Jul 05, 2022 6:33 AM
صحف

الحكومة عالقة عند توزيع الحقائب.. ولا بوادر للحلّ

لا تزال مشاورات تأليف الحكومة تراوح مكانها في ظل الخلاف المستمر حول توزيع الحقائب، لا سيما وزارة الطاقة، فيما لا يبدو أن هناك أي بوادر للحل في الأيام المقبلة، وفق ما تقول مصادر وزارية مطلعة على المشاورات لـ«الشرق الأوسط».

ولفتت المصادر إلى أن المشكلة لا تزال عند مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون بإبقاء وزارة الطاقة من حصته وحصة «التيار الوطني الحر»، أو استبدال وزارة الداخلية بها، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي منح الطاقة لشخصية سنية في التشكيلة التي قدّمها لعون والمؤلفة من 24 وزيراً، وأبقى وزارة الداخلية مع الطائفة السنية.

وكان مسار التأليف حاضراً في زيارة قام بها ميقاتي ومستشاره الوزير السابق نقولا نحاس إلى مطرانية الروم الأرثوذكس، حيث التقى المطران إلياس عودة، وخرج معلناً أنه تم البحث بالمشاورات رافضاً الحديث عن التفاصيل أو الرد على أسئلة الصحافيين حول الحكومة. واكتفى بالقول بعد اللقاء: «طالما نعمل بصدق وانتماء ووطنية فبإذن الله سيكون الخلاص قريباً».

بدورها، أشارت "الانباء الالكترونية" الى ان لا جديد حكومياً باستثناء ما أعلنه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي عن زيارة مرتقبة له في اليومين المقبلين إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون والتشاور معه في عملية تشكيل الحكومة، وبالرغم من الأجواء التفاؤلية التي يحاول ميقاتي أن يشيعها بقرب إنجاز هذا الاستحقاق، تبقى الأمور عالقة عند فريق العهد والنائب جبران باسيل الذي لم يستسغ حتى الساعة مسألة إصرار الرئيس المكلف على سحب حقيبة الطاقة منه، والتي يعتبرها "مصدر رزقه" منذ أكثر من عشر سنوات بعد إنفاق أكثر من 50 مليار دولار على الكهرباء وحدها وما زال اللبنانيون يعيشون على العتمة.

في هذا الوقت، ما زالت قضية المسيّرات التي أرسلها حزب الله الى حقل كاريش تتفاعل، وهي اذا ما استمرت تهدد بتوقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بحسب ما أشار الى ذلك وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب عقب اجتماعه مع ميقاتي لهذه الغاية.

في السياق الحكومي، أشارت مصادر سياسية عبر "الانباء" الالكترونية إلى "استحالة تشكيل الحكومة في ظل الشروط التي يفرضها فريق العهد وباسيل الذي يطرح عملية المقايضة بين الالتزام بشروطه مقابل التصويت على الثقة، في حين يرفض الرئيس المكلف الامتثال الى شروط باسيل. فإما أن تشكّل الحكومة وفق التشكيلة التي سلّمها الى عون قبل أسبوع أو أنه غير مستعجل لتشكيلها، لأنه يرفض الدخول في عملية ابتزاز سياسي من أجل حكومة لا يزيد عمرها عن ثلاثة أشهر، خاصة وأن العصمة بيده ولا يستطيع أحد لي ذراعه"، بحسب المصادر التي اكدت أن ميقاتي ليس بوارد تقديم تنازلات لأحد.

إلى ذلك نقلت المصادر عن ميقاتي انزعاجه من إرسال حزب الله للمسيّرات فوق كاريش "لأنها لا تفيد لبنان بشيء سوى الانتقاص من سيادته، وهذه اللعبة يتقنها الحزب جيداً من أجل إظهار نفسه أنه الأقوى والمتحكم بالقرار اللبناني"، في وقتٍ علّق فيه الوزير السابق رشيد درباس على عملية إرسال المسيّرات بالتزامن مع تشكيل الحكومة بالقول: "المسيّرات معروفة الجهة التي تسيّرها، أما الحكومات فمن يسيّرها؟"، مستغرباً أنه "لا يوجد شيء فعليّ على الأرض بعد تلك النبرة العالية"، واصفاً ما جرى برسائل متبادلة غير مسلّحة.

وفي الموضوع الحكومي، رأى درباس في حديثه لجريدة "الأنباء" الالكترونية أن الأمل ضعيف بتشكيل حكومة، ونسبة التفاؤل لا تتعدى الـ٢٠ في المئة.

 بدوره، رأى النائب السابق بكر الحجيري في حديث مع "الأنباء" الالكترونية أن موضوع إرسال المسيّرات لن يغيّر شيئاً من الواقع الا اذا كان هناك اتفاق بين الطرفين، مضيفاً: "إذا الكهرباء لوحدها استنفدت كل أموال الدولة ولم نستطع أن نفعل شيئاً، معنى ذلك أننا غير صالحين لانتاج النفط والغاز"، مستبعداً في ظل ذلك تشكيل الحكومة إلا اذا تشكلت على قياسهم. وقال: "سبق وتحدثنا بموضوع العهد القوي، فلن يمرّ شيء الا اذا كان على قياسهم. فهناك عملية ضرب للدستور ولا بد من محاكمة من خرّب البلد عن قصد. وهم جهات معروفة تقصدت إفلاس الناس عبر شك من دون رصيد".

وفي ضوء كل ذلكؤ فإن حال المراوحة القاتلة على حالها في كل الملفات، والتي يبدو أنها ستكون سمة الأشهر الأخيرة من عمر العهد قبل انقضائه في تشرين الأول المقبل.

التأليف على الرفّ! عمليًا، بحسب "الجمهورية"، أُدخل التأليف في ذات النفق الذي سبق أن أُدخلت فيه كل الحكومات التي تشكّلت في عهد الرئيس ميشال عون، ولكن بفارق انّه في السابق لم تكن ثمة استحقاقات تضغط، وباب المماحكات والمماطلات والمناورات، كان يُفتح على مصراعيه على حلبة صراع أحجام وشروط ومعايير، إلى أن تتشكّل الحكومة بشق النفس، ولو بعد أشهر، لم يكن للوقت قيمة آنذاك، خلافًا للمرحلة الحالية، حيث أنّ الاستحقاق الرئاسي صار على مرمى اربعة أشهر، وكلّ المعنيين بملف التأليف أمام خيار من إثنين: إمّا تأليف حكومة الآن، وإما لا حكومة. وخصوصًا انّ عامل الوقت يضغط، وكلّ دقيقة يُحسب حسابها، وهامش المناورة انعدم إلى حدّ أنّ احدًا لا يملك قدرة جرّ الآخرين إلى ملهاته، ولا أوراق قوّة يُملي من خلالها إرادته على الآخرين.

وسط هذه الأجواء المتشنجة، ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ الطريق بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي ما زالت سالكة حتى الآن، وأجواء القصر الجمهوري لا تشي بانسداد أفق التأليف، بل تشير إلى انّ رئيس الجمهورية ما زال ينتظر ردّ الرئيس المكلّف على الملاحظات التي أبداها على تشكيلة ميقاتي في لقائهما الأخير يوم الجمعة الماضي. والجو السائد على الضفة الرئاسية يفيد بأنّ انعقاد اللقاء المقبل بين الرئيسين عون وميقاتي او عدمه، رهن باستجابة الرئيس المكلّف، أو عدمها، لملاحظات رئيس الجمهورية.

وأجواء عدم الانسداد نفسها سائدة في أوساط الرئيس المكلّف، حيث يؤكّد المقرّبون منه لـ«الجمهورية»، انّ «ميقاتي، ورغم كل المنطق الهجومي الذي يستهدفه، لم يقفل الباب على تشكيل حكومة اليوم قبل الغد، وهو اعلن بالأمس انّه سيقوم بزيارة رئيس الجمهورية خلال «هاليومين».

وبحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ الرئيس المكلّف «يعمل في اتجاه ولادة سريعة للحكومة، وقراره تجاوز ايّ عراقيل مفتعلة من قِبل أي طرف، والتشكيلة التي قدّمها ما زالت تشكّل الأساس الصالح لكي تُبنى عليه الحكومة الجديدة. ولا بدّ هنا من التأكيد، انّ الأولوية هي لتأليف الحكومة دون أي تأثر بمداخلات تعطيلية، وبالتالي فإنّ لعبة الإحراج للإخراج، إن كانت في ذهن أحد، فهي بالتأكيد لا في زمانها ولا في مكانها، ولن يتأتى منها سوى تضييع الوقت لا أكثر».

وإذا كان الرئيس المكلّف قد أبقى اللقاء المقبل مع رئيس الجمهورية دون ان يعيّن موعدًا محددًا لزيارته، فإنّ ذلك في رأي مصادر مسؤولة مواكبة لملف التأليف، مؤشّر إلى أنّ الامور ما زالت في حاجة إلى إنضاج، وقد لا تنضج بسهولة، بالنظر الى الافتراق الجوهري بين تشكيلة ميقاتي وملاحظات الرئيس عون التي تنسفها، علماً انّ الرئيس المكلّف اكّد انفتاحه على النقاش الجدّي في ملاحظات موضوعيّة على تشكيلته، وليس ملاحظات وتعديلات تعطى صفة الإلزام، تحت مسمّى «معايير» تحاكي فقط ما يريده طرف سياسي قدّم نفسه على انّه متعفّف لا يريد شيئًا، فيما هو يريد كلّ شيء ضمنًا».

وفيما بدا من أجواء لقاء الجمعة الماضي بين عون وميقاتي، انّ تأليف الحكومة بات مركونًا على «رفّ المعايير»، يقارب مرجع سياسي مسؤول ملف التأليف بتشاؤم بالغ، معيدًا ذلك إلى «توجّه بعض الأطراف إلى إدخال التأليف في بازار، وخنقه بمداخلات في صلاحيات الشريكين حصرًا في تأليف الحكومة، وباشتراطات تعطّل هذا الاستحقاق، وتعطّل معه البلد».

وقال المرجع لـ«الجمهورية»: «السقف الأبعد لتأليف الحكومة يجب الاّ يتجاوز عشرة ايام تلي التكليف، ومضي هذه الفترة بلا حكومة، يعني لا حكومة».

أضاف: «كلنا نرى حال البلد، والانهيار المتسارع فيه يبدو انّه لن يقف عند حدود، بمعنى أوضح «راح البلد». نبالغ كثيرًا إن قلنا انّ تأليف الحكومة سيقلب الميزان الداخلي ويخلق حلولًا فورية للأزمة ومصاعبها التي نعيشها، بل يؤمل منه ان يشكّل فرصة لولادة حكومة تبطئ الانحدار نحو الكارثة التي تنتظرنا، وتؤسس لإجراءات وخطوات تفرملها. وهو ما يستوجب بالحدّ الأدنى تنازلات متبادلة من اجل البلد قبل أي أمر آخر او أي اعتبارات ومعايير. الّا انّ المشكلة المستعصية تكمن في بعض الذهنيات المصرّة على ان تبقي نفسها محصورة ضمن نطاق مصالحها السياسية وحساباتها الحزبية، وهو الامر الذي يجعلنا ننعى إمكان تأليف حكومة في المدى المنظور».

وإذا كانت ضرورات الأزمة توجب وجود حكومة تواجهها، إلّا انّ موجباً آخر يحتّم وجود حكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة في 31 تشرين الاول المقبل، وذلك تداركًا لعدم الوقوع في ما يصفه مرجع دستوري «الخطر الأكبر».

وأبلغ المرجع إلى «الجمهورية» قوله: «الوضع التنفيذي في لبنان، في ظل حكومة مستقيلة لا قدرة لها على الحكم واتخاذ القرارات، وفي غياب حكومة كاملة الصلاحيات، هو وضع شاذ يتطلب ضبطه في المسار الطبيعي عبر المبادرة السريعة إلى تأليف حكومة. وهذا الضّبط ممكن في هذه المرحلة مع وجود رئيس للجمهورية، ما يعني انّ الامور ما زالت تحت السيطرة، وثمة إمكانية متاحة لإصلاح هذا الوضع الشاذ، وبالتالي المطلوب عدم التراخي او التلكؤ في هذا الاتجاه».

ويحذّر المرجع عينه من «ان يعمّر الوضع الشاذ أكثر، وينسحب إلى ما بعد 31 تشرين الاول، على ان يصل الوضع في لبنان إلى لحظة يصطدم فيها الجميع بفقدان السيطرة على البلد»، ويقول: «الاستحقاق الرئاسي صار قاب قوسين او أدنى، والنص الدستوري يوجب انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية خلال مهلة الستين يومًا السابقة لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي، أي ما بين اول ايلول وآخر تشرين الاول المقبلين، وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات حول ما إذا كان الرئيس عون سيسلّم إلى رئيس جديد او إلى الفراغ».

ويلفت المرجع الى «انّ تسليم الرئيس عون الأمانة الرئاسية إلى رئيس جديد للجمهورية، يكون من حظ البلد، بحيث لا تعود هناك مشكلة، لأنّ مع وجود الرئيس الجديد تسهل إعادة انتظام الدولة والحياة السياسية في لبنان. الّا انّ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية دون التمكّن من انتخاب رئيس جديد قبلها، يعني الوقوع في محظور يتهدّد مستقبل النظام السياسي القائم».

ويشير المرجع، إلى «انّ الدستور، وفي حالة شغور سدّة الرئاسة الاولى لأي سبب كان، ينيط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء مجتمعًا، وقصد المشترع في هذه الحالة حكومة كاملة الصلاحيات، وليس حكومة مستقيلة منزوعة الصلاحيات وتصرّف الاعمال في حدودها الضيّقة. وهذا الشغور إن حصل في حالة لبنان الراهنة، يشكّل من جهة، السابقة الأولى من نوعها التي يتزامن فيها استحقاق رئاسي مع حكومة تصريف أعمال لا تُجيّر لها الصلاحيات الرئاسية. ويعني من جهة ثانية انّ لبنان في هذه الحالة سيكون امام أمر واقع جديد عنوانه التعطيل الكامل وربما أزمة نظام: لا رئيس جمهورية، ولا رئيس مكلّف، حيث ينتهي التكليف مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية، ولا حكومة تدير شؤون الدولة والناس، ومجلس النواب لا يستطيع ان يحلّ لا محلّ رئيس الجمهوريّة ولا محلّ السلطة الإجرائيّة اي الحكومة، يعني لا دولة، وساعتئذ يجب ان نتوقع احتمالات سلبية على كل المستويات».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o