Jul 01, 2021 6:23 AM
صحف

إستدراك الإنهيار بين الفاتيكان ودول "الثلاثي"

أشارت "النهار" الى ان يوم الصلاة من أجل لبنان الذي دعا اليه البابا فرنسيس اليوم في الفاتيكان، بدأ في ظل الوقائع الدراماتيكية التي تعصف بلبنان في أخطر ما يتهدده بمصيره ومصير أبنائه كأنه تجاوز الدلالات والأبعاد الروحية والدينية الى دلالة شديدة القسوة واقعياً، اذ لم يبق للبنانيين سوى التعلق بأهداب الامل بأعجوبة تنقذهم مما يشدهم الى قعر الانهيار الكبير. لم ينتظر البابا فرنسيس إنطلاق محطات يوم الصلاة للبنان فدعا من البارحة المؤمنين المتجمعين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، إلى "أن يتحدوا روحياً مع قادة الكنائس في لبنان الذين سيجتمعون اليوم، وأن يصلوا من أجل لبنان كي ينهض من الأزمة الخطيرة التي يمر فيها ويظهر للعالم وجهه، وجه السلام والرجاء". وفيما تشخص الأنظار والآمال الى هذه المحطة الجديدة التي تثبت تكراراً مدى تعلق الفاتيكان واهتمامه بلبنان وخوفه المتعاظم على أبنائه من دون تمييز ولو من باب قمة روحية مسيحية واسعة مع البابا، ترددت أصداء التنسيق الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي المستجد حول لبنان بما استدعى رصد المعطيات المتوافرة عن هذا التطور البارز.

واستكمالاً للمعطيات التي توافرت مع بداية هذا التنسيق، أفادت امس الزميلة رندة تقي الدين من باريس ان الاجتماع الثلاثي الاميركي الفرنسي السعودي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن والفرنسي جان ايف لو دريان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان حول موضوع انهيار لبنان، شكل امتداداً لقرار التنسيق التام الفرنسي الاميركي حول لبنان الذي كان اتخُذ عندما اجتمع بلينكن بالرئيس ايمانويل ماكرون في الاليزيه ومع نظيره جان ايف لودريان في الكي دورسيه. فكان الاتفاق بين الجانبين الفرنسي والاميركي على الدفع لتشكيل حكومة في لبنان والمزيد من الضغط على السياسيين اللبنانيين لهذا الهدف الملح، وأيضا محاولة اقناع السعودية بالعودة الى الاهتمام بلبنان ومساعدته ودفع اصدقائها الى تشكيل حكومة.

واعتبرت الولايات المتحدة وفرنسا انه ربما اذا تحدثتا معا قد تقنعان السعودية بضرورة العودة الى الاهتمام بالموضوع اللبناني. اذ عندما كانت الادارتان تتحدثان كل على حدة مع كبار المسؤولين في السعودية حول الموضوع اللبناني كان الرد دائما ان لبنان تحت سيطرة "حزب الله" وايران، وان الرئاسة اللبنانية متحالفة مع "حزب الله"، وسبق للسعودية ان دفعت أموالا باهظة في لبنان ذهبت بجريرة الفساد. ولكن الرأي الاميركي الفرنسي المشترك هو ان الوقت الان لإنقاذ لبنان وعدم تركه يتفكك ويزول مع مؤسساته وترك شعبه يتمزق، لذا وجبت مساعدته ودفع السياسيين فيه الى تشكيل حكومة تجري على الأقل بعض الإصلاحات لتأتي المساعدات وكي تجري انتخابات بموعدها. الى ذلك فان باريس وواشنطن ما زالتا تؤيدان تشكيل حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري وتدعمانه ولكنهما لا تمانعان في حال اعتذر الحريري لصالح احد آخر يؤيده. وقال مصدر ديبلوماسي غربي رفيع ان بلينكن ولودريان حاولا اقناع وزير الخارجية السعودي بعودة اهتمام السعودية بالقيام بدور لدفع اصدقائها في لبنان الى تشكيل حكومة وانقاذ لبنان من الانهيار. وقال المصدر "سننتظر لنرى اذا كانت السعودية ستوافق على مبدأ العمل مع الادارتين الاميركية والفرنسية للمساعدة في الضغط باتجاه تشيل حكومة في لبنان لانقاذ هذا البلد ".

من جهتها، أشارت "الجمهورية" الى ان الداخل اللبناني بكل مستوياته دخل منذ الاعلان عن حصول هذا الاجتماع في حال من الترقّب لما سيليه، مع سؤال وحيد احتل كل الصالونات السياسية: لماذا عُقد هذا الإجتماع في هذا التوقيت، وما الذي دفع إليه، وإلامَ يؤسّس، وهل أنّ الطبخة الحكومية انتقلت من المطبخ اللبناني الصغير إلى مطبخ الكبار؟  لا أحد في الداخل يملك الجواب، ما خلا فرضيات وتحليلات تُدرج الإجتماع الثلاثي في خانة الأهميّة الكبرى، واشارة بالغة الدلالة عن مقاربات جديدة واكثر جدّية وفعالية من تلك الدول للملف اللبناني.

إلى ذلك، جزمت مصادر ديبلوماسية غربية لـ"الجمهورية"، بأنّ اجتماع بلينكن ولودريان وبن فرحان، مهمّ جداً للبنان. وقالت المصادر: "بلا أدنى شكّ، إنّ انعقاد اجتماع بهذا الحجم حول لبنان، بين دولتين كبريين مثل الولايات المتحدة الأميركية ودولة عربيّة كبرى مثل السعودية، ينطوي على أهميّة بالغة، وبالتأكيد أنّ أسباباً موجبة (لم تشأ الدخول في تفاصيلها) دفعت إلى انعقاده في هذا التوقيت الصعب الذي يمر فيه لبنان، والمؤكّد أيضاً أنّّ لهذا الاجتماع ما سيكمّله، سواء بين الدول الثلاث، او على المستوى اللبناني". ولفتت المصادر، الى انّ المجتمع الدولي يشجع القادة في لبنان على تشكيل حكومة تبدأ بالخطوات الاصلاحية والانقاذية لهذا البلد، واجتماع الوزراء بلينكن ولودريان وبن قحطان، اكّد على ذلك في ما اعلنه وزير الخارجية الأميركي لناحية مسارعة القادة في لبنان إلى تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، لتحقيق الإستقرار الاقتصادي وتوفير الإغاثة التي يحتاجها الشعب اللبناني. ولكن ما يبعث على الأسف، هو انّ هؤلاء القادة لم يقدّموا للمجتمع الدولي وكذلك للبنانيين، ما يثبت انّهم بصدد تحمّل المسؤولية التي تقتضيها مواجهة الوضع البائس في لبنان.

وعمّا إذا كانت الضغوط جزءًا مما سيكمّل الاجتماع الثلاثي، قالت المصادر الديبلوماسية: "انّ وضع لبنان بات يستوجب ان تتشكّل حكومة تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني واجراء الاصلاحات. والوزيران بلينكن ولودريان اتفقا بوضوح في لقائهما قبل نهاية الاسبوع الماضي في باريس، على تحرّك مشترك للضغط على المسؤولين عن الأزمة في لبنان".

وقالت مصادر سياسية خبيرة في الشؤون الأميركية لـ"الجمهورية": "واضح انّ المقاربة الاميركية للملف اللبناني باتت أكثر زخماً مما كانت عليه قبل أشهر، والمعطيات الواردة من واشنطن تؤشر الى أنّ ادارة الرئيس جو بايدن صارت أكثر قرباً من المسألة اللبنانيّة. ومن هنا فإنّ الاجتماع الثلاثي لا ينبغي النظر اليه كمحطة عابرة، بل كمحطة جوهرية تؤكّد أنّ لبنان في عين الرعاية الاميركية والفرنسية، ويبدو أنّ البحث فيها تناول أسّس التعاطي مع الملف اللبناني من كافة نواحيه السياسية والحكومية، الى جانب المعضلة الاقتصادية والمالية الخانقة والتي باتت تهدّد الاستقرار في لبنان". ولفتت المصادر، إلى أنّ هذا الاجتماع يعكس الحرص على استقرار لبنان، وخصوصاً بعدما بلغ فيه الوضع حداً خطيراً جداً، ومن هنا فإنّ الأيام المقبلة، وربما الساعات المقبلة، يجب أن تُرصَد فيها الحركة الديبلوماسية للسفارات الأميركية والفرنسية والسعودية. والواضح انه تمّ إشراك السعوديين في الاجتماع حول لبنان، لما لهم من تأثير مباشر في هذا الملف. وتندرج في سياق الحركة الديبلوماسية المكمّلة للاجتماع الثلاثي، زيارة قامت بها السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا الى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي قال في تغريدة له، انّه "جرى خلال اللقاء استعراض ابرز المستجدات في الشأن اللبناني، مع تأكيدي للموقف السعودي الذي يشدّد على التزام المملكة بسيادة لبنان واستقلاله، وعلى ضرورة الإسراع في تأليف حكومة قادرة على تحقيق ما يتطلّع اليه الشعب اللبناني".

في هذا الإطار، أبلغ قطب وسطي إلى "الجمهورية" قوله: "لبنان يُحتضر وعلى وشك أن يموت وينتهي، والجماعة (يقصد القابضين على الحكومة) اصطدموا بعجزهم وغبائهم، وصار الاستقرار مهدّداً بالانفجار في أي لحظة، ولذلك، لا أستطيع أن انظر الى اجتماع بهذا المستوى، وفي هذا الوقت بالذات، إلّا من زاوية القلق على استقرار لبنان والخوف من انفلات الأمور، وهذا مؤشر ايجابي للبنان الى أنّه ليس متروكاً، وانّ ثمة ارادة لدى تلك الدول بمنع انهياره". ورداً على سؤال قال: "ركّز الاجتماع على إجراء إصلاحات سريعة، وهي إشارة غير مباشرة تعكس استعجال تشكيل حكومة في لبنان تباشر فيها، وفق المبادرة الفرنسية التي تقول بحكومة مهمّة تنفّذ هذه الاصلاحات. فوزير المبادرة لودريان كان موجوداً في الاجتماع وتحدث قبل يومين عن تعاون اميركي- فرنسي للضغط على معطّلي تأليف الحكومة. اضافة إلى أنّ العامل المريح في هذا الإجتماع هو مشاركة وزير الخارجية السعودية فيه". وخلص إلى القول: "استعجال تشكيل الحكومة اقوى هذه المرة، ولكن نتيجة التجربة مع جماعة التعطيل، أخشى أن تدفع عصبيات وانفعالات البعض الى مزيد من التهوّر، ربما هؤلاء لا يعرفون انّه عندما يجلس الكبار مع بعضهم، بيروحو الزغار دعوسة".
 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o