Apr 19, 2022 6:41 AM
مقالات

تساؤلات حول النظام العالمي الجديد معادلة النفط والغذاء مقابل ماذا؟

كتب العميد الركن خالد حماده في "اللواء":

لم تعدْ مجريات الميدان في أوكرانيا وتسارع وتيرة العمليات العسكرية وسقوط المدن أو صمودها في صدارة الأولويات على مستوى اللاعبين الكبار. أخبار الميدان متروكة لصولات الرئيس الأوكراني فلادومير زيلنسكي وبيانات المخابرات البريطانية ومغامرات إيصال الأسلحة الى ساحة المعركة وتوصيف فعاليتها. إجتياح المدن وتدمير الإقتصادات التي استغرق بناؤها عقوداً طويلة وسقوط مئات المدنيين ليس في دائرة الحساب، بل هي مشاهد ستواكب مسارات تحوّل نحو عالم جديد إنطلقت أولى مقدّماته في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير المنصرم.

الدور المطلوب من دول الغرب أو الذي فُرض عليها هو مزيد من الإنغماس في الحرب على إيقاع خطاب شعبوي تعمل أجهزة المخابرات على تعميمه لدى الرأي العام الأوروبي، بما يؤجج التطرّف ويدفع بدول صغيرة لتصدّر المشهد، ويحرج قيادات دول وازنة كفرنسا وألمانيا لملاقاته أمام جمهورها. المبادرة الأوروبية خارج الإستمرار في الحرب غير متاحة، والإضطراب الدولي على المستوى الإقتصادي الذي يبدو خارج التوقّعات، أضحى القاطرة لمسار تفكيك ما اصطُلح على تسميّته النظام الدولي. كان المطلوب أميركياً  الخروج من التوازن القائم بأيّ ثمن مقروناً بتوّهم القدرة على التحكّم بمسار التحوّل وأدواته، لكن ما يبدو أنّ الأمور خرجت عن السيطرة وأنّ قواعد النظام الجديد دونها تداعيات كارثية لمعادلة الطاقة والغذاء التي ستغيّر وجه العالم بعد أن تضع الحرب المفتوحة أوزارها.

أولاً، لم يعدْ سقوط مدينة «ماريوبول» كبرى مدن جنوب شرق أوكرانيا والقاعدة الصناعية العسكرية والإقتصادية الكبرى يُقرأ من قبيل إسقاط مدينة هامة وتحقيق نصر تحتاجه روسيا. أضحى المغزى الأهم للسيطرة على المدينة هو ما يمثّله مرفؤها من أهمية على صعيد الأمن الغذائي العالمي. فروسيا التي تتصدّر قائمة الدول المصدّرة للقمح بـ 37 مليون طن سنوياً وأوكرانيا التي تحتل المركز الخامس بـ 18 مليون طن تمثّلان 30% من صادرات القمح على مستوى العالم. السيطرة على «ماريوبول» الى جانب ميناء «بيرديانسك» تعني السيطرة على سلة الغذاء العالمية، واستكمال السيطرة على مرافيء «أوديسا وأزمايل وإيلتشوكسف» التي تعمل بشكل جزئي أو تعطيلها يعني التحكّم بالأمن الغذائي العالمي. هذا بالإضافة أنّ تعذّر القدرة على الزراعة في أوكرانيا أو جني المحاصيل بفعل الأعمال العسكرية يهدد بنفاذ الإحتياطات لاسيما بعد أن أوقفت أوكرانيا التصدير حفاظاً على احتياطاتها التي تكفي لمدة سنتين.

لقد أدّت العمليات العسكرية على شواطيء بحر آزوف والبحر الأسود وفق إحصائيات «منظّمة الفاو» إلى ارتفاع مؤشّر أسعار السلع الغذائية إلى 12% بين شهريّ فبراير ومارس، وإلى ارتفاع مؤشّر أسعار الحبوب بنسبة 17% وإلى نقص غذائي حادّ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى أوروبا، لا سيما مع عدم قدرة الولايات المتّحدة وكندا على زيادة إنتاجها وتعويض النقص. 

ثانياً، مسألة حظر استيراد الطاقة من روسيا التي حاولت الولايات المتّحدة استخدامها كسلاح لتحطيم الإقتصاد الروسي لم تؤتِ ثمارها حتى الآن على الأقل، بل يبدو إنّ الغزو الروسي لأوكرانيا «سيغيّر هيكل أسواق الطاقة في أوروبا والشرق الأوسط». لقد أدركت الدول الأوروبية، ولا سيما ألمانيا مخاطر إعتمادها  على الطاقة الروسية بما يقرُب من 40 في المائة من إحتياجاتها من الغاز الطبيعي ، وتعهّد القادة الأوروبيون بخفض ذلك بمقدار الثلثيّن لذلك إندفعوا بشكل محموم لتأمين الإمدادات من الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. كانت قطر الدولة الوحيدة التي قدّمت بعض المساعدة عندما حوّلت إلى بريطانيا وبلجيكا ست ناقلات للغاز الطبيعي المُسال كانت متّجهة في الأصل إلى آسيا. .

إمارة قطر  التي تزود حالياً الإتّحاد الأوروبي بنحو 30 في المائة من غازها المسال ، لا يذهب أيّ منه إلى ألمانيا ، لأنها لا تملك محطات للغاز الطبيعي المُسال ، وتصحيح هذا الخطأ يستلزم ثلاث سنوات على الأقل.

على صعيد موازٍ وفي محاولات متفرقة لاستبدال الإعتماد على روسيا توصّلت الجزائر وإيطاليا، مؤخراً إلى اتّفاق لزيادة كميات الغاز التي تستوردها روما من الجزائر بهدف التقليص من التبعيّة للغاز الروسي. وجرى التوقيع بحضور الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي».

ووفق البيان فإنّ الإتّفاق ينصّ على أنّ الإضافات في رفع كميات الغاز «ستزيد تدريجاً إعتباراً من 2022 لتبلغ 9 مليارات متر مكعب في 2023-2024» عبر خط أنابيب إنريكو ماتيي «ترانسمد» الذي يربط البلدين عبر تونس والبحر المتوسط. وعلى خط موازٍ لم تتجاوب ليبيا مع المساعي الأوروبية لزيادة الإنتاج حيث صرّح وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، محمد عون، في مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية: «لا تستطيع ليبيا زيادة إمدادات الغاز أو النفط إلى أوروبا باعتبار أنّها ليست لديها القدرة الآن.»

هذا وقد أتى التجاوب المصري ملتزماً بمحدودية القدرة حيث صرّح وزير  الطاقة «إنّ الغاز المصري وحده غير قادر على تلبية احتياجات أوروبا، موضحاً أنّ مصر تنتج 66 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي، يُستهلك محلياً منها 62 مليار ويتبقّى 4 مليارات متر مكعب وهو رقم ضعيف مقارنة باستهلاك الدول الأوروبية والذي يصل إلى 500 مليار متر مكعب، تلبي روسيا نسبة 40% منهم بحوالي 200 مليار متر مكعب.

وبالتوازي مع مسألتيّ الغذاء والطاقة تختبر روسيا قدرتها على مجاراة الولايات المتّحدة والمؤسسات الغربية في فرض العقوبات ووضع القيود الإقتصادية، وهو ما اعتُبر سابقاً أدوات حصريّة وضعت على مقاس الغرب، وقد يكون تجاوز تلك الحصريّة هو أول التداعيات السلبية للتمادي في العقوبات القاسية على روسيا. اتّخذت روسيا قرارها بمجاراة الولايات المتّحدة فكان قرار مصرفها المركزي في 9 آذار/مارس بحظر التعامل بالدولار في روسيا وتعليق بيع العملات الاجنبية لمدة ستة أشهر ومنها اليوان الصيني، كما سمح للمودعين بسحب عشرة آلاف دولار كحدّ أقصى من ودائعهم أما الباقي فبالروبل الروسي، كما جارت روسيا الولايات المتّحدة والدول الأوروبية بمصادرة أملاك الشركات الغربية التي غادرت روسيا، وكانت نتيجة هذه الإجراءات تحسن سعر صرف الروبل حوالي 20% ( من 154 إلى 120 خلال عشرة أيام). بالإضافة الى ذلك عمدت روسيا الى إلزام المصدّرين الروس بتحويل 80% من عائداتهم إلى الروبل كما حظّرت تصدير المواد الخام على أنواعها الى الخارج على أن يصدر أي استثناء عن الرئيس بوتين وذلك لمنع أي دولة من لعب دور الوسيط، وربما لإفساح المجال أمام القيادة الروسية للمساومة على حاجاتها حيث تدعو مصلحة الدولة.

لم تعد التساؤلات التي طرحتها مقدّمات الحرب تليق بالأبعاد التي تكشفت عنها. ربما رمت الولايات المتّحدة من خلال التحفيز على الحرب الى حصر الصراع بين أوكرانيا وروسيا ثم تحويله أوروبياً كمقدّمة لإرساء قواعد جديدة وإدخال روسيا تدريجياً تحت مظلّتها. أفشل النفط الروسي وسلة الغذاء الأوكرانية الرؤية الأميركية وتحوّلا الى مرتكزيّن لرسم خرائط العلاقات الدولية وربما لأسّس تشكيل النظام العالمي الجديد.

نجحت معادلة النفط مقابل الغذاء في التمهيد لاحتلال العراق ولكن في أوكرانيا السؤال المختلف هو النفط والغذاء مقابل ماذا؟

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o