Sep 17, 2021 6:48 AM
صحف

عون "يغطّي" المازوت الإيراني: السكوت علامة الرضى

بغضّ طرف أميركي وقبّة باط إسرائيلية... أبحر المازوت الإيراني إلى مرفأ بانياس ومنه عبرت طلائع صهاريجه إلى الأراضي اللبنانية أمس تحت راية "حزب الله" واحتفاليات نثر الأرز والرشقات الرشاشة والصاروخية احتفاءً بالفتح الإيراني لبلاد الشام والأرز... وإذا كان سعير "جهنم" أوصل اللبنانيين إلى درك التسوّل والتوسل طلباً لمساعدة الخارج، يبقى أنّ دخول طهران بالذات على خط الإمدادات النفطية أضفى على الواقع اللبناني مشهداً متعدد الأبعاد، سياسياً وسيادياً واستراتيجياً، اقتاده مخفوراً للدوران في المدار الإيراني العابر للحدود في مواجهة العرب والغرب، بعدما أفرغت الأهازيج المرافقة لدخول الصهاريج الإيرانية الأراضي اللبنانية المازوت من مغازيه "الإغاثية"، فأتى وقعه كوقع "الإعلان الرسمي" عن سقوط العاصمة بيروت في قبضة إيران، بحسب "نداء الوطن".

وأمام هذا المشهد الصارخ، التزم أركان السلطة "صمت القبور" فدفنوا الرؤوس في الرمال إزاء "عبور القوافل الإيرانية في وضح النهار الحدود اللبنانية غصباً عن الدولة واغتصاباً لسيادتها وأراضيها تحت حماية "حزب الله" مقابل انكفاء فاضح للأجهزة الرسمية عن الصورة"، وفق تعبير مصادر سياسية معارضة، معتبرةً أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون "أمّن الغطاء الرسمي للمازوت الإيراني بالتزامه الصمت الإيجابي تجاهه، فكان سكوته وتغاضيه عن الموضوع بمثابة علامة رضى واضحة أمام الداخل والخارج تكريساً للتموضع العوني الاستراتيجي في خندق واحد مع "حزب الله" والمحور الإيراني في المنطقة".

وإمعاناً في تهميش دور الدولة ومسؤوليتها عما يجري على أراضيها، بدا مجلس الوزراء المنعقد في قصر بعبدا أمس "كالأطرش في زفة" الصهاريج الإيرانية، إذ خرج وزير الإعلام جورج قرداحي إثر انتهاء جلسة مناقشة وإقرار مسودة البيان الوزاري مؤكداً أنّ المجلس لم يتطرق إلى موضوع الصهاريج الإيرانية، مقابل تفرّد وزير الأشغال علي حمية باختزال موقف الحكومة من خلال تشديده عبر قناة "المنار" على أنّ هذا الموضوع يحظى بطابع "القرار السيادي".

بدورها، أشارت "النهار" الى ان لم يكن أسوأ من مشهد مجلس وزراء الحكومة الوليدة المتجاهل الصامت على وقائع "الدخول" الاستفزازي للنفط الإيراني الى البقاع في عراضة يراد لها ان تتجاوز حاجات اللبنانيين الى المازوت والبنزين، لإظهار توسع النفوذ الإيراني على يد "حزب الله" ومن طريق سوريا، هذا الدخول الأشبه بالغزو الاستفزازي لكل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها الدستورية، سوى التباهي الباهت بأن إقرار البيان الوزاري معدلاً كان هو انجاز السلطة والعهد والحكومة في اليوم نفسه! والواقع ان أرتال الصهاريج الناقلة المازوت الإيراني المتدفقة من سوريا امس، بدت كأنها الهدية المسمومة القاصمة لظهر الدولة المغيبة والحكومة المنطلقة لتوها، ليس فقط لان "حزب الله" تعمد رفع العنوان الذي يتجاوز ازمة المحروقات الخانقة التي تبرر لجوءه الى استيراد النفط الإيراني ومشتقاته الى لبنان، بل عنوان التوظيف الإقليمي وتسخير لبنان ساحة وميداناً مفتوحاً من ميادين الصراعات التي زجّ الحزب لبنان فيها، ولذا رفع أمس شعار الحفاوة بالصهاريج الناقلة للمحروقات الإيرانية عنوانا لما وصفه بـ"كسر الحصار الأميركي". ولكن الوقع المباشر لهذا العنوان شكّل في الواقع كسراً بكل المعايير للدولة اللبنانية والحكومة الجديدة التي تباهى الحزب انه من أحد عرابي ولادتها، فلم تمض أيام قليلة على ولادتها حتى سدد اليها ضربة قاسية، واسوأ ما في الامر ان الحكومة صمتت تماماً عن الضربة، اسوة بـ"العهد القوي" فيما تصاعدت امام الرأي العام الداخلي والخارجي مجموعة وقائع فضائحية في حق الدولة أجهزتها الأمنية والسياسية جراء هذا التطور.

لقد دخلت قوافل الصهاريج المحمّلة بالمازوت الايراني الى الأراضي اللبنانية سالكة معابر غير شرعية من البقاع الشمالي عبر طريق القصر - الشواغير، وسط إجراءات أمنيّة كثيفة من "حزب الله" الذي تولت عناصره الكشف على الطريق. الأولى التي دخلت لبنان مؤلفة من 21 صهريجاً، وأعقبتها قوافل مماثلة، من دون تحديد مواعيد وصولها. وعلى طول الطريق في اتجاه بعلبك، تجمهر عشرات من مناصري الحزب، للترحيب بالقوافل رافعين أعلام الحزب ومطلقين العنان للرشاشات وقذائف الآر بي جي. وفي معلومات "النهار"، أن القافلة دخلت الأراضي اللبنانية عبر بلدتي حوش السيّد علي والقصر في قضاء الهرمل، حيث يتداخل على تخومهما الشرقيّة الجانبان اللبناني والسوري، ويتنقّل المواطنون من الدولتين بكثير من الحريّة ومن دون التزام الشروط القانونية. ثم إن الصهاريج دخلت عبر معابر غير شرعية من دون المرور بالجمارك، كما من دون موافقة من وزارة الطاقة المسؤولة عن النوعية والمعايير. وبتفلت تام من التسعير والرقابة ولم تجد كل هذه العراضة مسؤولا واحدا يسأل او يعترض او يعلّق. في المقابل كان يجري التعتيم الكامل على تطور إيجابي للغاية، ومن صنع الدولة، هو بداية وصول الفيول العراقي الى لبنان للمساهمة في التخفيف من ازمة الكهرباء، وسط معايير مزدوجة فاقعة يراد لها ان تخدم المحور الممانع المهيمن على قرارات الدولة.

أما "الشرق الاوسط" فاعتبرت ان "حزب الله" وسع رسمياً دوره في لبنان، أمس، مع استيراد المازوت الإيراني وإدخاله إلى الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية من الأراضي السورية، وسط صمت رسمي أثار انتقادات، أبرزها من حزب "القوات اللبنانية" الذي سأل عن "دولة الرقابة والقانون والسيادة" وعما إذا كانت الأراضي اللبنانية "سائبة". وقالت المصادر لـ"الشرق الأوسط" إن المخزون القادم من إيران تسلمته شركة "الأمانة" للمحروقات المدرجة على قوائم العقوبات الأميركية في العام 2020، وفرغته في مخازنها شرق لبنان تمهيداً لتوزيعه. وأشارت إلى أن السكان أبلغوا بأن التوزيع "سيتم وفق قائمة الأولويات التي حددها الحزب".

ويمثل قرار استيراد الوقود توسعة للدور الذي يلعبه "حزب الله" في لبنان، حيث يتهم منتقدون الجماعة المسلحة التي خاضت حروباً مع إسرائيل بالتصرف كدولة داخل الدولة. ووسط صمت رسمي لبناني، أثار دخول القوافل الأربع عبر معابر غير شرعية أسئلة عن حضور الدولة. 


 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o