May 23, 2022 8:39 AM
مقالات

إنكفاء "حزب الله" أولى الفواتير التي تسدّدها طهران لواشنطن

ماذا تعني خسارة "حزب الله "وحلفائه الغالبية النيابية في البرلمان اللبناني الجديد بعدما كان يحتفظ بنحو 70 مقعدا ممّا مجموعه 128، بينما أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز لوائح المعارضة المنبثقة من القوى الثورية المعارضة في مواجهة السلطة الحالية بـ 13 مقعدا على الأقل في البرلمان المرتقب، علماً أن هذه المجموعة بإمكانها أن تشكل كتلة ضاغطة قد يكون لها تأثير كبير في تعديل كفّة الرجوح السياسي لـ"حزب الله" ومَن يدور في دوائره، وذلك إلى جانب الغالبية الجديدة التي فازت بها المعارضة السيادية متمثلة بـ"القوات اللبنانية"؟

مما لا ريب فيه أن التراجع السياسي الذي مُني به "الحزب" صاحب الميليشيات المسلحة الآمرة في لبنان، و"الحزب" الأقوى والحليف لرئيس الجمهورية، يترافق زمانياً مع تقدّم طهران – الراعية له تسليحاً وتمكيناً – بخطى سريعة في برنامجها النووي دونما تعطيل، على رغم الضغوط الدولية التي تمارَس عليها من كل طرف. وكذلك تأتي خسارة "الحزب" وحلفائه مواكِبةً لاقتراب الأطراف المشاركة في مفاوضات فيينا النووية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، من التوصّل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني بتنازلات طفيفة مقبولة من الطرفين.

فمطلب طهران الصعب للمضي في المفاوضات، والمتمثّل بإزالة الحرس الثوري من لائحة الإرهاب الأميركية، قد يتمّ تدويره من خلال "قصقصة" أذرع الحرس الثوري الإيراني الميليشيوية العابرة للحدود وفي مقدمها "حزب الله" اللبناني. وقد يكون الانكفاء السياسي لـ "الحزب" إثر خساراته المدوية في صناديق الاقتراع أمام حركة التغيير التي نادى بها ثوار لبنان هو بداية المشهد الجديد لإيران في المنطقة ما بعد الاتفاق النووي. ولن يكون مقبولاً لواشنطن تمرير أي اتفاق مع حكومة طهران في الوقت الذي تستمر حكومتها في سياساتها مع دول الجوار، القائمة على فكرة تصدير “الثورة الخمينية” بالسلاح والمسلحين العابرين للحدود، وذلك بهدف السيطرة وتقويض الاستقرار في المنطقة برمّتها. ولم يكن لبنان أبداً المستهدَف الأوحد على أجندة ورثة الثورة الخمينية، بل سوريا والعراق واليمن، وما ملكت أيمانهم.

ولئن كانت إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن راغبة في التوصل إلى اتفاق نهائي وطيّ الملف النووي هذا العام، إلا أنها لن تساوم أو تفاوض إطلاقاً على المعضلة الرئيسية على طاولة المفاوضات، وهي الدعم المالي واللوجستي الذي تقدمه الدولة رسمياً للحرس الثوري ومجموعاته المسلحة، وذلك بصفته ركنا أساسيا من قواتها المسلحة كما يرسم لها الإمام الخامنئي القائد الأعلى لتلك القوات.

وإذا مضت مسيرة التغيير في طريقها المنشود، فإن لبنان على موعد مع حكومة وطنية متوازنة ستشكّل رافعة للبلد من الهاوية التي أوقعته فيها سياسات الاستقواء والبلطجة والمديونية التي كانت تُمارَس بحقه أفراداً ودولة.

وبالمقابل، وفي حال تخلّت طهران تماماً عن طموحها التسلحي النووي من خلال توقيعها اتفاقاً يضمن عدم توظيفها أو استغلالها برنامجها لأغراض العسكرة، وكذا التزامها رفع غطائها المالي والسياسي عن الميليشيات العابرة للحدود التي تأتمر بإمرتها، سيكون بالإمكان عندئذ إعادة دمجها في دوائر المجتمع الدولي واستعادتها مكانتها كدولة طبيعية محايدة تحترم القوانين الدولية وحق الدول الجارة وسيادتها، دولة مؤثرة داعية الى السلام لا محرّضة على الحروب والنزعات المذهبية، وهي التي تتمتع بموقع جيوسياسي دقيق على جغرافيا ذات ثروات نفطية هائلة قد يكون العالم اليوم بأشد الحاجة اليها في ظل المقاطعة الغربية للنفط الروسي.

إلا أن هذا لن يحدث من دون دفع الثمن الذي بدأ تسديد أولى فواتيره في لبنان، وسيكون له صداه في الجوار السوري والعراقي واليمني أيضاً، وفي كل مساحة انتشرت فيها الميليشيات المسلحة المدعومة إيرانياً، على اختلاف تشكيلاتها ومسمياتها ابتداء بجحافل "حزب الله" التي تنهش في الجسد السوري منذ عقود، مروراً بكتائب "حزب الله" في العراق ومشتقاتها، وصولاً وليس انتهاء بجماعة "أنصار الله" في اليمن.

"النهار"- مرح البقاعي

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o