Nov 09, 2021 6:35 AM
صحف

الوفد العربي في بيروت: زيارة خاطفة لـ"طائرة مخطوفة"!

أشارت "نداء الوطن" الى ان تحت "أزيز" التصريحات النارية التي أطلقها "حزب الله" في استقبال الوفد العربي راسماً له سقوف المقبول والمرفوض في معالجة أزمة لبنان مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، جال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي على المقرات الرئاسية الثلاثة، ناصحاً ومستكشفاً النوايا اللبنانية إزاء سبل معالجة الأزمة والحؤول دون تفاقم تعقيداتها، فجاءت حصيلة مشاوراته لتعكس صورة الدولة المكبّلة والعاجزة عن ترجمة "نواياها الحسنة" إزاء العرب، ولتكرّس بالتالي نظرة السعودية إلى لبنان الرسمي بوصفه بات "ساقطاً" بحكومته ومؤسساته الشرعية تحت سطوة "حزب الله".

وبهذا المعنى، اختصرت مصادر مواكبة لنتائج الزيارة العربية صورة المشهد بالإشارة إلى كونها أتت بمثابة "زيارة خاطفة لطائرة مخطوفة لا حول ولا قوة لقبطانها في تحديد وجهة سيرها"، موضحةً أنّ "كل مجريات النقاشات اللبنانية مع الموفد العربي بيّنت بالملموس وجود إجماع رئاسي على ضرورة استقالة الوزير جورج قرداحي، باعتبارها نقطة البداية نحو تطويق ذيول الأزمة مع الرياض ودول الخليج العربي، غير أنّ القرار النهائي بالإفراج عن ورقة الاستقالة من عدمه يبقى حصراً بيد "حزب الله" ولا تملك الحكومة أن تتخطاه أو تتجاوز خطوطه الحمر"... وهي خطوط رسمها أمس "الحزب" بالخط العريض حين أعاد التأكيد على لسان النائب حسن فضل الله على رفض استقالة قرادحي أو مجرد التفكير بوضع إقالته على جدول أعمال مجلس الوزراء.

وفي حين حرص الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية على تبديد سيل الشائعات التي رافقت أجواء زيارته اللبنانية وهدفت إلى التشويش عليها، نفى السفير زكي ما أشيع عن كونه حمل معه مطلباً سعودياً وخليجياً بإقالة وزير الإعلام، مؤكداً لـ"نداء الوطن" أنه زار بيروت "بناءً على طلب الأمين العام لجامعة الدول العربية لطرح استعداد الجامعة العربية، للمساعدة في حل الخلاف بين لبنان والدول العربية الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية".

وفي هذا الصدد، شددت مصادر ديبلوماسية مواكبة للزيارة على أنه "من بديهيات حل الأزمة اللبنانية - العربية أن يبادر لبنان نفسه نحو اتخاذ الخطوة الأولى تجاه أشقائه إذا كان راغباً فعلاً بترتيب العلاقات مجدداً"، موضحةً أنّ زكي لم يحمل معه مبادرة "إنما كانت زيارته استكشافية لموقف المسؤولين اللبنانيين، فسمع من الرؤساء الثلاثة حرصهم الصريح على حل الخلاف مع السعودية ودول الخليج وتأكيدهم على أنهم على دراية بالمخرج اللازم لتطويق الخلاف، لكن تطبيقه لا يزال متعذراً تحت وطأة اعتراض "حزب الله" على استقالة قرداحي"، وأضافت: "صحيح أنّ السفير زكي عبّر صراحةً عن رؤيته الشخصية لسبل معالجة الأزمة بدايةً عبر استقالة قرداحي، لكنه لم يحمل أي مطلب عربي بهذا الخصوص ولا دعا كما أشيع إعلامياً إلى انعقاد مجلس الوزراء لإقالته مع احتفاظ "حزب الله" بحق التصويت ضد الإقالة".

أما على الجانب اللبناني من تقييم نتائج زيارة الوفد العربي، فأكدت مصادر سياسية أنّ زكي سمع من الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي "موقفاً موحداً لا يحتمل التأويل بوجوب مغادرة قرداحي الحكومة، لكن مع الإشارة في الوقت عينه إلى وجود اشكالية دستورية تحول دون إقالته لاعتبارات تتصل بالحاجة إلى أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء لاتخاذ هذا القرار"، معتبرةً أنّ حصيلة المشاورات العربية في بيروت أمس استطاعت عملياً "تجريد قرداحي من أي حصانة رئاسية وحصرت غطاءه بـ"حزب الله"، الذي لا يزال متمسكاً ببقائه في الحكومة لكن مع هامش مناورة أضيق من ذي قبل". وفي المقابل، نقلت المصادر أنّ زكي حمل معه "جرعة دعم" لاستمرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي "لكن من دون وجود أي ضمانات بمسار سعودي مختلف في التعاطي معها".

وفي اطار البحث عن ضوء في النفق، أو ثغرة يمكن التسلل منها كان ترقب لنتائج زيارة زكي، والذي وصفت مصادر متابعة زيارته عبر "الأنباء" الإلكترونية بالاستطلاعية، إلا أنه شدد على ضرورة السعي للخروج من الازمة بمواقف جدية، مبدياً الاستعداد لزيارة السعودية ان اقتضى الأمر، ولفت إلى ان هناك فكرة طرحت حول عقد جلسة للجامعة العربية على صعيد المندوبين لبحث الملف اللبناني. 

وتشير معلومات "الأنباء" الالكترونية الى ان مساعي زكي لن تنجح في معالجة الأزمة الدبلوماسيّة مع دول الخليج، لأن الأمر يتوقف على القرارات اللبنانية. وتلفت المعلومات إلى أن المسؤولين اللبنانيين حاولوا الحصول من زكي على موقف مطمئن بأنه بحال استقال قرداحي يمكن للسعودية التراجع عن قرارها، لكن المسؤولين تبلغوا بأنه لا وجود لأي إجابة بخصوص هذا الأمر.

واشارت معلومات "النهار" إلى ان زكي لمح إلى أن المملكة العربية السعودية لن تستجيب لأي مسعى قبل استقالة الوزير قرداحي، وذلك من خلال طلبه الفصل بين ملف قرداحي وملف العلاقات مع "حزب الله". وأفادت معلومات أخرى ان زكي تواصل مع مسؤولين من "حزب الله" واقترح ان يعود وزراء الثنائي الشيعي إلى مجلس الوزراء ويصوتوا ضد استقالة او إقالة قرداحي لكن اقتراحه رفض.

وبحسب معلومات "الجمهورية" من مصادر موثوقة، فإنّ الموفد العربي عكسَ حرصا عربيا على لبنان وموقعه الى جانبه اشقائه العرب، وبَدا صريحا في تأكيده على "ان ليس من مصلحة لبنان ان يكون على قطيعة مع اشقائه في الوقت الذي ينوء بثقل ازمة اقتصادية صعبة وخانقة"، وفي حَثّه الجانب اللبناني "على خطوات مطمئنة تجاه السعوديّة، وهنا يبرز دور الحكومة اللبنانية في مقاربة الازمة مع ما تقتضيه من اجراءات تساهم في تليين الموقف السعودي"، الذي فهم من كلام الموفد العربي انه "في غاية التصلّب والإستياء ممّا تتعرض له المملكة من لبنان".

ووفق المصادر عينها فإنّ اللافت في ما عكسه زكي هو "ان ليس في اجندة الجامعة العربيّة ايّ "زيارة وساطة" الى المملكة العربية السعودية أو الى غيرها من دول الخليج، خصوصا ان السعودية عبّرت بوضوح عما دفعها الى اتخاذ هذا الموقف من لبنان، وهو امر تتفهّمه الاسرة العربيّة، معوّلاً في هذا السياق على حكمة المسؤولين في لبنان وسعيهم الى إنهاء هذه الأزمة، فهم الادرى بما يمكن أن يُتَّخذ من اجراءات".

واكدت المصادر ان استقالة او اقالة وزير الاعلام جورج قرداحي كانت حاضرة في محادثات موفد الجامعة العربية مع المسؤولين اللبنانيين، لافتة الى ان موفد الجامعة لمّحَ الى "ان السعودية لن تستجيب لأي مسعى قبل استقالة الوزير قرداحي".

واشارت الى ان ما سمعه زكي في القصر الجمهوري والسرايا الحكومية "عكسَ رغبة واضحة في القيام بأيّ خطوة من شأنها أن تفتح الباب على إعادة العلاقات الى سابق عهدها مع السعودية ودول الخليج"، لافتة في هذا المجال الى "استياء جدّي في بعبدا والسرايا من عدم استجابة وزير الاعلام للدعوات المتكررة له بتغليب المصلحة الوطنية على أي امر آخر".

وفي السياق ذاته، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية" ان وزير الاعلام على موقفه لجهة رفض الاستقالة عن خطأ لم يرتكبه خلال تولّيه وزارة الاعلام. واشارت المصادر الى ان هذه المسألة شديدة التعقيد، و"تيار المردة" ومعه "حزب الله" لن يقبلا بالتضحية بوزير الاعلام ولن يُلزماه بأيّ خطوة يتخذها، الا اذا بادر هو من تلقاء نفسه الى الاستقالة، لأن المسألة ابعد من تصريحاته، وهذا ما اكده السعوديون، كما اكده بالأمس موفد الجامعة العربية حسام زكي بقوله صراحة ان المسألة اكبر من تصريحات قرداحي.

وعمّا تردد عن ان زكي اثار مسألة عقد جلسة لمجلس الوزراء يجري التصويت فيها على اقالة قرداحي، على ان يصوّت وزراء الثنائي الشيعي وتيار المردة ضد هذا الاجراء، قالت المصادر: لا نستطيع ان نؤكد هذا الأمر، وفي كل الاحوال قضية اقالة او استقالة الوزير قرداحي اصعب بكثير مما يعتقد البعض.

وكانت معلومات صحافية قد اشارت الى ان زكي تواصل مع مسؤولين في "حزب الله"، وطلب اقالة وزير الاعلام جورج قرداحي كمدخل للحل مع السعودية. كما طرحَ ان يصوت الوزراء المحسوبون على "حزب الله" وحركة "امل" ضد اقالة قرداحي، كما عرض زكي ان يعود الوزراء المقربون من "حزب الله" و"امل" الى اجتماعات الحكومة. وبحسب هذه المعلومات، فإنّ "حزب الله" ردّ برفض طرح زكي لأن مقاطعة الحكومة بالمبدأ مرتبطة بقضية المحقق العدلي في إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار".

واملت مصادر ديبلوماسية اوروبية ان تحقق زيارة موفد الجامعة العربية ايجابيات، وقالت لـ"الجمهورية" ان المجتمع الدولي يرحّب بكل تحرّك يهدف الى انهاء الازمة القائمة بين لبنان ودول الخليج، وما يهمنا في نهاية الامر هو ان يتجاوب الاطراف مع المساعي الهادفة الى تقريب وجهات النظر. مضيفة ان مصلحة لبنان اعادة تطبيع العلاقات اللبنانية الخليجية، والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا على خط التواصل الدائم مع السعودية، وكذلك مع الجانب اللبناني. وقالت: "إنّ المجتمع الدولي يتفهّم هواجس السعودية، ويحرص على ان يكون لبنان على علاقة جيدة معها، ولكن على لبنان ان يبادر في هذا الاتجاه".

من جهة أخرى، لم تتدخل الديبلوماسية الفرنسية في الأزمة التي تواجهها الحكومة اللبنانية مع السعودية. وبحسب أوساط الديبلوماسية الفرنسية لصحيفة "الأخبار"، فإن باريس أجرت جولة استطلاع حول ما حصل في بيروت، لا أكثر ولا أقل، وهي لم تعمل على أي تحرك يفهم منه سعيها إلى معالجة الأزمة والضغط لعدم تقديم رئيس الحكومة استقالته. 

وبحسب المعطيات لـ"الأخبار"، استفهمت باريس عما جرى وحاولت جس نبض السعودية من باب الاستطلاع فقط، مع علمها المسبق بأن الرياض لا تزال غير معنية بمجريات الوضع اللبناني. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o