Apr 08, 2022 5:06 PM
متفرقات

العبسي في جنازة جورج عشي: كان يؤمن بمجتمعات يعيش فيها ابناء الاديان بسلام

ترأس بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الصلاة الجنائزية عن نفس جورج العشى ، في مطرانية بيروت للروم الكاثوليك، عاونه المطران جورج بقعوني ورئيس الديوان البطريركي الاب رامي واكيم . وعدد من الكهنة، في حضور اهل الفقيد وعائلته،  وشخصيات. سياسية واقتصادية وأمنية. 
 
وبعد الانجيل المقدس، ألقى العبسي كلمة قال فيها:
نودّع اليوم ابنًا من أبناء كنيستنا البررة، الذين نعتزّ بأنّهم ينتمون
إليها وعاش فيها ما يداني المئة سنة. نودّع اليوم الأخ الأكبر والصديق
الوفيّ الدكتور جورج عشّي ونحن نحتفل بإقامة السيّد المسيح للعازر صديقه
من بين الأموات. نودّعه وحالنا مثل حال مرتا ومريم حين مات أخوهما لعازر،
في قلوبنا أسًى ولوعة وألم على فراقه إذ كان لونًا جميلاً ونغمة عذبة
ودفئًا مريحًا  في حياتنا. نودّع جورج ونحن في حيرة نتساءل مثل مريم
ومرتا لماذا يغادر الأحباب؟
بيد أنّ لنا أيضًا في وداعنا لجورج ما كان لمريم ومرتا من إيمان، ذلك
الإيمان الذي دفع مريم إلى قولها ليسوع من حرقة قلبها: "لو كنت ههنا لما
مات أخي"، ذلك الإيمان الذي كان قبلاً دفع بطرس إلى القول للربّ يسوع من
عمق حيرته: "إلى من نذهب ياربّ فإنّ عندك كلام الحياة"؟  يعني يا يسوع
حيث تكون أنت هناك الحياة. الموت هو الابتعاد عنك والحياة هي القرب منك.
وقد أكّد لنا بولس أنّنا سوف نكون مع الربّ دائمًا، سوف نحيا إلى الأبد،
سوف نحصل على الحياة الوافرة التي وعدنا بها يسوع وكيف لا وقد أكّد لنا
قائلاً:"أنا القيامة...أنا الحياة". نودّع اليوم جورج ولسان حالنا قول
مريم: "نعم ياربّ نحن نؤمن بأنّك أنت القيامة أنت الحقّ أنت الحياة"،
ونترجّى أن يكون جورج الآن حيث أنت وأن تكون حقّقت له ما طلبته من أبيك
لتلاميذك: "أريد أن يكونوا هم أيضًا حيث أكون أنا". هذه تعزيتنا. هذا
فرحنا. هذا سلامنا، ونحن نرافق جورج في عودته إليك، إلى الملكوت، إلى حيث
مكانه الحقيقيّ والصحيح والطبيعيّ، ونحن نصحبه إلى حيث قلت لنا إنّك
ستذهب لتعدّ لكلّ واحد منّا مكانًا: "الآن أنتم حزانى، ولكن ستفرح
قلوبكم. إنّي أنطلق لأعدّ لكم مكانًا".
أبصر فقيدنا المنتقل جورج عشّي النور في دمشق في السابع والعشرين من
نيسان عام 1925 من أبوين فاضلين مسيحيّين أنجبا ستّة أولاد كان هو
ثالثَهم، وترعرع في عائلة مجبولة بالإيمان والتقوى متحابّة متماسكة. وكم
كان يحلو له أن يتذكّر على الأخصّ والدته بقوله إنّها قدّيسة، حضنت
أولادها وضحّت بالرخيص والغالي في سبيلهم. تلقّى علومه حتّى الثانويّة في
المدرسة البطريركيّة بدمشق وكان لامعًا. ثمّ حصل من الجامعة السوريّة على
شهادة في الاقتصاد وأخرى في الحقوق، وتابع من ثمّ تحصيله في جنيف حيث نال
دكتوراه في الحقوق وفي باريس حيث نال دكتوراه في الاقتصاد. ولـمّا عاد
إلى البلاد والعلمُ والنجاح بيده تزوّج في الخامس عشر من نيسان 1957
بالآنسة الكريمة كوليت نعمان وقد رزقهما الله ثلاثة أولاد ظافر وماهر
وجيدا، لكلّ منهم مكانته في المجتمع والعمل، ولكلّ منهم محبّة وتقدير
وفرح ورضى في قلب والده وأكاد أقول "قصّة حلوة" كان يحلو له أن يتذكّرها
ويحكيها مع زوجته الكريمة.
أمّا في مجال العمل الذي كان متخصّصًا فيه، أكان في التعليم في الجامعة
اليسوعيّة في بيروت كأستاذ محاضر، أم في العمل المصرفيّ والمال، فقد بلغ
ذروة النجاح، حتّى إنّه انتخب رئيسًا لجمعيّة المصارف في لبنان الذي كان
انتقل إليه عام 1963، وكان متحلّيًا بالنزاهة والإخلاص والجدّيّة ودماثة
الأخلاق والكفاءة واللياقة، مشرّفًا المهنة التي نذر نفسه لها ومبيّنًا
في الوقت عينه التزامه بتعليم السيّد المسيح، جامعًا على هذا النحو بشكل
رائع متطلّبات العمل من جهة ومتطلّبات الإنجيل من جهة أخرى، بتواضع وصمت.
اعتقد الفقيد الغالي اعتقادًا صلبًا بإمكانيّة بناء مجتمعات يعيش فيها
أبناء الأديان المختلفة بسلام في المشرق العربيّ وبأنّ الإنسان المشرقيّ
أهل لأن يعيش في أوطان حضاريّة ومتطوّرة. وكان في سعي دائم لتحقيق هذه
القناعة بالرغم من العقبات الكثيرة التي واجهها. وكانت علاقاته مع مختلف
أطياف المجتمع خير دليل على روح الانفتاح التي تمتّع بها وعلى إيمانه
بقيام أوطان يعيش فيها كلّ أبنائها بتناغم على الرغم من اختلافهم إذ كان
يرى في الاختلاف والتنوّع غنًى وقوّة. وهذا ما كان يراه للبنان بنوع خاصّ
في الأزمة التي تعصف به ولا سيّما في عالم المصارف.
ولم يشأ أخونا المنتقل جورج أن يكون عطاؤه للكنيسة بأقلَّ من عطائه لعمله
فلمّا عيّنه سلفي المثلّث الرحمة مكسيموس الخامس عضوًا في المجلس الأعلى
لكنيستنا في لبنان عمل بنشاط وجديّة وغيرة وسعى إلى أن يكون المجلس في
الخطّ الذي رسمه له مؤسّسه.
في السنوات الخمس الماضية ولا سيّما في الأشهر الثلاثة الأخيرة كان لي
الحظّ أن أتعرّف عن كثب على جورج، وأجملُ ما اكتشفت فيه، خلفَ رجل
الأعمال الكبير، قربُه من الربّ يسوع والتزامه المسيحيّ، وعمق إيمانه،
ومحبّته لكنيسته.  زرته منذ ثلاثة أيّام وصلّينا معًا وكان على وجهه رضى
وسلام وهدوء. وما لبث أن رسم على جبهته إشارة الصليب جمع فيها  وختم
حياته كلّها.
بانتقال الدكتور جورج عشّي تخسر كنيستنا ويخسر لبنان والمشرق واحدًا من
الشخصيّات التي تركت أثرًا لن يمحى، وقد ترك هو نفسه بيده شيئًا من هذا
الأثر في الكتاب الذي وضعه مع السيّد غسّان العيّاش، "تاريخ المصارف في
لبنان"، الذي أراد أن يظهر فيه دور القطاع المصرفيّ في الحفاظ على تراث
لبنان لكونه عنصرًا أساسيًّا في جبلة الكيان اللبنانيّ وصلابته.
باسم راعي أبرشيّة بيروت سيادة المطران جورج بقعوني الجزيل الاحترام،
وباسم كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك، وباسمي الشخصيّ، أقدّم التعزية
الصادقة الحارّة لزوجته وشريكة حياته السيّدة الكريمة كوليت ولأولاده
المحبوبين ظافر وماهر وجيدا ولأحفاده وحفيادته ولجميع أفراد الأسرة
والأهل ولكم جميعًا أيّها الأحبّاء، وأسأل الله تعالى أن يتغمّد أخانا
جورج بواسع رحمته وأن يسكنه في ملكوته السماويّ مع الأبرار والقدّيسين في
نور القيامة الذي لا مساء له.
والقى نجل الفقيدظافر ، كلمة باسم العائلة، عبر فيها عن فخره بوالده "الدكتور  جورج عشي وشكر  الحضور على المشاركة .

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o