Dec 23, 2021 3:56 PM
خاص

الامارات لاعب اساسي في المنطقة... مرونة وواقعية في مقاربة الملفات

المركزية – "هل شعرت يوما بأنك تقف على قمة العالم؟" هذه الكلمات كتبها الممثل الأميركي ويل سميث عبر حسابه على "إنستغرام"، وأرفقها بمقطع فيديو يصوره وهو يجلس على قمة برج خليفة في دبي. ربما من الصعب تخيل دولة الإمارات العربية المتحدة بدون برج خليفة وغيره من ناطحات السحاب التي تميز مدينتي دبي وأبو ظبي، ولكن منذ زمن غير بعيد، كانت الكثبان الرملية تقف مكان تلك المباني الشاهقة.   

الى جانب التطور العمراني والاقتصادي، تلعب الامارات دوراً حساساً في الشرق الاوسط، بحسب تقرير دبلوماسي غربي، وتسعى لتقريب وجهات النظر بين الافرقاء وترتيب لقاءات من شأنها تخفيف حدة التوتر بين ايران ودول الخليج. لقد لعب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد دورا من خلال الزيارة التي قام بها في الاونة الاخيرة الى تركيا، كما تلك التي قام بها مدير المخابرات طحنون بن زايد الى ايران في خطوة لتخفيف حدة الصراع وتنفيس الاحتقان بين البلدين بعد ان كان طحنون زار اسرائيل وفق المعلومات. ولم تتوقف الزيارات عند هذا الحدّ، فقد زار رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت الامارات والتقى ولي عهد أبو ظبي، الى جانب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الى سوريا في اول زيارة لمسؤول اماراتي رفيع منذ أكثر من عشرات سنوات. وتزامن هذا الحراك مع اجتماعات امنية عقدت في مسقط الخميس الماضي بين مسؤولين من الحرس الثوري واخرين سعوديين واماراتيين بعد اجتماع عقدوه قبل ذلك في الاردن.   

ويضيف التقرير ان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن مرتاحة للدور الذي تلعبه الامارات في تقريب وجهات النظر بالتزامن مع اجتماعات فيينا كخطوة مساعدة لاحراز تقدم في حين ان اسرائيل تغرد خارج السرب، إذ تستعد لعمل عسكري قد يورط ادارة بايدن، وفي هذا الاطار جاءت زيارة مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليفان أمس الى اسرائيل. فما أهمية الدور الذي تلعبه الامارات في المنطقة؟  

العميد الركن خالد حماده يقول لـ"المركزية": "بالنظر الى النشاط الدبلوماسي الاماراتي اللافت في كل المنطقة والذي شمل دولا كانت ولا تزال على توتر مع دول الخليج بمجموعة ملفات كتركيا او ايران التي قاربتها دولة الامارات العربية، و حتى الزيارة الى سوريا، فانه لا يمكن وضع هذه الدبلوماسية في إطار متغيرات تخرج عن واقع المنطقة وثوابتها"، مشيراً الى ان "ما يميز الدبلوماسية الاماراتية هو تحليها بهذه الرشاقة ولكن في الوقت نفسه بالواقعية، فهي لا تتجاوز الثوابت التي تقوم عليها السياسة الخارجية الخليجية او الاميركية، لكنها تسعى الى نوع من تبريد التوتر على اساس التعامل مع هذه الدول كما هي، ومقاربتها وليس الطلب إليها تغيير سياساتها، وفي هذا نوع من صيانة وحماية للمصالح الاماراتية وإبقائها في وضع مرن، لا يقوم على مواقف صلبة من ثوابت ولكنه لا يتجاوزها في الوقت نفسه، بل يُنشئ نوعا من التواصل الذي لا يبلغ مرحلة تغيير الملفات".  

ويلفت حماده الى "ان مقاربة الامارات لسوريا من خلال زيارة وزير الخارجية، ورغم كل ما قيل عنها والمبالغات التي رافقتها، إلا أنها عبّرت عن رأي إماراتي او عن قناة تواصل مع سوريا ولكنها لم تؤسس لا لعودة سوريا الى الجامعة العربية، ولا لقبول عربي بوضع النظام السوري كما هو بتحالفاته مع طهران وموقفه من المعارضة السورية وعدم قبوله بمباشرة العملية السياسية. وهي ان دلّت على شيء فعلى محاولة الامارات القول ان هناك رغبة لدى دول الخليج بالتقارب مع دمشق، لكن تبقى دونه الملفات العالقة. لقد اختلفت وسيلة التعبير عن الموقف من دمشق من القطيعة الى التواصل إنما على اساس تحقيق الثوابت".   

ويضيف: "كذلك فيما خص الموقف من التواصل مع ايران والذي ربما بالغ كثيرون بتقييمه وكأن هناك انتصارا لطهران بهذه العملية، حيث يجب هنا النظر الى الموقع الجيوسياسي للامارات وأسلوبها في نسج علاقاتها مع دول الجوار والعالم قاطبة. فكما هي حليفة من الصف الاول مع الولايات المتحدة، عقدت أيضاً صفقة طائرات رافال مع فرنسا، وابرمت كذلك اتفاقيات تجارية مع الصين، ولا تمانع بزيارة الدبلوماسية الروسية بل تستقبلها وتصدر بيانات مشتركة مشجعة، لكن كل ذلك لم يخرج بتاتا عن الثوابت الخليجية والعربية، لذلك لا يمكن القول ان الامارات لاعب مستقل عن المنطقة ويتمتع بالحرية خارج الفلكين العربي والاميركي، الموضوع ليس بهذا التبسيط، بل هو شكل من أشكال الدبلوماسية المرنة والواقعية السياسية التي تحاول النظر بكل واقعية الى استقرار الامارات وعدم توتير العلاقات مع دول الجوار او العالم، لأن الامارات تقدم نفسها للعالم العربي وللعالم اجمع كنموذج لدولة حديثة تجاوزت كل الاستنفارات العصبية والطائفية، وهي دولة حديثة بالدرجة الاولى ومنفتحة واقتصادها يقوم على إعطاء أكبر قدر من الثقة للاستثمار العربي والغربي، كما ان استقرارها يقوم على الاعتراف بالآخر كما هو، وتفعيل نقاط القوة الوطنية والتمسك بالثوابت العربية لكن بطريقة بدلوماسية بعيدة عن التشنجات".  

اما فيما خص الموضوع الاسرائيلي فيقول حماده: "يجب الا ننسى ان الامارات تجاوزت عقدة التطبيع مع اسرائيل واصبحت تعلن عن اتفاقات واجتماعات ذات طابع اقتصادي او تعاون أمني -إقليمي وهذا جزء من المعادلة. فعندما ننظر كيف تواصلت الامارات مع طهران، يجب ان نتذكر دائما كيف قبلت طهران بهذا التواصل ورحبت به واصبحت هناك زيارات متبادلة بالرغم من التطبيع المعلن بين الامارات واسرائيل. جل ما هناك ان الدبلوماسية الاماراتية تقوم على الوضوح والشفافية في حين ان الدبلوماسية الايرانية تقوم على المواقف المزدوجة وعلى سياسات تحت الطاولة وأخرى فوق الطاولة، وتحالفات ظاهرها لبعض الحلفاء يقدمها على اساس انها عدو لاسرائيل في حين ان هذا الموضوع ليس واقعيا اذا نظرنا الى كل تاريخ الصراع الايراني – الاسرائيلي المفترض الذي تدّعيه طهران والتي تدير حربا بالوكالة لأهداف ليست بعيدة عن الاهداف الاسرائيلية بالسيطرة على المنطقة ومد نفوذها. هذا ما نراه في سوريا وما رأيناه في العراق ولبنان. المواقف والنفوذ الايراني لم يضف او يُفعّل اي نوع من القدرات الاضافية لهذه الدول في الصراع العربي -الاسرائيلي بل على العكس أدخلها في نوع من اللااستقرار السياسي وأنهك اقتصادها وتماسكها وسيادتها. لذلك، عندما تقارب الامارات الموضوع الايراني لا تتجاوز الخلافات السابقة مع طهران إنما تأخذ دائماً في الاعتبار ما يجري في فيينا والمواقف الاميركية من التشنج الايراني والمواقف الاوروبية المتشنجة من السلوك الايراني".  

ويختم حماده: "الامارات تقود دبلوماسية هدفها التعاطي بواقعية مع كل القوى الموجودة في المنطقة أكانت تركيا او طهران او اسرائيل او حتى سوريا بوضعها الحالي، لكنها لا تريد ان تسجل اي اختراق أو ان تقلب الموازين بل تقف دائما ضمن إطار الثوابت الخليجية والدولية وتنظر الى مصالحها الاقتصادية والى وجه الامارات الحداثي وما يستلزمه ذلك من تهدئة لكل الصراعات الموجودة في المنطقة خدمة للمصالح الاماراتية".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o