Aug 11, 2022 6:05 AM
صحف

لبنان متروك لقدره... إرباكات سياسية تعزز الفراغ الرئاسي وأفق تشكيل الحكومة مقفل نهائيًا

يَتموضَع البلد أمام مجموعة استحقاقات داهمة، تتحدد معها الوجهة التي سيسلكها في المستقبل القريب. فالاستحقاق الحكومي تجاوزه الزمن وأسَرَته التعقيدات والاقتناعات وجَمّدته في خانة التعطيل الادراي المتعمّد من قبل القيّمين على هذا الملف، فيما الداهم استحقاق الاصلاحات المنتظر، والمرتبط بإقرار مجلس النواب لمجموعة من المشاريع ذات الصلة، الى جانب إقرار الموازنة العامة للسنة الحالية، والتي ربطَ رئيس المجلس النيابي نبيه بري دعوته الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية خلال المهلة الدستورية التي باتت على مسافة أقل من عشرين يوماً، بإنجاز هذه المشاريع التي يمهّد بعضها الطريق الى تحقيق برنامج تعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي.

وسط هذه الاجواء تجري الدوائر المجلسية التحضيرات لعقد جلسة تشريعية ربما خلال الاسبوع المقبل، لدراسة تلك المشاريع وإقرارها، على ان يسبقها اجتماع لهيئة مكتب المجلس النيابي خلال الاسبوع المقبل لتحدّد جدول اعمال الجلسة، مع الاشارة الى انّ اللجنة النيابية للمال والموازنة تابعت بالأمس دراسة بعض المشاريع وأقرّت تعديلات على اتفاقية قرض البنك الدولي بـ150 مليون دولار المتعلّق بتأمين القمح، فيما تجري التحضيرات على قدم وساق لإنجاز مشروع الموازنة العامة، الذي تجمع مختلف الاوساط على انه قد يحمل في طيّاته تعديلاً في ارقامها على اساس سعر صرف جديد للدولار ما بين 12 الف ليرة و14 الف ليرة، علماً انّ بعض الاصوات الحكومية ارتفعت في موازاة ذلك مقترحة ان يُصار الى احتساب ارقام الموازنة على اساس سعر دولار صيرفة.

في هذه الاجواء تعكس مصادر اقتصادية أجواء ارتياح لدى صندوق النقد الدولي حيال ما تَواتَر من لبنان عن اقرار الشروط التي وضعها لإتمام اتفاق التعاون مع لبنان. الّا انّ الصندوق بحسب هذه المصادر وإن كان يرى توجّهاً ايجابياً لتلبية مجموعة الشروط التي طرحها، الّا انّ فتح الطريق السريع الى اقرار برنامج التعاون مع لبنان يتطلّب بالدرجة الاولى والاساسية إقرار قانون "الكابيتال كونترول"، فمِن دون إقرار هذا الامر، لا مجال لإبرام اتفاق تعاون مع لبنان.

على أن الاجواء الحكومية لا تَشي بوضع مشروع الكابيتال كونترول على النار، وقالت مصادر حكومية لـ"الجمهورية": ليس هناك من شك بأنّ إقرار الكابيتال كونترول يعدّ انجازا كبيرا جدا ويُساهم في ضبط حركة العملة الصعبة ويحول دون تفريغ لبنان منها، والتحويل او بالاحرى التهريب العشوائي لها الى الخارج، ولكن حتى الآن لم تكتمل الصيغة النهائية لهذا المشروع، والجهود منصبّة حالياً في اتجاه تذليل بعض العقبات التي تعترضه. وفور جهوزه سيُصار الى إقراره في مجلس النواب، مقروناً بخطة التعافي الحكومية.

وإن كان الاستحقاق الرئاسي لم يدخل بعد دائرة الحسم بموضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية لانتخابه بين أول ايلول واخر تشرين الاول المقبلين، فإن المناخ العام في البلد يُغلّب فرضية الفراغ الرئاسي ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول، وذلك لسبب اساس وهو انعدام التوافق حتى الآن على اسم الشخصية التي سيتم انتخابها. واذا ما تَعمّقنا في المشهد الرئاسي، فإنّ القوى السياسية والنيابية لا تبدو على رأي واحد في هذا الاستحقاق.

وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ"الجمهورية": احتمالات الفراغ الرئاسي اكبر بكثير من احتمالات انتخاب رئيس الجمهورية. وثمّة مشكلة ستبرز اعتبارا من 1 تشرين الثاني المقبل، وتتجلّى في كيفية ادارة الدولة في ظل خُلو سدة الرئاسة، وحكومة تصريف اعمال، وهل يحقّ لمثل هذه الحكومة ان تُناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولايته ومغادرته رئاسة الجمهورية. هذا الامر سيخلق ارباكات، ويُخشى من سجالات قانونية ودستورية لا تنتهي.

وعبرت المصادر عن تفهّمها لمواقف الاطراف الداخليين وخصوصا في الجانب المسيحي والماروني تحديدا من الاستحقاق الرئاسي، والحدة التي تبرز بين حين وآخر بين بعض الاطراف الفاعلة مسيحياً، وقالت: هذا امر طبيعي يرافق كل استحقاق رئاسي.

الا ان المصادر عينها لفتت الى انّ اطراف الداخل يبالغون كثيرا في قدرتهم على التأثير في الاستحقاق الرئاسي. فلا اسماء مرشحة حتى الآن، وإنّ المرشحين المفترضين، وعلى وجه الخصوص الجَديين منهم، ينتظرون تطورات هذا الملف، ويبدو انهم يرفضون الدخول في هذه المعمعة، التي تتبدّى في انّ القوى السياسية مستغرقة في ما تسمّى "ملهاة المواصفات"، حيث ان كل طرف يحدد مواصفات الرئيس الذي يريده، مُتناسين ان هذا الاستحقاق وكما تحكمه اعتبارات داخلية هو محكوم في العادة باعتبارات خارجية اقليمية ودولية لم تتّضِح معالمها بعد، وبالتالي فإنّ ما يجري في لبنان ربطا بالاستحقاق الرئاسي هو لزوم ما لا يلزم، وفي احسن حالاته لعب في وقت ضائع لا يقدّم ولا يؤخّر.

الى ذلك، وبحسب "الانباء الالكترونية"، يبدو واضحاً أنً دخول البلاد في مدار الاستحقاق الرئاسي بدأ يلقي بظلاله على كافة الصُعُد في ظل عهدٍ شارف على نهايته ويتقن فن إضاعة الوقت، وحكومة مستقيلة تتولى تصريف الأعمال إسمياً دون أن تقدّم أي إنجازٍ يُذكر، لا في الملفات التي تعهدت بتنفيذها قبل أن تستقيل، وخاصة تلك المتعلقة بالإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، ولا في ما خصّ تخفيف الأعباء عن اللبنانيين، وما يحتاجونه من غذاء وكساء ودواء، وكل مستلزمات الحياة. وحتى في موضوع استجرار النفط والغاز من الأردن ومصر بعد أن أصبح المشروع في خبر كان وأخواتها.

كما أنّ تجديد العقد مع العراق  لتأمين الفيول سنة جديدة أصبح هو الآخر في مهب رياح الوعود المؤجّلة التي تهب على لبنان بين الحين والآخر، ولقد أصبح العمل السياسي في هذه الآونة أشبه بالرقص على حافة الهاوية قبل السقوط إلى جهنم.

مصادر سياسة شبّهت عبر "الأنباء" الإلكترونية تعاطي المسؤولين السياسيين في هذه الفترة، "بسياسة رفع العتب وتسجيل المواقف، لعلمهم أن لا شيء جدياً، فالمرحلة هي مرحلة تقطيع وقت لا أكثر، فرئيس الجمهورية ميشال عون همّه الأكبر أن يذكره اللبنانيون دائماً بمحاربة الفساد، والتدقيق الجنائي، وملف النازحين السوريين، فيما الرئيس ميقاتي يواصل اجتماعاته في السراي الحكومي دون تحقيق أي تقدّم في الملفات الضاغطة".

من جهة ثانية، استبعد مصدر وزاري لـ«اللواء» حصول اي تقدم على مستوى التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول توليفة حكومية، مشدداً على ان الافق في هذا المجال مقفل نهائياً، مشيراً الى ان الخارج ايضاً لم يعد يهتم بهذا الاستحقاق، وهذا يلاحظ من خلال اي موقف دبلوماسي يحث المسؤولين على تأليف حكومة على غرار ما كان يحصل في مرات سابقة، لافتاً الى ان الاستحقاق الرئاسي ايضاً محاط بالكثير من الضبابية حول امكانية حصوله في موعده.

ومع ذلك، تمضي بعبدا بادارة بعض الملفات على طريقة ما كان يحصل ايام الحكومة السابقة التي كان يرأسها الرئيس حسان دياب، وفي السياق افادت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن ملف النازحين الذي تحرك مجددا من خلال اجتماعين متتاليين في قصر بعبدا، وتناول الملف من زوايا عدة يتعلق بعضها بدور مفوضية شؤون اللاجئين وهذه المفوضية تملك داتا المعلومات عن النازحين الذين دخلوا لبنان بين الأعوام ٢٠١١ و ٢٠١٥ لم تتسلمها الدولة اللبنانية، مؤكدة ان هذه الاجتماعات تنسيقية للتحضير لبرنامج العودة ضمن مراحل.

لكن مصادر سياسية ترى أن المسؤولين كلهم باتوا عاجزين عن المبادرة للخروج من دوامة الانهيار على كل المستويات، وتركوا الامور على غاربها، بانتظار ما يحصل اقليميا ودوليا من تطورات، قد تنعكس سلبا او ايجابا على لبنان، اي باختصار الكل بانتظار القضاء والقدر، ولا شيء آخر.

ولاحظت المصادر ان العهد بفريقه كله، بحالة تخبط وضياع، مع تسارع انقضاء ولايته بدون تحقيق اي انجاز متواضع، فيما تحكم تصرفاته هواجس مقلقة، لما بعد خروج الرئيس عون من بعبدا، بغياب اي فرصة، ولو كانت ضئيلة، لتعبيد الطريق أمام وريثه السياسي النائب جبران باسيل لولوج القصر الجمهوري مرة جديدة امامه لتولي الرئاسة الاولى، وانما على عكس ذلك تماما، لان الاجواء السياسية، بالداخل والخارج، تؤشر باغلاق كل الابواب امامه لتولي الرئاسة، بل اكثر من ذلك، هناك حالة رفض داخلي وخارجي لمثل هذا الطرح، نظرا لما تسبب به باسيل من أذى بالغ للعلاقات بين لبنان وهذه الدول.

وتستغرب مصادر ديبلوماسية، وفق "المدن"، انخراط حزب الله في ممارسة المزيد من الضغوط على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وكأنما حزب الله يساند رئيس التيار العوني جبران باسيل في مواقفه ضد ميقاتي، بتحميله مسؤولية عدم تشكيل الحكومة وعرقلتها.

إصرار حزب الله على تشكيل الحكومة يعني أن لبنان مقبل على فراغ رئاسي. إلا إذا كان هدف مطالبته بتشكيل الحكومة، متعلقًا بحسابات تشير إلى تدهور الأوضاع في البلاد. وملف الحكومة، بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، يبدو مفتوحًا على صراع دستوري. فمقربون من عون يعتبرون أن تكليف ميقاتي، يسقط بمجرد انتهاء ولاية الرئيس.

أما النظرة الدولية فتبدو مختلفة عن نظرة الأفرقاء التفصيلية إلى الوقائع اللبنانية، وإلى الاستحقاقات اليومية. ففي الداخل ثمة رهان على تطورات خارجية تنعكس على إنجاز الاستحقاقات، على نحو تتحكم فيه التوازنات الإقليمية الجديدة بمسار انتخاب رئيس الجمهورية، وبهوية الرئيس وصفاته وموقفه السياسي.

لكن النظرة الخارجية تبدو مغايرة. تشير معلومات "المدن" إلى سعي لتحضير منصّة دولية للبحث عن توفر ظروف اختيار رئيس جديد للجمهورية مع رئيس للحكومة. هذه المنصة يُعمل على أن تشترك فيها دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة، فرنسا، إيران، والسعودية. وهناك محاولات لتوسيع مروحة هذه الدول المشاركة. وحسب المعلومات، قد يبدأ تطبيق هذا المسار العملي في بداية الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد.

وثمة مواقف دولية واضحة بخصوص اختيار شخصيتين جديدتين لرئاستي الجمهورية والحكومة. على أن تكونا متعاونتين ومتفاهمتين، بدلًا من الدخول في صراعات فئوية وحزبية، أو في نزاعات محاور سياسية. لكن من غير المعروف مدى قدرة هذه الدول على التأثير الجدّي في الاستحقاق الرئاسي.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o