Feb 16, 2022 5:24 PM
خاص

إنتفاضة الجسم القضائي انطلقت...إستقلالية القضاء ولا عدالة المنظومة خطان غير متوازيين

المركزية – "الجسم القضائي ليس سليما" بهذه العبارة يبادر أحد القضاة كلامه عند سؤاله عن واقع حال آخر الصروح التي تشكل عمود الوطن الفقري. فبعدما أعطيت منظومة الحكم كلمة السر من ضابطي الإيقاع وموزعي الأوركسترا لضرب القطاع المصرفي في لبنان ووضع حاكمية مصرف لبنان في شباك الإتهام والملاحقة،  جاء دور الجسم القضائي. ومن يتابع تسلسلية المحطات بدءا من شبه الإنتفاضة التي تشهدها أروقة قصور العدل منذ أشهر، اعتراضا على التدخلات السياسية التي باتت فاقعة جدا وتحديدا في ملف تفجير مرفأ بيروت، ومطالبة الثنائي الشيعي وحاشيته السياسية بتنحية المحقق العدلي في ملف المرفأ القاضي طارق البيطار وصولا إلى اعتكاف القضاء في الأمس وتوقف المساعدين القضائيين عن العمل عن أداء واجباتهم في كل قصور العدل، يتأكد أن هذه الحلقة مفتوحة على مزيد من التدهور وأن القضاء في لبنان ليس بخير والعدالة معلقة على مشنقة المحسوبيات السياسية!

مصادر قضائية تلفت عبر "المركزية" الى أن الشرارة الأولى لانهيار الجسم القضائي انطلقت مع ملف التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت وكانت يومها، ولا تزال، في وجه التدخلات السياسية والتي عبر عنها علنا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في إطلالاته داعيا الحكومة ومجلس القضاء الأعلى إلى إيجاد حل للمحقق العدلي وإلا... الأمور ذاهبة إلى الأسوأ".

التهديدات الموجهة إلى الجسم القضائي لم تقف عند "إصبع" نصرالله المرفوع في وجه أكبر قاضٍ نزيه "هم يريدون هدم هذا الصرح بهدف بناء حائط دعم في وجه  التحقيقات في ملف المرفأ ويستعملون لهذه الغاية كل الوسائل المتاحة أمامهم من شن حملات سياسية ضد الجسم القضائي وصولا إلى طلبات الرد من المدّعى عليهم ضد القاضي البيطار والقضاة الذين يبتون بطلبات الرد. وللأسف، يبدو أن السلطة السياسية نجحت حتى اللحظة في إدخال الملف في نفق التعطيل، من خلال طلبات رد فاق عددها العشرين دعوى، إضافة إلى دعاوى ارتياب مشروع، وطلبات نقل ودعاوى مداعاة الدولة، مما أدى إلى  كف يد المحقق العدلي عن الملف في انتظار البت بها والله وحده يعلم متى تدق ساعة الحق والحقيقة!".

هذا الواقع، دفع إلى تحرك القضاة بحسب المصادر القضائية، وأولى الخطوات كانت بتقدم عدد من القضاة في الآونة الأخيرة طلبات إجازة من دون راتب وليس استقالة، بحجة العمل خارج لبنان لأنه لم يعد باستطاعتهم تحمل حجم الضغوط التي يتعرّضون لها. ونبهت إلى أن هذا الواقع سيزداد تعقيدا وسنشهد مزيدا من طلبات الإجازة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من ضغوط على الجسم القضائي وتدخلات في شؤونه. أما الصامدون في مواقعهم ومكاتبهم فيعيشون حالا من التململ في ظل ممارسات وضغوط سياسية والهدف منها بات واضحا: تدمير السلطة القضائية". وتخشى المصادر من أنه في حال لم يتجاوب المعنيون مع الصرخة التي أُطلقت فإن الأمور ذاهبة في اتّجاه التصعيد مثل الإضراب المفتوح وصولاً إلى الاستقالات الجماعية للقضاة".

قد تكون التدخّلات السياسية شكلت النقطة التي أفاضت الكأس، على رغم وجود قانون اسمه قانون استقلالية القضاء لكنه كما كل القوانين المنصوصة يبقى حبرا على ورق. إلا أن الأزمة الإقتصادية شكلت الضربة القاضية خصوصا أنها ترتبط مباشرة بالوضع المالي الذي أدى إلى تراجع قيمة رواتب القضاة بشكل كبير.

آخر مسودات مشروع قانون استقلاليّة القضاء وإن تضمّنت في الشكل بعض العناوين الإيجابيّة، لكنّها في الجوهر انطوت على الكثير من الثغر والألغام. وحين تم اقتراح مشروع القانون عام 2018، تم رميه في الأدراج من دون أن يتم النظر فيه جدياً أو وضعه على جدول الأعمال. يومها كانت السلطة تدرك أن إعطاء النظام القضائي مساحته واستقلاليته عن نفوذها، قادر على تهديد مصالحها في كثير من المجالات، سواء من خلال فقدان القدرة على ضمان مواقع نفوذ خاصّة لبعض الأحزاب في القضاء، أو حتى من خلال إعطاء القضاة الجرأة على فتح ملفات الفساد والصفقات في الإدارة العامّة.

وتعقيبا، تقول المصادر القضائية "ما إن تسرّب مضمون هذه المسودة، حتّى تأكّدت كل الشكوك، إذ تبيّن أن سريّة مداولات اللجنة الفرعيّة ومماطلتها، لم تكن إلا بهدف التلاعب بمسودة مشروع القانون ونسف المبادئ الأساسيّة التي يفترض أن يقوم عليها، وأهمها تحصين النظام القضائي من التدخلات السياسيّة وتأثيرات السلطة التنفيذيّة".

قد تكون أولى بشائر انتفاضة القضاء انطلقت مع اعتكاف القضاة والمساعدين القضائيين وإن كانت عناوينه إقتصادية ظاهريا. لكن بين السطور ثمة عنوان واحد: إصلاح المسار القضائي، وفصل السلطة القضائية عن السياسة. وتختم المصادر: "استقلالية القضاء مكرسة سندا لمبدأ فصل السلطات الوارد في مقدمة الدستور والمادة 20 منه وفي مواثيق الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لن يتحقق من دون ضمانات قانونية ومن دون ترسيخ ثقافة تتقبل استقلال القضاء وإرساء الممارسات المنسجمة معها."

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o