Jun 27, 2022 10:46 AM
متفرقات

حبرية عمل الله "opus Dei" احتفلت بعيد المؤسس القديس خوسيه ماريا اسكريفا

احتفلت حبرية عمل الله "opus Dei" في لبنان بعيد مؤسسها وشفيعها القديس خوسيه ماريا اسكريفا. وفي المناسبة ترأس المطران سليم صفير راعي أبرشية قبرص المارونية، بالذبيحة الإلهية في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في وسط بيروت يحيط به المونسنيور خيسوس غونزالس والآباء فادي سركيس وجاد شلوق وحبيب بويز، وشارك فيها المنتسبون الى الحبرية في لبنان وعائلاتهم. وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران صفير عظة تحدّث فيها عن صاحب العيد وحياته وإيمانه وصولًا إلى قداسته، وقال:

أَلعَائِلَةُ نَهجٌ خَصيبٌ لِلقَدَاسَة 
  
أَيـُّها الإِخوَةُ الأَحِبَّاء، يُسعِدُني أَن أَحتَفِلَ مَعَكُم في هَذا الصَبَاحِ بِعِيدِ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا إِسكرِيفَا دِي بَالا غِير، في هَذِهِ الكَاتِدرَائِيَّة الشَاهِدَة عَلَى بُطُولَةِ القَدَاسَة وَاسمَحُوا لي ، قَبلَ أَن أَفتَتِحَ مَعَكُم مَوضُوعَ التَأَمُّلِ في هَذا العِيدِ الميمُون، أَن أَنقُلَ إِلَيكُم بَرَكَةَ وَدُعَاءَ أَبينا السَيِّدِ البَطرِيَرك نِيَافَة الكَاردِينَال مَار بشَارَة بُطرُس الرَّاعي الكُلِّي الطُوبَى الَّذِي يَتَّحِدُ مَعَنَا في هَذا اليَومِ المبَارَك بِالصَلاةَ.

 كَمَا يُشَرِّفُني أَن أَتَقَدَّمَ بِخَالِصِ الشُكرِ مِن سِيَادَةِ أَخي المطران بُولُس عَبدِ السَاتِر، رَئِيس أَساقِفَة أَبرَشِيَّة بَيرُوت المارُونِيَّة السَامِي احتِرامُهُ، وَقَد حَالَ دُونَ حُضُورِهِ مَعَنا  في هَذَا العِيد إِرتِبَاطَاتٌ رَعَائِيَّة في الأَبرَشِيَّة، وَقَد كَلَّفَني أَن أَنقُلَ إِلَيكُم مَحَبَّتَهُ الأَبَوِيَّة وَتَقدِيرَهُ لِرِسَالَةِ " عَمَلِ اللهِ" في كَنِيسَةِ لُبنَان، مُستَمطِراً عَلَى كُلٍّ مِنكُم فَيضاً مِن نِعَمِ السَمَاءِ بِمُنَاسَبَةِ هَذَا العِيدِ.  فَإِلى سِيَادَتِهِ مِنَّا كُلَّ عَواطِفِ الشُكرِ وَالإِمتِنَان، رَافِعِينَ الدُعَاءَ إِلى الرَّاعِي الصَالِح بِأَن يُبَارِكَ خِدمَتَهُ الأسقُفِيَّة في رِعَايَةِ نُفُوسِ أَبنَاءِ الأبرَشِيَّةِ البَيرُوتِيَّة. 

إِنَّ الطُمُوحَ الأَساسِيّ لِلمَسِيحِيّ الحَق هُوَ القَدَاسَة. فَالقَدَاسَةُ هِي هَدَفُ الإِيمَان المسِيحِي وَغَايَةُ الحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ. وَبِذَلِكَ لا تَهدِفُ المسِيحِيَّة، في عُمقِهَا، إِلى تَحقِيقِ مُؤَسَّسَاتٍ خَيرِيَّة وَاجتِمَاعِيَّة وَفِكرِيَّة وَتَربَوِيَّة، إِلا بِمِنظارِ هَذا الطُمُوحِ الأَسَاسِيّ، وَهُوَ إِطلالَـةُ الملَكُوتِ في كُلِّ مَكَانٍ وَكُلِّ زَمَان. وَمِن أَروَعِ مَا قَالَهُ القِدِّيس البابا  يُوحَنَّا بُولُس الثَّاني: "إِنَّ أَكبَرَ خِدمَةٍ يُقَدِّمُها المسِيحِيّ لِلعَالَم وَلِلكَنِيسَةِ هِيَ أَن يَكُونَ قِدِّيساً".

وَالحَيَاةُ العَائِلِيَّة، بِحَسَبِ مَفهُومِ الإِيمَانِ المسِيحِيّ، هِيَ أَوَّلاً وَآخِراً خِبرَةُ تَحقِيقِ قَداسَةِ الله في الوَاقِعِ المعَاش. فَالقَدَاسَةُ هِي مِن صِفَاتِ اللهِ القُدُّوس. وَالإِنسَانُ يُدعَى إِلَيهَا لِكَونِهِ في أَسَاسِ وُجُودِهِ مَخلُوقٌ عَلَى صُورَةِ اللهِ القُدُّوس. وَيُمَيِّزُ "شُرَّاحُ الكِتَابِ المقَدَّس" في تَأَمُّلِهِم بِنَصِّ خَلقِ الإِنسَانِ بَينَ "الصُّورَةِ" وَ"المِثَال". فَاللهُ القُدُّوس يَخلُقُ الإِنسَانَ عَلَى صُورَتِهِ أَي شَبِيهاً بِهِ في الحُرِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ عَلَى الكَونِ، وَيَدعُوهُ إِلى تَحقِيقِ التَمَثُّلِ بِهِ، أَي أَن يَكُونَ عَلَى مِثَالِهِ في خِبرَةِ القَدَاسَة. 

وَبِذَلِكَ تُصبِحُ القَدَاسَةُ حَرَكَةَ تَحقِيقٍ وَتَوَاصُلٍ مُستَمِرَّة، فَهِيَ أَكثَرَ مِن أَن تَكُونَ نِهايَةُ مَسِيرَةٍ، أَو صِفَةٍ دَائِمَةٍ لإِنسَانٍ أَو لَقَبُ شَرَفٍ لِبَار. إِنَّهَا حَرَكَةٌ مُستَمِرَّة، تَستَغرِقُ أَبَدِيَّةَ اللهِ وَتَلتَحِفُ عَظَمَتَهُ. لِذَلِكَ يُمكِنُنا القَولُ أَنَّ القَدَاسَةَ هِيَ حَالَةٌ مُعَيَّنَة تُختَبَرُ، وَوَاقِعٌ مُمَيَّزٌ يُعَاش، وَمِن أَهَمِّ خَصَائِصِهَا أَنَّها لا تُحَد. وَمَن يَختَبِرُهَا "يَنتَقِلُ مِن نِطَاقِ حَيَاتِهِ الضَيِّقِ الـمُستَكِين إِلى رِحَابِ إِمكَانِيَّةِ دُخُولِ حَيَاةِ اللهِ، إِنَّها مَجمُوعَةُ مُغَامَرَاتِ الحُبِّ الخَلاَّقِ الـمُبدِع، وَهَكَذا تَغدُو الحَيَاةُ أُعجُوبَةَ الوُجُودِ الـمُطلَقَة.

وَالقَدَاسَةُ هِيَ هَدَفُ الحَيَاةِ العَائِلِيَّة، وَلَكِنَّ هَذا الهَدَفُ يَتَحَقَّقُ دُونَ أَن يَنتَهِي، لأَنَّ اللهَ لا يَنتَهي، وَالغَايَةُ مِنَ القَداسَة هُنا لَيسَت مُجَرَّدَ فِكرَةٍ أَو مَبدَإٍ أَو عَقِيدَةٍ أَو مَشرُوعٍ،  إِنَّمَا هِيَ لِقَاءٌ بِاللهِ القُدُّوسِ الـمُحِبّ، وَتَوَاصُلُ اللِّقَاءِ مَعَهُ. تَقُولُ القِدِّيسَة تِيريزيا الأَفِيلِيَّة: "كُلُّ شَيءٍ يَزُول.. أَللهُ يَبقَى.. وَاللهُ وَحدَهُ يَكفِي..."

وَفِي هَذا اليَومِ الـمُبَارَك الَّذِي نَحتَفِلُ فِيهِ بِعِيدِ القِدِّيسِ خُوسِّيمَارِيَّا إِسكرِيفَا دِي بَالاغِير أَدعُوكُم أَيُّـهَا الأَحِبَّاء، أَن نَتَأَمَّلَ مَعاً بِنَمُوذَجِ قُدوَةٍ لِقَداسَةِ عَائِلاتِنَا فَلنُصغ إِلَيهِ يُحَدِّثُنا عَن عَائِلَةِ النَّاصِرَة، وَعَن سَخَاءِ اللهِ في حَيَاةِ قِدِّيسِيهِ، وَقَد أَضحَوا  كَنزاً لِلكَنِيسَةِ الجَامِعَة، تَقتَفِي النُفُوسُ أَثَارَهُم رِجالاً وَنِسَاءً شُبَّاناً وَأَطفَالاً كَهَنَةً وَعِلمَانِيِّين في كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ.

يَقُولُ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا عَن عَائِلَةِ النَّاصِرَة مَا يَلي :
"ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُما، وَعَاد إِلى النَّاصِرَة، وَكَانَ طَائِعاً لَهُمَا. وَكَانَت أُمُّهُ تَحفَظُ تِلكَ الأُمُورِ كُلِّها في قَلبِهَا. وَكَانَ يَسُوعُ يَنمُو في الحِكمَةِ وَالقَامَةِ وَالنِّعمَة عِندَ اللهِ وَالنَّاس ".

وَيُتَابِعُ قِدِّيسُنا تَأَمُّلَهُ قَائِلاً : "لـَمّا كَانَ يَسُوعُ يَنمُو وَيَعِيشُ كَوَاحِدٍ مِنَّا، كَشَفَ لَنا أَنَّ لِلحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ وَلاهتِمَامَاتِنَا اليَومِيَّةِ العَادِيَّةِ، مَعنى إِلَهِيًّا. حَتَّى وَلَو كُنَّا قَد تَوَقَّفنا طَوِيلاً، مُتَأَمِّلِينَ في هَذِهِ الحَقَائِقِ، يَنبَغِي لَنَا أَن نُكبِرَ بِاستِمرَارٍ تِلكَ السَّنَواتِ الثَّلاثِين، الخَفِيَّة، الَّتي تُمَثِّلُ القِسمَ الأَكبَرَ مِن حَيَاةِ يَسُوعَ بَينَ إِخوَتِهِ البَشَر. 

سَنَوَاتٌ غَامِضَة، لَكِنَّهَا بِالنِّسبَةِ إِلَينَا، مُشِعَّةٌ كَنُورِ الشَّمسِ، أَو بِالحَرِيّ، إِشراقًا يُنِيرُ نَـهَاراتِنا، وَيُعطِيهَا بُعدَهَا الحَقِيقِيّ، لأَنَّنَا مَسِيحِيُّونَ عَادِيُّون، نَقضِي حَيَاةً عَادِيَّة، شَبِيهَةً بِحَيَاةِ الـمَلايِين مِنَ البَشَر، في شَتَّى أَصقَاعِ العَالَم.

هَكَذَا عَاشَ يَسُوعُ خِلالَ ثَلاثِينَ سَنَة: كَانَ "إِبنَ النَجَّار". جَاءَت بَعدَهَا السَّنَوَاتُ الثَّلاث مِن حَيَاتِهِ العَامَّة، مَقرُونَةً بِصُرَاخِ الجَمَاهِير. وَالنَّاسُ يَتَعَجَّبُون: مَن يَكُونُ هَذَا الرَّجُل؟ أَينَ تَعَلَّمَ كُلَّ هَذِهِ الأُمُور؟ إِذ كَانَت حَيَاتُهُ شَبِيهَةً بِحَيَاةِ سَائِرِ النَّاسِ في بَلدَتِهِ. إِنَّهُ "النَّجَّار، إِبنُ مَريَم!" وَهُوَ اللهُ، وَهَا هُوَ يُحَقِّقُ  فِدَاءَ الجِنسِ البَشَرِيّ، "جاَذِبًا إِلَيهِ كُلَّ أَحَدٍ ".

كَانَ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا يَشعُرُ بِنَفسِهِ مَدفُوعًا، بِدَعوَةٍ إِلَهِيَّة، لِلتَّشَبُّهِ، بِنَوعٍ خَاص، بِحَيَاةِ يَسُوعَ "الخَفِيَّة"، أَلحَيَاةَ العَادِيَّة الـمُشَابِهَة لاهتِمَامَاتِ السَّوَادِ الأَعظَمِ مِنَ النَّاسِ. هَذَا هُوَ الـمِثَالُ الأَعلَى الَّذِي كَانَ يَعرِضُهُ في تَعلِيمِهِ:

"إِنِّي أَحلُمُ - وَالحُلمُ أَصبَحَ حَقِيقَةً - بِعَدَدٍ وَفِيرٍ مِن أَبنَاءِ اللهِ، يَتَقَدَّسُونَ في حَياتِـهِم كَمُواطِنِينَ عَادِيِّين، يَتَقَاسَمُونَ هُمُومَ وَأَهدَافَ وَجُهُودَ سِوَاهُم مِنَ الخَلائِقِ. وَإِنِّي أَشعُرُ بِالحَاجَةِ لأَن أُعلِنَ لَـُهم عَالِياً هَذِهِ الحَقِيقَةَ الإِلَـهِيَّة: إِذَا بَقِيتُم في العَالَم، فَهَذا لا يَعنِي أَنَّ الرَبَّ قَد نَسِيَكُم. لَكِنَّهُ دَعَاكُم لِكَي تُتَابِعُوا طَرِيقَكُم عَبرَ نَشَاطَاتِ وَانشِغَالاتِ الأَرض؛ لأَنَّهُ أَعلَمَكُم أَنَّ دَعوَتَكُمُ البَشَرِيَّة، وَمِهنَتَكُم، وَمَزَايَاكُم، مَا هِيَ بِغَرِيبَةٍ عَن مُخَطَّطَاتِهِ الإِلَـهِيَّة، فَهِيَ قَد تَقَدَّسَت، بِمَثَابَةِ تَقدِمَةٍ مَرضِيَّةٍ لِلآب ".
كَانَ هُنَاكَ وَجهٌ  آخَر لَم يَكُن لِيَنقُصَ في تَأَمُّلاتِ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا، حَولَ سِنِيّ النَّاصِرَة، أَلا وَهُوَ شَخصُ  القِدِّيسِ يُوسُف. كَبُرَت تَقوَى  القِدِّيسِ الجَلِيل في قَلبِهِ بِطَرِيقَةٍ صَارِخَة في نِهَايَةِ عُمرِهِ. هُوَذا مَقطَعٌ مِنَ الـمَوعِظَة حَولَ القِدِّيسِ يُوسُف، في كِتَابِهِ "عِندَمَا يَمُرُّ الـمَسِيح".

 "وَلَكِن إِذا كَانَ يُوسُف قَد تَعَلَّمَ مِن يَسُوعَ أَن يَحيَا بِطَرِيقَةٍ إِلَـِهيَّة، فَإِنِّي أَسمَحُ لِنَفسِي بِالقَولِ عَلَى الصَّعِيدِ البَشَرِيّ بِأَنَّ يُوسُف هُوَ الَّذِي عَلَّم ابنَ اللهِ أُمُوراً كَثِيرَة. لِذَا فَلَقَبُ الأَبِ الظَنِّي، الَّذِي يُطْلَقُ أَحيَاناً عَلَى القِدِّيس يُوسُف، لا يَرُوقُ لي، إِذ إِنِّي أَخشَى الإِعتِقَادَ بِأَنَّ العَلاقَاتِ مَا بَينَ يُوسُف وَيَسُوع كَانَت بَارِدَة وَسَطحِيَّة. غَيرَ أَنَّ إِيمَانَنَا بِالطَّبعِ  يُؤَكِّدُ لَنا عَلَى أَنَّ يُوسُف لَم يَكُن أَبَاهُ بِحَسَبِ الجَسَد. إِنَّمَا هَذِهِ الأُبُوَّة لَم تَكُن يَوماً هِيَ الوَحِيدَة الـمُمكِنَة(...)

لَقَد أَحَبَّ يُوسُف يَسُوع كَمَا يُحِبُّ الأبُ إبنَهُ، فَاعتَنَى بِهِ، بِإِعطَائِهِ أَفضَلَ مَا عِندَهُ. إِهتَمَّ يُوسُف بِـهِ كَمَا أُمِرَ، فَجَعَلَ مِن يَسُوعَ حِرَفِيّاً، بِتَلقِينِهِ إِيَّاهُ مِهنَتَهُ؛ وَلِذَلِكَ، رَاحَ جِيرانُ النَّاصِرَة يَتَكَلَّمُون عَن يَسوع، فَيَدعُونَهُ بِلا تَمييز "النَّجَّارُ أَو إِبنُ النَّجَّار". إِنَّ يَسُوع قَد عَمِلَ مَعَ يُوسُف، في مَشغَلِهِ. فَكَيفَ كَانَ يَنبَغِي عَلَى يُوسُف أَن يَكُون، وَكَيفَ تَفَاعَلَتِ النِّعمَةُ فِيهِ، لِيَستَطِيعَ أَن يُنجِزَ بِإِتقَانٍ مُهِمَّةَ تَربِيَةِ ابنِ اللهِ، عَلى الـمُستَوَى البَشَرِيّ؟

فَلا بُدَّ أَن يَكُونَ يَسُوع قَد شَابَهَ يُوسُف، بِمَلامِحِ خُلُقِهِ، وَبِطَرِيقَةِ العَمَلِ وَالكَلامِ.   في وَاقِعِيَّتِهِ، في دِقَّةِ الـمُلاحَظَة، في طَرِيقَةِ جُلُوسِهِ إِلى الـمَائِدَة، وَكَسرِ الخُبزِ، في تَفضِيلِهِ  لِعَرضِ العَقِيدَةِ بِطَرِيقَةٍ مَلمُوسَة، مُتَّخِذًا أُمُورَ الحَيَاةِ اليَومِيَّةِ مِثَالاً، وَفي كُلِّ تِلكَ الأُمُورِ تَظهَرُ مَا كَانَت عَلَيهِ طُفُولَةُ وَحَداثَةُ يَسُوع، وَمَا كَانَت بِالتَّالِي عَلاقَتُهُ مَعَ يُوسُف ".

 لَقَدِ استَطَاعَتِ الكَنِيسَةُ عَبرَ تَارِيخِهَا، وَبِالإِصغَاءِ الـمُرهَفِ إِلى الرُّوحِ القُدُس، أَن تُعلِنَ بَعضَ الشَخصِيَّاتِ الَّتي حَاوَلَت مُواصَلَةَ الإِنسِجَامِ وَالتَجَاوُبِ مَعَ مُبَادَرَةِ اللهِ الـمُحِبَّة. أُولَئِكَ الَّذِينَ حَاوَلُوا تَقَبُّلَ سَخَاءِ اللهِ وَنِعَمَهُ الغَير مَحدُودَة، فَتَلَقَّوا "الرُّوحَ القُدُس"، وَنَجَحُوا، وَتَقَدَّسُوا، وَكَانُوا ذَلِكَ "السَحابَ الكَثِيرَ الكَثِيفَ مِنَ الشُهُود" (عِب12/1) الـمُمتَلِئِ مِن مَحَبَّةِ اللهِ وَقَدَاسَتِهِ.

وَفي تَعلِيمِهِ حَولَ العَائِلَة يَقُولُ قَدَاسَةُ البَابا فرَنسِيس : وَتَشَبُّهًا بِالعَائِلَةِ الـمُقَدَّسَة، نَحنُ مَدعُوُّونَ لِكَي نَكتَشِفَ مُجَدَّدًا القِيمَةَ التَربَوِيَّة لِلنُّوَاةِ العَائِلِيَّة: الَّتي يَنبَغِي لَـَها أَن تَقُومَ عَلَى الحُبِّ الَّذِي يُجَدِّدُ العَلاقَاتِ عَلَى الدَوَامِ مِن خِلالِ فَتحِ آفَاقِ الرَّجَاءِ. فَفي العَائِلَةِ يُمكِنُنا أَن نَختَبِرَ الشَرِكَة الصَادِقَة عِندَمَا تَكُونُ بَيتاً لِلصَلاة، وَعِندَمَا تَكُونُ الـمَشَاعِرُ عَمِيقَةً وَنَقِيَّة، وَعِندَمَا يَسُودُ الغُفرَانُ عَلَى الخِلافَاتِ، وَعِندَمَا يَجُفُّ الحَنَانُ الـمُتَبَادَل وَالاتِّبَاعُ الهَادِئ لإِرَادَةِ اللهِ مِن قَسوَةِ الحَيَاةِ اليَومِيَّة. بِهَذِهِ الطَرِيقَة، تَنفَتِحُ العَائِلَة عَلَى الفَرَحِ الَّذِي يَمنَحُهُ اللهُ لِكُلِّ مَن يَعرِف كَيفَ يُعطِي بِفَرَح. وَفي الوَقتِ عَينِهِ، تَجِدُ أَيضاً الطَّاقَة الرُّوحِيَّة لِلإِنفِتَاحِ عَلَى الآخَرِين، وَعَلَى خِدمَةِ الإِخوَة، وَالتَعَاوُنِ مِن أَجلِ بِنَاءِ عَالَمٍ جَدِيدٍ وَأَفضَل عَلَى الدَوام، فَتُصبِحَ بِالتَّالِي قَادِرَة عَلَى أَن تَكُونَ حَامِلَةً لِحَوافِزَ  إِيجَابِيَّة؛ إِنَّ العَائِلَة تُبَشِّرُ بِوَاسِطَةِ مِثَالِيَّةِ حَيَاتِهَا.

وَلَقَد أَضَافَ قَدَاسَتُهُ :" صَحِيحٌ، أَنَّ هُنَاكَ صُعُوبَاتٌ في جَمِيعِ العَائِلات، وَقَد يَتَشَاجَرُ أَفرادُهَا في بَعضِ الأَحيَان. قَد يَقُول لي أَحَدُكُم "يَا أَبَتي، لَقَد تَشاجَرتُ ..." - وَلَكِنَّنا بَشَرٌ، وَنَحنُ ضُعَفَاء، وَلَدَينَا جَميعاً في بَعضِ الأَحيَان هَذا الوَاقِع،  أَنَّنَا نَتَشَاجَر  في العَائِلَة. سَأُخبِرُكُم بِأَمرٍ: إِذا تَشَاجَرنا في العَائِلَة، فَلا يَجِب أَن يَمُرَّ اليَومُ بِدُونِ استِعَادَةِ السَلام. "نَعَم، لَقَد تَشَاجَرتُ" وَلَكِن قَبلَ أَن يَنتَهِي اليَوم، أَستَعِيدُ السَلام. 

هُناكَ ثَلاثُ كَلِمَاتٍ، ثَلاثُ كَلِمَاتٍ يَجِبُ الحِفَاظُ عَلَيهَا دائِماً : "عَن إِذنِكَ"، "شُكراً"، "وَعُذراً". لا تَنسَوا هَذِهِ الكَلِماَت الثَلاث: "عَن إِذنِكَ"، "شُكرًا"، "عُذرًا". إِذَا وُجِدَت هَذِهِ الكَلِمَاتُ الثَلاث في العَائِلَة، وَفي البِيئَةِ الأُسَرِيَّة، فَإِنَّ العَائِلَة سَتَكُونُ بِخَير.

"لِذَلِكَ أَيُّـها الإِخوَة الـمُبَارَكُون، فَنَحنُ الَّذِين يُحِيطُ بِهِم هَذا الجَمعُ الغَفِير مِنَ الشُهُود، فَلنُلقِ عَنَّا كُلَّ عِبءٍ وَمَا يُسَاوِرُنا مِن خَطِيئَةٍ وَلنَخُض بِثَبَاتٍ ذَلِكَ الصِّرَاعَ الـمَعرُوضَ عَلَينا، مُحدِقِينَ إِلى مَبدَأِ إِيمَانِنَا وَمُتَمِّمِهِ، يَسُوعَ الَّذي، في سَبِيلِ الفَرَحِ الـمَعرُوضِ عَلَيهِ، تَحَمَّلَ الصَلِيبَ مُستَخِفّاً بِالعَار، ثُمَّ جَلَسَ عَن يَمِينِ عَرشِ الله" (عب12/1-2).   لِكَي يُعِدَّ لَنَا مَكَاناً حَيثُ هُوَ. 

فَلنُصَلِّ مَعَ القِدِّيس البَابا يُوحَنَّا بُولُس الثَّاني قَائِلِين :

أَيُّها القِدِّيس يُوسُف، حَارِسُ وَمُدَبِّرُ العَائِلَة حَيثُ نَشَأَ وَتَرَعرَعَ  يَسُوع، أيُّها العامِلُ الّذِي مَا عَرَفَ الكَلَلَ وَحَفِظَ بِمُنتَهَى الأَمَانَة، مَا عَهِدَ بهِ الله إِلَيهِ، إحمِ عَائِلاتِنا وَنَوِّرهَا وَادفَع عَنهَا الأَذَى.
 أَيَّتُهَا العَذرَاءُ مَريَم، أُمَّ الكَنِيسَةِ الحَنُونَة، كُونِي أُمًّا لِكُلِّ عَائِلَةٍ مِن عَائِلاتِنا لِتُصبِحَ بِمَعُونَتِكِ الدَائِمَة، كَنَائِسَ مَنزِلِيَّة يُشِّعُ فِيهَا الإِيمَان، وَيَسُودُها الحُبُّ وَيُحيِيهَا الرَجَاءُ. يَا خَادِمَةَ الرَبِّ الأَمِينَة، كُونِي مِثالاً لِكُلِّ فَردٍ مِن أَفرادِ عَائِلاتِنا لِيُريدَ مَا يُريدُه لَهُ الرَبُّ بِتَوَاضُعٍ وَسَخَاء. يا مَن تَأَلَّمتِ مَعَ ابنِكِ الـمَصلُوب، خَفِفّي مِن آلامِ عَائِلاتِنا. 
أَيُّهَا الـمَسِيحُ إِلَهُنا، أُملُك عَلَى عَائِلاتِنا، وَكُن حَاضِراً فِيها، كَمَا كُنتَ في قَانا الجَلِيل، وَجُد عَلَيهَا بِالنُّورِ وَالفَرَحِ وَالقُوَّة. أَفِض بَرَكَاتِكَ عَلَيهَا، بِالـمَحَبَّةِ وَالسَلام. 
يَا عَائِلَةَ النَّاصِرَةِ الـمُقَدَّسَة، الَّتي عِشتِ عِيشَةً صَامِتَة، وَعَانَيتِ مِن فَقرٍ وَاضطِهَادٍ وَتَهجِيرٍ، سَاعِدِي عَائِلاتِنَا لِتَقُومَ بِأَمَانَةٍ بِمَسؤُولِيَّاتِهَا اليَومِيَّة، وَتَتَحَمَّلَ بِإِيمَانٍ مَتَاعِبَ الحَيَاةِ وَمَشَقّاتِهَا، وَتَهتَمّ بِسَخَاءِ بِحَاجَاتِ الآخَرِين، وَتُتِمَّ بِفَرَحٍ إِرَادَةَ اللهِ. أُعضُدِي عَائِلاتِنا في مَسِيرَةِ القَدَاسَة، لِكَي تَكُونَ خَميرةَ حُبٍّ وَوَحدَةٍ وَأَمَانَةٍ في قَلبِ العَالَم. آمِين. (البابا يوحنا بولس الثاني).

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o