Oct 08, 2021 6:09 AM
صحف

زيارة عبد اللهيان "منصة" لرسائل متعددة الاتجاه

لم يفاجئ تحويل وزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبداللهيان زيارته لبيروت منصّةً لتأكيد تموْضع لبنان في «محور المقاومة» في عزّ محاولة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اجتياز «ممر الفيلة» الإقليمي وتوسيع حزام الاحتضان الخارجي لمسار الإنقاذ وترميم الجسور مع دول الخليج العربي.

وإذا كانت الزيارة الأولى لمسؤول إيراني، لبيروت بعد تشكيل حكومة ميقاتي عكستْ في الشكل والمضمون ارتياح طهران الكبير بإزاء البُعد التطبيعي الذي عبّرت عنه التشكيلة الوزارية مع موازين القوى الداخلية والتي أقّرت بها باريس وقوّضت ركائز مبادرتها حيال الواقع اللبناني، فإنّ أوساطاً واسعة الاطلاع استوقفها «تَناغُم» مواقف كبار المسؤولين في بيروت عند الرهان على الحوار الإيراني - السعودي باعتبار أن نتائجه من شأنها أن تنعكس إيجاباً على «بلاد الأرز»، بحسب "الراي الكويتية":

وفي رأي هذه الأوساط أن الائتلاف الحاكم في لبنان (الرئيس ميشال عون و«حزب الله») ومعه ميقاتي بالدرجة الأولى يخطئون باعتقادهم أن «المشكلة والحلّ» في أزمة لبنان وآفاق الخروج منها تكمن في الخارج، محذّرة من استسهال اللبنانيين مجدداً التنصّل من مسؤوليتهم عما آل إليه الوضع في بلدهم وخصوصاً لجهة «إبعاد» الدول العربية ولا سيما الخليجية وترْك فريق لبناني (حزب الله) يثبّت إمساكه بمفاصل القرار الداخلي وتهديد أمن دول خليجية و«اختراقها» بأكثر من طريقة.

وتحذّر هذه الأوساط، وهي على خصومة مع «حزب الله»، من إغراق المسؤولين اللبنانيين في نفْض يدهم من الدور الذي يتعيّن عليهم أن يؤدّوه في الطريق لمعاودة كسْب ثقة دول الخليج، إذا كان يصرون مع عواصم غربية على أن تنخرط هذه البلدان في مسار الإنقاذ المالي للبنان، والذي يمرّ بأن تستعيد الدولة مقوّماتها التي ترتكز على قواها الشرعية وبسط سيطرتها على مرافقها ومعابرها، في موازاة مراعاة نظام المصلحة العربية وتفادي تَفَرُّد طرف لبناني في استهداف تلك الدول المباشر وغير المباشر.

ولاحظت هذه الأوساط أنه في حين ترافق وصول عبداللهيان إلى بيروت مع دخول باخرة محروقات إيرانية ثالثة مرفأ بانياس السوري تمهيداً لنقلها إلى «بلاد الأرز» براً عبر المعابر غير الشرعية، فإن طهران التي باتت بقوة «الأمر الواقع» شريكاً مضارِباً عبر «حزب الله» في سوق المحروقات اللبناني الذي اقتحمتْه تحت شعار «كسْر الحصار»، حرصت عبر كلام وزير خارجيتها على محاولةِ حجْزِ موقعٍ مزدوج لها لبنانياً: الأول على خريطة الإصلاحات القطاعية التي تشكل ركيزة في خطة التعافي التي سيفاوض على أساسها لبنان صندق النقد الدولي، وتحديداً ملف الكهرباء حيث أبدى عبداللهيان استعداد «الشركات الإيرانية المتخصصة في فترة زمنية لا تتجاوز 18 شهراً لبناء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية بقوة ألف ميغاوات. الأول في بيروت وآخر في الجنوب». والثاني في مسألة إعادة إعمار مرفأ بيروت التي تشهد «سباقاً» إقليمياً - دولياً عليها، حيث أكد «الاستعداد الكامل للمبادرة من خلال الخبرات الفنية والهندسية الإيرانية للمساهمة فوراً في إعادة ترميم وبناء المرفأ بحال طلب الجانب اللبناني هذا الأمر».

من جهتها، أشارت "نداء الوطن" الى ان الأضواء تسلطت على زيارة عبد اللهيان بيروت، حيث جال أمس على المقرات الرئاسية واعداً بالاتجاه نحو مزيد من "تشبيك المصالح" بين إيران ولبنان، إلى أن كانت "ذروة" تعبيره عن هذا الاتجاه من على منبر وزارة الخارجية، مؤكداً العمل على تفعيل اللجان والعلاقات المشتركة في كافة الميادين والمجالات والقطاعات، بالاستناد إلى اعتبار "الجمهورية الاسلامية الايرانية لبنان بلداً شريكاً في المنطقة". وإذ تعمد الوزير الإيراني زجَّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في صلب ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" بقوله: "نحن نعتبر أن لدى لبنان بشعبه وجيشه وحكومته وبمقاومته قدرة كبيرة على الصمود"، استحضر من قصر بسترس في سياق التنويه بانتصار محور المقاومة "أرواح الشهداء عماد مغنية والفريق قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس"، بوصفهم "القادة الذين خطّوا طريق المقاومة وصنعوا انتصاراتها من لبنان والعراق وايران".

بدورها، لفتت "النهار" الى ان لم يكن مستغرباً أن تتحول زيارة عبد اللهيان لبيروت إلى استعراض إضافي للتباهي الإيراني بنفوذ طهران في لبنان عبر "حزب الله" وبعض حلفائه اولاً، ولكن أيضاً عبر السياسات الرسمية الأشبه بالمستسلمة تماماً لكل استعراضات النفوذ الإيراني التي تعاظمت في الفترة الأخيرة قبيل تشكيل الحكومة وبعدها. ذلك انه على غرار سياسات طمر الرؤوس "المسؤولة" في الرمال التي اتبعت منذ بدأ "حزب الله" تنظيم ادخال شحنات المازوت الإيراني إلى لبنان وتوزيعه في مختلف المناطق بمعزل تماماً عن أي اخذ الدولة في الاعتبار، تجاهل "لبنان الرئاسي" برؤسائه الثلاثة في محادثاتهم مع الزائر الإيراني أي اثارة أو لفت نظر إلى الازدواجية الفاقعة التي تمارسها ايران في الزعم بأنها تدعم سيادة لبنان، فيما هي تمعن في تغذية جموح الحزب الحليف لها وحلفائه على انتهاك هذه السيادة إلى درجة ان كثيرين رددوا مقولة ان عبد اللهيان بدا كمفوض سام يتفقد منطقة نفوذه. بل ان المفارقة الساخرة برزت في الخطاب الخشبي الذي استقبل عبره الرؤساء والمسؤولون الضيف اذ هربوا من موجبات اثارة مسائل تتصل بصلب سياسات إيران في انتهاك السيادة إلى حدود التباهي علناً بأن جيشاً من جيوشها اقامته في لبنان، إلى إطلاق أنشودة الحفاوة بالاتصالات الأولية بين إيران والمملكة العربية السعودية، علما ان التضخيم الإيراني لهذه الاتصالات الأولية لم يصمد طويلاً امام الوقائع التي أدرجته في بداية مسار شاق ومشكوك فيه. في كل الأحوال ما يعني لبنان من هذا الامر، لم يكن ليحول دون مقاربة صريحة مع وزير الخارجية الإيراني الذي أقيم له بعد منتصف ليل الأربعاء في مطار رفيق الحريري الدولي استقبال فئوي حزبي بكل المعايير برّر بطبيعة الحال بعنوان "ممانع " يزعم الانتصار على الحصار الأميركي على لبنان من دون ان يفهم أحد بعد عن أي حصار يتحدثون! ولكن اللقاءات الرسمية أمس سرّعت في اعلان الأهداف المضمرة الحقيقية وراء رغبة وزير الخارجية الإيراني في زيارة بيروت وسط عودة الاهتمامات الغربية بمساعدة لبنان منعاً لانهياره اذ بسط "الوزير الضيف" أوجه الطموحات الإيرانية في توسيع نفوذها نحو المجالات الاقتصادية "الثقيلة" كالكهرباء وإعادة تأهيل مرفأ بيروت وما إلى ذلك بما يكمل توظيف الاقتحام إلى الأسواق اللبنانية عبر بوابة المحروقات.
 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o