لزيارة بعبدا، فقضى السيناريو التسووي الذي تم التوصل إليه بين الوسطاء بأن يتولى الأول الاتصال بالثاني للمعايدة على أن يتولى الثاني دعوة الأول لزيارته أثناء الاتصال".

ونقلت المصادر أنّ "حزب الله" لعب دوراً أساسياً على المستوى الداخلي في الدفع باتجاه استئناف اللقاءات بين عون وميقاتي "واتفاقهما أقله على تعويم حكومة تصريف الأعمال إن لم يكن على تأليف حكومة جديدة"، أما على المستوى الخارجي "فتعددت قنوات الضغط انطلاقاً من حاجة لبنان إلى حكومة دستورية وقانونية قادرة على الاجتماع واتخاذ القرارات لا سيما ما يتصل بالإصلاحات التي التزم بها لبنان لإتمام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ولكي يكون لبنان جاهزاً أيضاً لإقرار اتفاق الترسيم البحري لحدوده الجنوبية في حال التوصل إلى الصيغة النهائية لهذا الاتفاق مع إسرائيل عبر الوساطة الأميركية".

وتحت سقف تقاطع الضغوط الداخلية والخارجية، عقد لقاء بعبدا "بنوايا إيجابية متبادلة لاستكمال النقاش الحكومي من النقطة التي توقف عندها في لقائهما الأخير"، وأوضحت المصادر أنّ "الرئيس المكلف أعاد خلال اللقاء شرح الأسباب الموجبة التي كانت قد دفعته إلى الإسراع في تقديم تشكيلته غداة تكليفه، وجدد إبداء انفتاحه على أي تصور مشترك مع رئيس الجمهورية ضمن الثوابت التي اعتمدها في هذه التشكيلة"، مشيرةً إلى أنه "بنتيجة النقاش تم التفاهم على الحاجة إلى التفاهم على تشكيل الحكومة والتوافق على بعض الحقائب والأسماء، على أن يقوم كل منهما بمروحة اتصالات من جانبه لتحقيق هذه الغاية تمهيداً لعقد لقاء قريب بينهما فور تحقيق هذه الاتصالات نتائج ملموسة تصب في سياق إعادة تحريك ملف الحكومة وكسر حالة الجمود التي سيطرت عليه".

وفي هذا الإطار، نقلت المصادر في ما خص حقيبة الطاقة أنّ "رئيس الجمهورية لا يزال يفضّل إبقاءها من حصة المسيحيين، كون بقية الطوائف حافظت على الحقائب الأساسية التي كانت من حصتها في الحكومة الحالية، أما الرئيس المكلف فقارب الموضوع بانفتاح من زاوية التأكيد على أنه لا يهمّ إلى من تؤول "الطاقة" وإلى أي طائفة تُسند إنما الأهم وجود خطة واضحة وصريحة وبمواقيت محددة لمعالجة أزمة الكهرباء التي تستنزف المالية العامة وتوسّع هوة العجز في الموازنات العامة"، لافتةً إلى أنّ "عون أعاد خلال اللقاء مجدداً طرح توسيع الحكومة الراهنة من خلال ضم ستة وزراء دولة من السياسيين تحسباً لأي احتمالات دستورية لاحقة، غير أنّ ميقاتي كرر عدم تحبيذه هذا الطرح".

من ناحية ثانية، وضع ميقاتي عون في أجواء الاجتماع الوزاري التشاوري الذي عقد أمس الأول في السراي الكبير وبحث في القضايا الاجتماعية لا سيما منها أزمتا الكهرباء والطحين، كما جرى التأكيد في ما خص الدولار الجمركي على الاتفاق السابق لجهة أن يكون تحديد تسعيرة التعرفة الجمركية الجديدة من مسؤولية وزير المال وحاكم مصرف لبنان، مع الاتجاه في هذا المجال نحو اعتماد دولار جمركي بقيمة عشرين ألف ليرة.

من جهتها، أشارت "اللواء" الى ان «مصادر السراي الحكومي» وزعت معلومات مفادها «إنّ «هناك إيجابيّة، والرئيس ميقاتي كان حريصاً على الردّ على المشككين بأنّه لا يُريد تشكيل حكومة بالقول إنّه قدّم تشكيلته في 29 حزيران، والبحث مستمر بها».

واستغربت مصادر السراي «التسريبات المعروفة الأهداف، والتي تُوحي بأنّ ميقاتي زار رئيس الجمهوريّة بعد التلويح بعدم تسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات، وأكّدت المصادر أنّ هذا الكلام غير صحيح لأنّه خلال الإتّصال الهاتفي الذي أجراه ميقاتي مع رئيس الجمهوريّة للمعايدة بعيد السيّدة العذراء، دعاه عون إلى قصر بعبدا للتشاور».

وحذّرت مصادر السراي «مُجدّداً من دخول أطراف لا علاقة لها بعمليّة التأليف مباشرة على خطّ العرقلة، كما حصل في السابق».

وأشارت مصادر سياسية الى ان لقاء الرئيس عون مع الرئيس ميقاتي تناول خلال البحث بتشكيل الحكومة، خيارين، اولهما إجراء تعديل محدود على التشكيلة التي قدمها ميقاتي لعون نهاية حزيران الماضي، على أن يقتصر التعديل على اسمين او ثلاثة اسماء يقترحهم الاخير مع الحقائب التي سيشغلونها، او الابقاء على الحكومة الحالية مع إجراء تعديلين على حقيبتين اثنين فقط، لم يكشف النقاب عنهما ولكن فهم انها تشمل الطاقة، نظرا لارتباطها بالخطة الاصلاحية المطروحة مع صندوق النقد الدولي والثانية الاقتصاد الوطني، في حين بقيت مواقف الرئيسين لجهة شكل وتركيبة الحكومة، متباعدة نسبيا، وان اتفقا على العودة للتشاور مجددا، لان رئيس الجمهورية اقترح مجددا ان تضم التشكيلة ست وزراء دولة يمثلون الطوائف الاساسية لاعطائها طابعا سياسيا، فيما أصر ميقاتي عل شكل التشكيلة التي قدمها، المشابهة لحكومة تصريف الأعمال معتبرا، ان تجربة الحكومة الحالية مشجعة ومشيدا بالتعاون الايجابي والفعال بين وزرائها.

واشارت المصادر إلى ان كل محاولات اختراع البدع والتفسيرات الملتوية للدستور، التي ينتهجها رئيس التيار الوطني الحر، لابقاء عون بسدة الرئاسة بعد إنتهاء ولايته، محكومة بالفشل الذريع مهما حاول التلطي بالذرائع الطائفية، لان هناك معارضة شعبية واسعة ضده، ورفض خارجي له ايضا، ما يجعل كل المخارج المصطنعة عديمة الجدوى وساقطة.

وتكشف المصادر الى ان اكثر من سفير دولة كبرى وفي مقدمتهم سفيرا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه الخصوص، ابلغه كبار المسؤولين وكل السياسين والمعنيين، بضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية بموعدها، ورفضهم المطلق، لأي محاولة للتمديد لعون، أو التلكؤ، او التمرد بمغادرة موقعه الرئاسي بعد انتهاء ولايته دستوريا، تحت طائلة اتخاذ مواقف صارمة، قد تصل إلى فرض عقوبات اميركية واوروبية غير محسوبة، وهذا ما يجب التنبه له واخذه على محمل الجد وبعين الاعتبار.

وحسب مصادر قيادية في «الثنائي الشيعي» فإن تأليف حكومة ليس بالامر السهل، لا سيما ان العقدة الحقيقية هي توسيع الحكومة الحالية الى 30 وزيراً، بينهم 6 وزراء دولة من السياسيين، يمثلون الطوائف الست الرئيسية في البلد، فضلاً عن تغيير 5 وزراء، عرف منهم وزراء المهجرين والطاقة والاقتصاد والمال، وربما العدل..

وفي المعلومات ان حزب الله يذهب مذهب فريق بعبدا من ان حكومة مستقيلة لا يمكن ان تتسلم مهام الرئاسة الاولى، وبالتالي فإن خيار الازمة في الواجهة، مما يعني ان لقاء بعبدا وضع الرئيس ميقاتي امام خيارين احلاهما مر: حكومة بلمسات عونية او فراغ في السلطة تؤدي الى ازمة حكم كبرى، على غرار المشهد عام 1988، مما يعجل او يؤخر عقد طاولة حوار وطني لاعادة النظر بالنظام القائم.

أما "الجمهورية" فرأت ان السؤال الذي واكبَ المستجد على الصعيد الحكومي، هو: ما الذي حرّك ملف التأليف بعدما اصطدم بجدار معايير رئيس الجمهورية واقنتاعات الرئيس المكلف، وبعدما جرى التسليم من مختلف الاوساط بأن لا حكومة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية؟

بعض الاوساط السياسية ربطت إعادة تحريك الملف بما أثير في الآونة الاخيرة عن انّ حكومة تصريف الاعمال ستكون مقيدة بالكامل بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في حال لم يتم انتخاب رئيس قبل ذلك، لأنه ليس في مقدور حكومة مستقيلة مقيّدة بالحدود الضيقة لتصريف اعمال ان تُناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية، وإن حصل ذلك فإنه سيشكل سابقة تؤدي الى بلبلة قانونية وفوضى دستورية. وهذه النظرية لها تأييدها الواسع في الاوساط المارونية تحديداً التي ترفض ان يمس معنوياً بمقام رئيس الجمهورية.

الا انه في موازاة ذلك، تؤكد مصادر سياسية لـ"الجمهورية" انّ السبب ليس الشعور المفاجىء بالمسؤولية بين شريكَي التأليف، وليس لأنّ أمراً ما ايجابياً قد تلاقى عليه الرئيسان بصورة مباشرة او غير مباشرة، وليس نتيجة رغبة من قبل كل منهما عن التراجع عن معاييره وشروطه التي طرحها منذ تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، بل ان المسألة لا تعدو كونها استجابة لنصيحة لوجوب تشكيل الحكومة لأن ضرورات البلد تبيح ذلك، وحتى لا نقع في محظور وإشكالات لا نهاية لها ان انتهت ولاية رئيس الجمهورية من دون ان ينتخب خلف له، حيث ان هذه الاشكالات قد تجعل من فترة الفراغ المحتملة في سدة الرئاسة، الأصعب على لبنان، بحيث انها قد تخبّىء اموراً غير محسوبة قد تمسّ، ليس بموقع رئاسة الجمهورية فحسب، بل بالنظام شكلا ومضمونا.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o