Oct 11, 2021 8:51 AM
صحف

ترسيم الحدود... جريمة 2011 تتكرّر اليوم وعقبة جديدة تتعلق بشركة "توتال"

اخطر ما تنتهجه الطبقة السياسية في لبنان هو "توهين القدرات اللبنانية" بدل الاستفادة القصوى منها والاستثمار عليها في تحسين صورة لبنان الخارجية وتحصينها.

فبعد بروز قضية ترسيم الحدود البحرية، صار بامكان لبنان للمرة الاولى في تاريخه إنتاج خرائطه البحرية بنفسه، وذلك بفضل مصلحة الهيدروغرافيا التابعة للقوات البحرية في الجيش اللبناني. وقد تأسّست هذه المصلحة في شباط 2014 لتؤدّي دوراً وطنياً في إعداد الخرائط البحرية اللبنانية ونشرها، ولتُعدّ الدراسات اللازمة من أجل ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار، وانضمّت في 7 كانون الاول 2020 إلى منظمة الهيدروغرافيا العالمية International Hydrographic Organisation، التي تحثّ أعضاءها على أن يكونوا مسؤولين عن المسوحات الهيدروغرافية وخرائطهم البحرية في مياههم الإقليمية لتأمين سلامة الملاحة، وحازت على تنويه وتقدير دولي غير مسبوق.

على مدى 6 سنوات، وبعمل دؤوب شمل تدريب ضباط وخبراء من مصلحة الهيدروغرافيا، ومن ثم شراء برنامج متطور لترسيم الحدود البحرية لا تمتلكه الكثير من دول المنطقة، اصبح لدى الجيش قدرات تخوّله ترسيم حدوده البحرية، لا بل تقديم خبرات في هذا المجال للدول الشقيقة والصديقة، ولكن، يا للأسف الحكومات المتعاقبة ورؤساء هذه الحكومات لم يكلّفوا انفسهم الاطلاع على هذه القدرات، بل كانت المفاجأة بذهاب رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي الى تكليف شركة اجنبية للتدقيق بعمل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، بدل الأخذ بتقريرها المحكم والمفصّل، مما يطرح السؤال هل وراء الأكمة ما وراءها؟ لأن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية.

ففي مسألة الحدود، تطلب كل دولة الحد الاقصى للوصول الى خط وسط يحفظ الحقوق، وكل دولة تحصّن نفسها بقرار داخلي، الا لبنان يُراد له من قبل الطبقة السياسية الذهاب الى التفاوض على خط ضعيف يسقط بعد ساعات من التفاوض، عبر الذهاب الى شركة لديها تقرير غبّ الطلب، لأن الشركة تجيب على السؤال كما يطرح، فاذا طرح عليها الخط 23 تجيب عن هذا الخط.

امام هذا التطور الخطير، اعدّت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش تقريراً علمياً تقنياً استراتيجياً مفصلاً، وسلمه وفد التفاوض الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي بدوره ارسل نسخة منه الى رئاسة الحكومة، وبدل وضع التقرير على طاولة مجلس الوزراء لنقاشه واتخاذ القرار الاجماعي الموحد بشأنه، حُوِّل الى المستشارين المرتبطين سلفاً بأجندات خاصة، وهنا يطرح السؤال: من هو الشخص الذي يحق له حرمان مجلس الوزراء من الاطلاع على التقرير ومناقشته؟

فما يجري هو نسخة طبق الاصل لما جرى مع التقرير البريطاني الذي حدد الخط 29 حدوداً بحريةً جنوبية للبنان، ولكن المستشارين انفسهم اخفوه ولم يوضع على طاولة مجلس الوزراء في حينه ليصدر المرسوم 6433 الذي حرم لبنان مساحات شاسعة ومليارات الدولارات من الثروة الغازية والنفطية. ولو وضع التقرير البريطاني عام 2011 على طاولة مجلس الوزراء لكان صدر المرسوم بالخط 29 وليس 23 ولما كان هناك حقل كاريش، ولكن مليارات الدولارات هدرت بسبب مصالح شخصية لضابط ولمستشار، واليوم ذات الاشخاص يحرمون مجلس الوزراء من دراسة تقرير عالي التقنية يحفظ المصلحة السيادية اللبنانية.

ويسأل مصدر سياسي رفيع عبر "نداء الوطن": "من يحق له حجب معلومات تتعلق بالسيادة الوطنية عن مجلس الوزراء؟ وبدل محاسبة من اخفوا التقرير البريطاني عام 2011 على جريمتهم، يكررون نفس الجريمة اليوم بإهمال تقرير لبناني في غاية المهنية والاحتراف، والاستعانة بشركة اجنبية هو تنازل وانهزام مسبق لانه عودة الى خط هوف، واي شركة تكلف اعداد تقرير عليها ان تجلس مع الجانب اللبناني وتحديداً مع مصلحة الهيدروغرافيا حتى لا تعدّ تقريراً كما يريد الاسرائيلي".

ويعتبر المصدر ان "ما يحصل اليوم هو اجرام بحق الوطن، وتشكيك بالقدرات الوطنية واجرام بحق السيادة، لان السلوك السياسي اللبناني المتّبع يعني الخضوع للمشيئة الاسرائيلية التي عبّرت عنها كارين الحرار وزيرة الطاقة الإسرائيلية وتأكيدها ان بلادها مستعدة لإحياء جهود حل نزاعها مع لبنان حول ترسيم مياههما الإقليمية في البحر المتوسط، لكنها لن تقبل أن تملي بيروت شروط التفاوض، وكذلك قولها "نحتاج إلى البحث عن حلّ يؤدي إلى تقدم كبير وألا نحاول التفكير بالطرق القديمة المتمثلة في رسم خطوط"، معلنة أنها ستتحدث إلى آموس هوكشتاين (المبعوث الأميركي الخاص) قريباً. وقالت الحرار "بدأنا (المفاوضات) بخط واحد ثم دفعوا (اللبنانيون) الخط. يدفعون ويدفعون الخطوط حرفياً". ومضت تقول "ليست هذه هي الطريقة التي تجرى بها مفاوضات، لا يمكنهم إملاء الخطوط". اي ان ما لاسرائيل هو لاسرائيل وما للبنان هو لاسرائيل وللبنان".

ويعتبر المصدر ان "الهدف هو تخسير لبنان حقل قانا من خلال الاستثمار المشترك بينما هو حق خالص للبنان، فالغالبية الساحقة من الشعب اللبناني مع الخط 29 بعدما فهم حقيقة الامر، الآن يريدون قسمة الشعب اللبناني من خلال طروحات جديدة تحت عنوان بدء حل الازمة الاقتصادية، اي تحويل الاشتباك داخلياً، بين من يستعجل الحلول الاقتصادية حتى لو كان الثمن التنازل عن حق سيادي، وبين من يتمسّك بهذا الحق، وبالتالي كسب الاسرائيلي المزيد من الوقت لانجاز التنقيب في حقل كاريش وتحويله امراً واقعاً".

وإذ يحذّر المصدر اخيراً من "ان الموفد الاميركي القديم الجديد اموس هوكشتاين يحمل ذات المقترح الذي قدّمه منذ نحو عقد من الزمن، وهو تثبيت مناطق متنازع عليها وعدم الاعتراف بالخطوط، وابداء الاستعداد لجلب شركات عملاقة تنقّب في هذه المناطق وِفق مبدأ تقاسم العائدات بين لبنان واسرائيل والشركات العملاقة"، يسأل: "هل سيتم التحجّج لبنانياً بضغط الازمة الاقتصادية للقبول بما لا يقبل به عاقل"؟

وكشف مصدر متابع لملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان لـ"الجمهورية" ان شركة «توتال» طلبت من لبنان في رسالة وجهتها الى هيئة ادارة قطاع البترول تأجيل موعد الحفر في البلوك 9 والذي كان مقررا ان يبدأ العمل به قبل نهاية شهر ايلول من العام 2022.

مع العلم انه كان يفترض بشركة «توتال» ان تبدأ بالتنقيب في هذا البلوك في منتصف العام الجاري، الا انه وابان جائحة كورونا اتخذت الدولة اللبنانية سلسلة قرارات بتمديد مهل للعقود كان من ضمنها عقد الاستخراج والاستكشاف للبلوكين 4 و 9 والذي تأجل حوالي العام.

ويعيد هذا القرار بالذاكرة الى ما جرى في العام 2020 عندما سرت معلومات نقلت عن لسان السفير الفرنسي بأن شركة «توتال» باتت تفضل دفع البند الجزائي على المغامرة في الاستكشاف في البلوك 9 وان لديها النية للانسحاب من لبنان. فهل يأتي توجهها هذا تمهيديا للانسحاب؟ أما ان ان هناك اسبابا غير معلنة، ولن تُعلن وراء هذا التوجّه

بحسب المصادر، تبرّر توتال طلب تمديد المهل مجددا بتردّي البنى التحتية في لبنان من الكهرباء الى الانترنت وصولا الى تداعيات انفجار مرفأ بيروت وبأن الوضع اللبناني لا يسمح، بينما ترى المصادر ان هذه العلل غير منطقية فالشركة عملت في اماكن كان وضعها الاقتصادي اسوأ من لبنان عدا عن ان المعدات التي استعملتها الشركة لدى الحفر في البئر 4 لم تتضرر جراء انفجار المرفأ.

وكشفت المصادر ان الاسباب الحقيقية وراء طلب «توتال « التأجيل يعود لأن الميزانية التي خصصتها الشركة لاجراء عمليات الاستكشاف محصورة ومحدودة لذا اعطت الافضلية للاستكشاف في بلدان او آبار ترتفع فيها نسب توفر الغاز وحقول يرجّح انها واعدة وتجارية أكثر من لبنان، خصوصا وان توتال ترتبط بعدة عقود تنقيب في العالم. ولطلب «توتال» في هذا التوقيت بالذات تداعيات سيئة على لبنان لأنه يأتي في وقت تمر فيه البلاد بوضع اقتصادي يعول فيه كثيرا على الاستثمار في قطاع النفط والغاز كأحد الحلول القادرة على انقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية، الى جانب قدرة هذا القطاع على ادخال العملات الصعبة الى البلد وخلق فرص عمل للشباب ويعوّل كثيرا على هذا القطاع للنهوض بالاقتصاد مجددا.

وعن الآمال المعقودة على البلوك 9 على اعتبار أنه بئر غني بالغاز خصوصا وانه يجاور آبار اكتشفت فيها كميات كبيرة من الغاز تقول المصادر: في صناعة البترول لا يمكن لأحد ان يعلم مسبقا ماذا يوجد في قاع البحار الذي يتخطى عمقه الـ3000 متر.

وإزاء هذا المنحى في التعاطي مع عملية التنقيب في البلوك 9، شددت المصادر على ضرورة ان ترفض الدولة اللبنانية هذا الطلب خصوصا وان توتال تنوي ان تبدأ اعمال الحفر في قبرص العام المقبل وبامكانها بالتالي ان تبدأ عمليات الحفر في المكانين على التوالي ما من شأنه ان يحقق لها وفرا، على غرار ما كانت تخطط له سابقا عند بدئها باعمال الحفر في البلوك 4 بحيث كانت تنوي ان تبدأ مباشرة بعده بالحفر في قبرص الا انها ارجأت ذلك بسبب جائحة كورونا. وأوضحت ان تحميل الباخرة وانطلاقها من اوروبا الى المتوسط تكلف حوالي ملياري دولار وعودتها فارغة تكلف المبلغ نفسه اي ما مجموعه 4 مليار دولار بينما استعمال الباخرة للحفر في حقلين يقسم الكلفة الى النصف.

وعن توجّه توتال لإعطاء افضلية للتنقيب في بلوكات دول أخرى على اعتبار انها واعدة اكثر من لبنان، تذكر المصادر ان توتال التزمت عام 2016 ببدء اعمال الحفر والتنقيب في البلوكين 10 و 11 التابعين لقبرص، الا انها ما لبثت ان تنازلت عن البلوك 10 اعتقادا منها ان احتمالات وجود الغاز فيه متدنية، فأقدمت السلطات القبرصية على تلزيمه لـ Exon mobil ليتبين بنتيجة الحفر الاستكشافي ان كمية الغاز الموجودة فيه تتراوح ما بين 5 و 8 مليون قدم مكعب وستباشر الشركة الان بحفر بئر ثانية استقصائية لتحديد الكمية الموعودة بدقة اكبر. هذا المثال يؤكد انه يمكن لشركة التنقيب ان تخطئ بتقديراتها وهذا ما قد ينسحب على البلوك 9 الذي تنوي توتال تأجيل عمليات التنقيب فيه.

وتقترح المصادر في حال اصرت توتال على قرار التأجيل ان تجيّر قيادة البلوك والتشغيل لـ ENI وهي من ضمن الكونسورتيوم الذي فاز بالتنقيب في البلوك 9 التي هي وراء اكبر اكتشاف في البحر الابيض المتوسط وهو حقل ظُهُر في مصر، وهذا الحقل يبعد حوالي الـ 10كيلومترات عن البلوك 10 الذي أعادته توتال للدولة القبرصية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o