Jun 21, 2022 9:44 AM
مقالات

لهذه الأسباب فرضية تكليف السنيورة ليست واردة

كتب أحمد عياش في "النهار":

من يواكب الصخب الدائر حول استشارات التكليف الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال عون الخميس المقبل، يسترعي انتباهه تمحور الكلام حول احتمال تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مهمة التأليف، لتضاف هذه المهمة الى مهمة أخرى يضطلع بها ميقاتي حاليا، الا وهي رئاسة حكومة تصريف الاعمال منذ 20 أيار الماضي. وفي هذا الكلام يتصدّر "التيار الوطني الحرّ" المشهد لجهة قبوله او عدم قبوله بتسمية ميقاتي في الاستشارات الملزمة المقبلة، ربطا بشروط يطرحها "التيار".
ماذا يستفاد من هذا الكلام؟ اول الانطباعات، هو ان لبنان وكأنه لا يزال يعيش مرحلة سابقة حيث كانت للتيار العوني نفوذه، وكأن لبنان لم يصل الى قعر هاوية أزمات، وهو كان من أبرز من أسهموا إضرامها، ولاسيما أنّ هذا التيار تسبب باحتكار إدارته ملف قطاع الطاقة لأكثر من خمسة عشر عاماً، وهو القطاع المسؤول عن أكثر من نصف الدين العام، والذي كبّد الخزينة أكثر من 55 مليار دولار دينا نتيجة ديون الكهرباء وخدمتها، ما أدى الى تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي أكثر من 20 مرة حتى الان.

في قناعة مواكبين لاستحقاق الاستشارات النيابية الملزمة ان فريق العهد السياسي وحلفاءه، ما زالوا يضعون البلاد في حلقة مفرغة أوصلت لبنان الى ما وصل اليه. لكن، هل هذا قدر لا يرد بشأن إيجاد سبل خلاص للبنان من أزمته مهما طال المسار؟
كانت لافتة ولا تزال حركة الاتصالات التي باشرها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أخيرا بعد الانتخابات النيابية. وقد إستهلّها بزيارة الرئيس فؤاد السنيورة في مكتبه، قبل ان يقوم الأخير بزيارة السفير في مقرّه، في اجتماع شمل سماحة المفتي وشلّة من رؤساء الجمعيات الخيرية الإسلامية. وقد شملت مروحة اتصالات البخاري بعد ذلك، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وعددا من النواب السنّة الجدد من بين المستقلين والتغييرين على حد سواء. وترافقت هذه الاتصالات مع تكهنات مفادها ان جهد السفير السعودي منصب على استحقاق التكليف بما يتلاءم مع ما انتهت اليه نتائج الانتخابات.

في سياق متصل، نشرت صحيفة عكاظ أمس الاثنين مقالاً كتبه محمد الساعد، حمل عنوان: "ما يقال عن السنيورة"، وجاء فيه: "هذه قراءة لما هو متاح ومنشور، في محاولة لفهم المشهد اللبناني عن قرب، نطرح فيها تساؤلات عن عودة فؤاد السنيورة وأمثاله مِن السياسيين المخلصين إلى رئاسة الحكومة اللبنانية، وهل هي ممكنة؟ وماذا تعني؟ عندما تتحدث مع الرئيس السنيورة يتحدث معك كرجل دولة للبنان كله لا لطائفته السنّية فقط، يتحدث كمرجعية عامة لا كسياسي انعزالي متطرف." وعاد المقال الى مذكرات السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة التي حملت عنوان "التجربة"، والتي كتب فيها خوجة: أثبت الرئيس فؤاد السنيورة جدارته في إدارة البلاد، واشتهر بصبره ومثابرته وصموده ونزاهته ورباطة جأشه. وعند اختباره مالياً تعاملت حكومته بنزاهة مطلقة وبمسؤولية مع المساعدات التي تدفقت في أعقاب حرب يوليو- تموز... هذا التعامل لم يرضِ مليشيا "حزب الله" التي أرادت أن تدمّر لبنان وتنتفع من العذابات التي نتجت، فاتهمت حكومة السنيورة بالفساد - وما زالت - وبسرقة المساعدات على عكس الحقيقة." وبعدما تعداد "إنجازات" الحكومتيّن اللتين ترأسهما السنيورة بين عاميّ 2005 و2009، سأل المقال: "هل نتائج الانتخابات الأخيرة أعلنت تقاعد السنيورة سياسياً؟" فيجيب: "السنيورة باقٍ بصلابته وأدواره، مع أنه لم يواجه إيران وحدها، بل تآمر عليه آخرون من "أهل البيت"، وتلقوا توجيهات بالتصويت لخصومهم في صيدا ولأعداء لبنان في عكار، وهناك من أصدر التوجيهات في بيروت -عن جهالة على الأرجح- للتصويت للفريق الذي اغتال (رفيق الحريري). من وجب عليهم التقاعد السياسي هم المتهمون بتفجير "مرفأ بيروت" زوار الشام وقت اغتيالات ثورة الأرز، وأما السنيورة فسيبقى من الزعماء اللبنانيين الشرفاء، والأجدى المطالبة بتقاعد عملاء إيران ورؤوس الإرهاب والفساد والعنصرية والتطرف الطائفي، حتى يعود لبنان كما كان."
الاستشهاد المطوّل بمقال عكاظ، أتى في سياق متابعة تحركات السفير السعودي الراهنة. وكان السؤال الذي وجهته "النهار" الى المعنيين بهذه التحركات: هل هناك فعلا طرح لعودة السنيورة الى رئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة؟ واتى الجواب بأن عودة رئيس الحكومة الأسبق الى رئاسة الحكومة ليس مطروحا، انطلاقاً من رفض مطلق من "حزب الله" الذي يذهب الى حد "الحرب الاهلية" في حال فرض خيار السنيورة. ويستدرك هؤلاء المعنيين بالقول:" هناك في دوائر القرار عند "حزب الله" اقتناع بأن الحلّ الحقيقي والمستدام يمكن أن يأتي به السنيورة، لكن لا طاقة للحزب على تحملّه."

من ناحيته، تؤكد أوساط السنيورة إلى أنّه ماضٍ في العمل في الشأن العام من دون السعي الى الحصول على مكاسب شخصية. وفي هذا الإطار، خاض الرئيس السنيورة الانتخابات النيابية الأخيرة لإسقاط فكرة المقاطعة التي حاول البعض أن يروّج لها، والتي لو حصلت لكانت نتائجها ستكون وخيمةً على الصعيدين الإسلامي والوطني، بما يعني الإسهام- بطريقة أو بأخرى- في تزوير إرادة اللبنانيين بما لا يعود بالخير عليهم وعلى دولتهم. على العكس من ذلك، فقد أثبتت نتائج هذه الانتخابات التي شارك فيها الرئيس السنيورة في عددٍ من الدوائر الانتخابية "أننا نستطيع"، أي أنّ اللبنانيين قادرين على تحقيق التغيير نحو الأفضل إذا ما شاركوا في الانتخابات النيابية وغيرها القادمة بكثافة، مما يؤدي إلى تغيير كل المعادلات السياسية القائمة الآن.

في الخلاصة، يمكن العودة الى اللقاء الإعلامي الذي عقده قبل أيام الرئيس السنيورة، وشاركت فيه "النهار." في هذا اللقاء، قال السنيورة:" ان مسار العمل السياسي ليس عملاً انقلابياً بل تراكمياً. وأنا مستمر في هذا الجهد الوطني حتى تحقيق التغيير والإصلاح. أنا من النوع الذي لا ييأس. فمنذ أن بدأت نشاطي في الحقل العام كان موقفي ثابتاً: "أنا أريد ان أكون رجل دولة لا رجلاً سياسياً". وهو الموقف الذي يطرح الحل المطلوب ولو لم يحظ بالقبول فوراً، ولكن ينتهي إلى إقناع الناس به. لذا، أنا مستمر في العمل الوطني ولا رغبة لي في منصب سياسي".

هذا ما قاله السنيورة وستكون له تتمات في المرحلة المقبلة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o