Apr 14, 2022 6:39 AM
صحف

الانتخابات: قلق وتشكيك ومبالغات.. ماذا في المشهد؟

صار الاستحقاق الانتخابي على بعد شهر بالتمام والكمال، فيما حنفيّة المبالغات مفتوحة على آخرها، تصبّ على رؤوس اللبنانيين ما لا يريدون ان يسمعوه من شعارات سياسية وحزبية مرّ عليها الزمن، جُرّبت في الماضي وكان فشلها موصوفاً، ومع ذلك يصرّ المبالغون من مواقعهم الرسمية والسياسية والحزبية على تكرار الاسطوانة ذاتها التي لم تنجح سوى في مراكمة الإخفاقات والتوتّرات وتعميق الانقسامات، وإحدى أسوأ نتائج هذا المنحى، تجلّت في حرب السنتين في 13 نيسان 1975، الذي مرّت ذكراها بالأمس، وما تلاها من حروب وتوترات دفّعت اللبنانيين أغلى الأثمان.

المفجع في هذه الصورة، أنّ لا احد قد تعلّم من تلك التجارب المريرة، ولا أحد أجرى مراجعة نقدية حقيقية وصادقة ومسؤولة لأسباب سقوط البلد، بل انّ المؤسف هو التشبث بالماضي والإصرار على تغييب الكلمة الوطنية المسؤولة والجامعة للبنانيين. وهو ما يتبدّى في الخطاب المتوتر المتبادل على ضفتي الانقسام السياسي، ويمهّد احتدامه في الزمن الانتخابي الحالي الى ان يضع البلد خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات في 15 ايار، فوق نار الحملات التصعيدية، بين أطراف سياسية وحزبية، ثبت بما لا يقبل أدنى شك انّ طريق التغيير معها مستحيلة، وخصوصاً انّ أداءها السابق والحالي وبالتأكيد اللاحق، يتسمّ بالإفتقار الى الصدق، وبالإنكار لشراكتها الكاملة ولسنين طويلة، في سلطة إسقاط البلد، وانّها أوصلت بأخطائها الجسيمة والمستمرة، الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً ومالياً الى مستوى فضائحي آخذ في التزايد يوماً بعد بعد يوم.

وعلى الرغم من ارتفاع هدير الحملات والشعارات والماكينات الانتخابية هو الطاغي على ما عداه ولا صوت يعلو فوقه، الّا أنّ صورة الوضع السياسي الداخلي تشبه المسرح المظلم، لا يعرف أحد ماذا يجري في لبنان فعلاً، وإلى أين تتّجه البلاد، وليس في يد أي من المعنيين بهذا الاستحقاق ما يجعله مطمئناً لمصير الانتخابات او متيقناً من انّها ستجري في موعدها ام لا، فالرؤية تحجبها غيوم داكنة تخفي المسار الذي سيسلكه هذا الاستحقاق في 15 ايار.

صورة التحضيرات تشهد عرضاً متواصلاً لإعلان ما تبقّى من لوائح انتخابية. وتظهر هذه الصورة وكأنّ كلّ الاطراف المعنية بالانتخابات تحضّر لها وكانّها حاصلة حتماً، وماضية في التعبئة والحشد الجماهيري لها لجذب النّاخبين الى صناديق الاقتراع في 15 ايار. واللافت في هذا السياق، انّ التعبئة لهذا الاستحقاق، والحزبية على وجه الخصوص، هي في مجملها تعبئة سياسيّة اكثر منها مرتبطة ببرامج إنقاذية للبنان تحاكي توق اللبنانيين إلى الخروج من ازمتهم.

الّا انّه رغم هذه التحضيرات، فإنّ مختلف الاوساط المعنية بالاستحقاق الانتخابي لا تعكس حقيقة ما في أعماق هذه الاوساط، التي تبدو جميعها، من دون استثناء أي منها، معلّقة على حبل طويل من علامات الاستفهام حول مصير الانتخابات. وإذا كانت المستويات الرسمية تقارب الاستحقاق بنَفس تفاؤلي حول إتمامه في موعده، الّا انّه في غياب الجزم الحاسم بذلك، تحافظ على نسبة عالية جداً من القلق، وهو ما اكّدته مصادر سياسية مسؤولة بقولها لـ«الجمهورية»: «انّ انتخابات 15 ايار مثبتة على الورق فقط، والمحسوم فقط هو انّ القلق على هذا الاستحقاق يكبر يوماً بعد يوم».

ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ هذا القلق، ليس محصوراً بالاطراف الداخلية، بل انّه متفاعل بشكل ملحوظ لدى المستويات الديبلوماسية، حيث انّ هذا الأمر خضع لنقاش ديبلوماسي تزايد في الفترة الأخيرة، أثير خلاله تشكيك بجدّية الأطراف اللبنانية بإجراء الانتخابات، وخصوصاً في ظل بروز اشارات غير مشجعة قرأتها المستويات الديبلوماسية في بروز بعض العراقيل اللوجستية التي طرأت فجأة في هذا التوقيت، لا نملك حتى الآن ما يؤكّد إن كانت متعمّدة ام لا، في ما بدا انّها اشارة مباشرة الى ما أثير في الايام الاخيرة حول العقدة القضائية، وما يتصل بالاساتذة وغير ذلك مما وصفت بـ«العراقيل».

ووفق المعلومات، فإنّ هذا التشكيك، أسرّ به سفراء غربيون لجهات اقتصادية وبعض رجال الاعمال، من زاوية التحذير من عواقب أي نوايا تعطيلية للانتخابات. ونقل احد اعضاء المجلس الاقتصادي الإجتماعي عن سفير دولة كبرى قوله ما حرفيّته: «إن صحّ ما يُشاع عن احتمال عدم إجراء الانتخابات في موعدها، فذلك يعني إدخال لبنان في لعبة مجهولة وإرباكات خطيرة تفاقم أزمته الى حدود غير معلومة».

وأشارت معلومات «الجمهورية» إلى انّ وزراء ونواباً ينتمون الى كتل نيابية مختلفة لاحقهم بعض السفراء بسؤال مباشر: هل ستجري الانتخابات؟ من دون ان يلقى هؤلاء السفراء جواباً قاطعاً.

وبحسب ما تكشف مصادر في لجنة الشؤون الخارجية النيابية لـ«الجمهورية»، فإنّ التواصل بين بعض أعضاء اللجنة وديبلوماسيين غربيين يعكس انّ السفارات لا تنظر بارتياح الى الاستحقاق الانتخابي تبعاً للغموض الذي يحيطه، وكذلك لما يتمّ تبادله بين بعض الاطراف السياسية في لبنان من اتهامات بالسعي الى تعطيل الانتخابات، ذلك انّ هذه الاتهامات تبدو مستندة الى امور مخفية تؤكّدها».

ووفق تأكيدات هؤلاء الديبلوماسيين لأعضاء اللجنة الخارجية، فإنّ «اتهام بعض السفارات، (في اشارة الى اتهام الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله للسّفارة الأميركية بالعمل على منع إجراء الإنتخابات)، لا يرقى الى الحقيقة، وخصوصاً انّ الموقف الاميركي من الانتخابات ثابت لناحية إجرائها، وترك اللبنانيين يقرّرون من يختارون من دون أي تدخّلات او ضغوط من أي جهة كانت. علماً انّ الولايات المتحدة، وكذلك فرنسا، وسائر المجتمع الدولي في حالة ترقّب للاستحقاق الانتخابي في لبنان. وواشنطن وباريس تأملان بأن تحاط الانتخابات بالمزيد من الشفافية والديموقراطية».

وأعرب هؤلاء الديبلوماسيون، والكلام للمصادر النيابية في اللجنة الخارجية، ان ليس أمام المسؤولين اللبنانيين أي حجة لعدم اجراء الانتخابات، وإذا كانت هذه الانتخابات فرصة لإعادة إنتاج الحياة النيابية والسياسية في لبنان، بما يؤسس لسلوك مسار المعالجات للأزمة الراهنة، خلافاً للمنحى الذي تسبّب بهذه الأزمة وتفاقمها، فإنّ عدم إجرائها يعني خسارة لبنان الفرصة التي اتاحها له صندوق النقد الدولي، وكذلك إقفال أي باب مفترض لمساعدة لبنان من كل اصدقائه سواء الغربيين والاوروبيين او العرب، وتحديداً دول الخليج».

ولا تختلف هذه الأجواء عمّا هو سائد لدى مختلف مراكز الإحصاءات والدراسات الانتخابات، فهي وإن كانت شبه متيقنة من أنّ نتائج انتخابات 15 ايار، لن تحدث تغييراً يُعتد به في الخريطة النيابية عمّا هي قائمة عليه في المجلس النيابي الحالي. الّا انّها من جهة ثانية، ما زالت بعيدة جداً عن اليقين في إمكان إجرائها، وخصوصاً انّ فترة الشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات، ووفق المؤشرات التحضيرية للأطراف السياسية، تبدو شديدة السخونة تبعاً للخطاب الناري المتبادل بين القوى المتنافسة، ما يجعل من الشهر المتبقّي شهر القلق والاحتمالات والمفاجآت.

وإذ تسلّط إحدى الدراسات الصادرة الحديثة الضوء على ما يسود الأجواء الداخلية من حديث عن عراقيل ونوايا تعطيل، الّا انّها لا تتبنّى أياً منها. بل تلحظ مسألة غاية في الأهمية، مفادها انّ كل الاطراف تبدو متهيّبة من عدم اجراء الانتخابات. وعندما يُطرح عليهم السؤال: أي صورة سيكون عليها لبنان في 16 أيار فيما لو لم تجرِ الانتخابات؟ يقابل بخوف واضح.

وبحسب هذه الدراسة، فإنّ في موازاة الصعوبة التي تبدّت مع تشكيل اللوائح المتنافسة، يتبدّى الهاجس الأكبر لدى القوى الحزبيّة على اختلافها، ويتجلّى في انّ المزاج الشعبي ليس مستجيباً بالقدر الذي تريده، ونسبة المترددين او المنكفئين في بيئاتها الحاضنة مرتفعة جداً، حيث لا تبدو البرامج المطروحة مقنعة او مغرية للناخبين وسط ازمة اطاحت كل شيء. ولذلك وفي موازاة جهدها المكثف، لجذب المنكفئين الذين يشكّلون الشريحة الأوسع من اللبنانيين، باتت اولويتها القصوى الرهان بالدرجة الاولى على قواعدها الشعبيّة لتحفيزها على المشاركة الكثيفة في عمليات الاقتراع. وهذه القواعد باتت مستنفرة بالفعل، وهذا ما يظهر في اللقاءات الحزبية العلنية والسرية، الّا انّ ذلك لا يكفي لتحقيق ما تصبو اليه تلك الاحزاب، وهذا ما يجعلها قلقة بالفعل من نتائج الانتخابات، وما سيترتب عليها ليس فقط على شكل الحكومة التي يفترض ان تتشكّل بعد الانتخابات مباشرة، بل لأنّ انتخابات 15 ايار مرتبطة بشكل مباشر بالاستحقاق الرئاسي اواخر تشرين الاول المقبل، حيث انّ الأكثرية التي ستتشكّل بعد الانتخابات سيكون رأيها الراجح في فرض الرئيس الجديد للجمهورية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o