Feb 03, 2022 6:30 AM
صحف

تحرُّك دولي لحماية الانتخابات.. وحضور فرنسي قريباً

مع كلّ زيارة لمسؤول عربي أو دولي إلى لبنان، تسري في عروق السياسة الداخليّة مقولة إنّ الخارج مهتمّ بهذا البلد. ولكن دلّت التجربة مع كلّ زائر إلى انّ مهمّته محكومة بالفشل المسبق، بحيث تصطدم بجدار الإنقسام الداخلي، وبحقيقة صادمة بأنّ هذا الاهتمام هو من طرف واحد، حيث لا يجد له شريكاً حقيقياً فيه من أهل البيت اللبناني، يتحسّس فعلاً معاناة لبنان واللبنانيين، بل تتبدّى أمامه أزمة تزداد عمقاً وخطورة، تذكّيها تناقضات سياسية، ورؤى متصادمة، وتوجّهات ومصالح سياسية وحزبية تمتّ بصلة إلى كل شيء الّا للبنان ومصلحته.

هذا هو الحال مع زيارة وزير خارجية الفاتيكان للعلاقات بين الدول المونسنيور ريتشارد بول غالاغير، وقبله عشرات المسؤولين الدوليين، ومن مستويات مختلفة، زاروا لبنان منذ اشتعال أزمته قبل ما يزيد على السنتين، والقاسم المشترك في ما بينهم جميعاً حثّ الجانب اللبناني على الاهتمام بلبنان، ولكن استحال عليهم إقناع الممسكين بزمام السّلطة والقرار، بالأخذ بنصائح المجتمع الدولي وسلوك طريق إنقاذ لبنان. وفي نهاية الأمر يغادر الضيف، تاركاً إدانة صارخة لهذا المنحى، لا تنقص حرفاً عن الإدانة التي يُعبّر عنها في كل المحافل الدولية، لتخلّي الحكام في لبنان عن مسؤولياتهم تجاه بلدهم، وتقاعسهم في سلوك المسار الإنقاذي وتوفير العلاجات لأزمته الخانقة.

وعلى ما تقول مصادر مواكبة لزيارة موفد الكرسي الرسولي لـ«الجمهورية»، فإنّ هذه الإدانة، وإنْ لم تُقل بشكل مباشر وصريح في ما أطلقه غالاغير من مواقف، إلّا أنّها تُقرأ بكلّ وضوح في طيّات الكلام وتشخيصه للأزمة واسبابها وأسباب استمرارها والدور المطلوب من الحكاّم، الذين لو انّهم استجابوا للاهتمام الدولي بلبنان، لوفّروا الجانب الاكبر من المعاناة الصعبة للشعب اللبناني. والوقت لم ينفد بعد أمام المسؤولين في لبنان لكي يقوموا بواجباتهم، وهذا هو جوهر الرسالة التي اكّد عليها المونسنيور غالاغير.

لا مبادرات: وإذا كانت المصادر عينها تعتبر رسالة غالاغير مبادرة بحدّ ذاتها، أمل من خلالها ان يتلقفها المسؤولون في لبنان، الّا انّ مصادر ديبلوماسية غربيّة أبلغت الى «الجمهورية» قولها، «انّ لبنان ثابت في موقعه في أجندة الاهتمامات الدولية، الّا انّه ليس ضمن قائمة الأولويات في هذه الفترة، ما يعني أن لا مبادرات جديّة تجاهه حالياً، ذلك انّ هذه المبادرات أياً كان شكلها، مرتبطة بالخطوات المنتظرة من الحكومة في لبنان وتطبيق برنامج إصلاحات شاملة».

إلّا إنّ اللافت للانتباه في ما تقوله المصادر الديبلوماسية، هو انّها لا ترى في الأفق اللبناني في هذه المرحلة ما يشجّع على توقّع بروز خطوات نوعيّة في مجال الإصلاحات من الحكومة اللبنانيّة، «وهو أمر يلقي بتبعاته السلبية على واقع الأزمة اللبنانية، كما من شأنه ان يعرقل جهود لبنان لتلقّي المساعدات الدوليّة، وبدء التفاوض الجدّي مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّ اللاعبين السياسيّين في لبنان، باتوا غارقين في أجواء الإستحقاق الإنتخابي في الربيع المقبل».

الانتخابات قبل الإصلاحات! في هذا السياق، يبرز تأكيد مصادر سياسية مسؤولة لـ«الجمهورية»، أنّ «الوقائع اللبنانية التي باتت تسبح بالكامل في مدار الاستحقاق الانتخابي، إضافة الى انقطاع الأمل نهائياً في إجراء إصلاحات، فرضت تعديلاً في سلّم الاولويات الخارجية تجاه لبنان. بحيث تراجع زخم المطالبات الدولية بإجراء هذه الإصلاحات عمّا كان عليه قبل أسابيع، وصارت الأولوية الخارجية إجراء الانتخابات. حيث يُلاحظ حالياً انّ التركيز منصبّ بالكامل على الاستحقاق الانتخابي في ايار المقبل وضرورة اجرائه في موعده. وهذا ما يُلمس بكل وضوح في حركة السفراء والبعثات الديبلوماسية الغربية والأممية التي بدأت بوتيرة مكثفة في الآونة الأخيرة في الاتجاهات السياسية المختلفة». في اشارة هنا إلى تحرّك السفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو والمنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا.

تقارير مقلقة: وعلمت «الجمهوريّة»، انّ المسؤولين والشخصيات السياسية والروحية الذين شملتهم حركة الاتصالات الأممية في الآونة الاخيرة، لمسوا مخاوف جديّة على الاستحقاق الانتخابي، بعضها متأتٍ ممّا استُجد على الساحة السنّية وإعلان الرئيس سعد الحريري مغادرته وتيار «المستقبل» الحياة السياسية، وعدم المشاركة في الانتخابات النيابية، وبعضها الآخر مستند الى تقارير تلقّتها الأمانة العامة للامم المتحدة من جهات لبنانيّة، تشكّك في إمكان إجراء الانتخابات، في ظلّ تحضيرات لبعض الاطراف في لبنان لتعطيلها. غامزة في هذا السياق في اتجاه «حزب الله» وحلفائه.

وبحسب المعلومات، فإنّ الديبلوماسيين الأمميين طرحوا سلسلة اسئلة واستفسارات حول الانتخابات ومواقف القوى السياسية منها، وعكسوا تحذيرات جدّية من الضرر الذي يمكن ان يصيب لبنان في حال تمّ تعطيل هذا الاستحقاق.

وتضيف المعلومات، انّه على الرغم مما قابل تلك الاسئلة والاستفسارات من تأكيدات وتطمينات بعدم وجود اي مؤثّرات من أي نوع تمنع اجراءها، فإنّ الديبلوماسيين الامميين كرّروا التأكيد على الاولوية التي شدّد عليها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش خلال زيارته الاخيرة الى لبنان، بضرورة اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، كفرصة كي يعبّر فيها الشعب اللبناني عن تطلعاته، وكذلك لناحية التأكيد على إيلاء الأزمة في لبنان الاولوية في اهتمامات المسؤولين، حيث انّ عمق الأزمة في لبنان يؤكّد على انّه ليس من حق المسؤولين في لبنان ان يستمروا في خلافاتهم.

واشنطن ترفض التعطيل: وفي السياق، أبلغت مصادر مطلعة على الموقف الأميركي الى «الجمهورية» قولها: «انّ واشنطن تقف الى جانب الشعب اللبناني في مطالبته بإجراء الانتخابات النيابية في الموعد الذي تحدّد في 15 ايار 2022».

أضافت: «لا بدّ من إجراء الاستحقاق الانتخابي في جو من الاستقرار، بكل حرّية ونزاهة بعيداً من التدخّلات، كما لا بدّ من منع اي محاولة لتعطيل هذا الاستحقاق، وسيكون لواشنطن موقف حازم تجاه أي إجراء يمنع الشعب اللبناني من ممارسة حقه والتعبير عن تطلعاته في التغيير، ولن تتأخّر في اتخاذ اجراءات شديدة في قساوتها في حق من يسعى الى تعطيل الانتخابات».

وإذ تلفت المصادر المطلعة على الموقف الأميركي الى انّ لا موقف اميركياً معلناً حتى الآن من انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، الّا انّها قالت: «انّ الاولوية الاميركية هي اجراء الانتخابات في موعدها بعيداً من اي مؤثرات».

كما تلفت المصادر عينها من جهة ثانية، الى ان لا مبادرات اميركية او دولية تجاه لبنان قبل الانتخابات، وقالت: «لدى واشنطن في هذه المرحلة اولويتان لبنانيتان مترابطتان، الاولى، إعادة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وعاموس هوكشتاين يحمل افكاراً جديدة لطرحها على الجانبين، ومن شأنها ان تضيّق مساحة الخلاف بينهما، بما يقود الى اتفاقهما على قواسم مشتركة تفضي الى نتائج ترتد بالفائدة على لبنان واسرائيل. واما الأولوية الثانية فهي الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وتوفير الدعم للجيش اللبناني ومدّه بما يحتاجه، وواشنطن ترى انّ هذا الاستقرار مصلحة للبنان، ومسؤولية اللبنانيين تجنّب ومواجهة اي محاولة للإخلال بهذا الاستقرار، ودفع لبنان الى فوضى يستفيد منها «حزب الله».

وتعكس المصادر استغراباً اميركياً لتعطّل التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وجموده منذ اسابيع عدة، وقالت انّ واشنطن تدعم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وتشجع على استمرار التحقيق وصولاً الى كشف الحقيقة ومحاسبة المرتكبين.

باريس.. حضور قريب: في السياق نفسه، كشفت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية» عن حضور فرنسي مباشر في لبنان خلال الفترة القريبة المقبلة، مشيرة في هذا السياق الى زيارة محتملة لمسؤول فرنسي رفيع في الخارجية الفرنسية الى بيروت، ربما يكون وزير الخارجية جان ايف لودريان.

وأوضحت المصادر الديبلوماسية انّ النظرة الفرنسية الى لبنان لم تتبدل لناحية دعم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مهمتها وتطبيق برنامج الاصلاحات المطلوب منها، الا انّ الملف الانتخابي في لبنان بات يشكل واحداً من البنود الاساسية المطروحة على جدول اعمال الادارة الفرنسية، وحركة السفيرة في بيروت تصب في هذا المنحى القائل بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وقد ارسلت رسائل مباشرة بهذا المعنى الى مختلف المسؤولين اللبنانيين.

واكدت المصادر ان باريس تعتبر انّ الانتخابات ومبادرة الحكومة الى اجراء الاصلاحات ستشكلان بالتأكيد المفتاح لمساعدة لبنان، علماً ان تأخر هذه المساعدات سببه قادة لبنان الذين اضاعوا اكثر من سنتين من دون ان يلتفتوا الى مصلحة بلدهم. وسبق للرئيس ايمانويل ماكرون ان حَثّ هؤلاء القادة على تحمّل مسؤولياتهم، ومساعدته في توفير الدعم للبنان، وكذلك فعل الوزير لودريان عندما حذّر من ان لبنان سيغرق وربما يفقد موقعه كوطن اذا ما تفاقمت الازمة، الا ان هؤلاء القادة لم يقدموا دليلاً على تحسسهم بالمسؤولية.

وعما اذا كانت باريس قلقة على الانتخابات، او من نتائجها التي يتردد انها لن تغيّر شيئاً يذكر في واقع الامر النيابي في لبنان، قالت المصادر: عدم اجراء الانتخابات رسالة سلبية من لبنان الى كل المجتمع الدولي، واما عن نتائج الانتخابات فباريس لا تريد ان تستبق الامور، واللبنانيون سيقررون في الانتخابات من يريدون لتمثيلهم. ولكن قبل كل شيء، لا نرى اي مبرر لتعطيل الانتخابات، وبالتالي لا بد من اجرائها من دون اي معوقات او تدخلات وبكل حيادية ونزاهة.

وردا على سؤال، قالت المصادر: ان باريس تحترم قرار الرئيس سعد الحريري، وسبق لها ان حددت موقفها لناحية اعتبار خطوته امر عائد له.

وحول الورقة الخليجية، لفتت المصادر الى ان باريس ترى ضرورة ان تقوم علاقات سليمة بين لبنان والمجتمع الدولي الذي عبّر عن وقوفه الى جانب الشعب اللبناني، وهي ترى ضرورة ملحّة في ان تحل المسائل العالقة بين لبنان ودول الخليج تحديدا بالحوار المباشر بين الطرفين، وهذا موقف مشترك بين باريس وواشنطن. بما يؤدي الى استعاده لبنان حضوره كما كان في الماضي.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o