Feb 10, 2021 2:35 PM
خاص

بركات: لزام أن تأتي موازنة 2021 ضمن رؤية مالية إصلاحية حقيقية متوسطة الأمد

المركزية- اعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات أن إعداد مشروع موازنة 2021 من قبل وزارة المال يشكّل في حدّ ذاته تطوراً جيداً، ومطلباً من جانب المجتمع الدولي بشكل عام وصندوق النقد الدولي بشكل خاص. وإلا، فسيعود لبنان إلى الإنفاق على قاعدة الاثني عشرية التي أوجدت فوضى مالية ملحوظة بين عامي 2006 و2016 حين كان يُدار البلد بدون موازنة عامة. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يشكّل قضية دستورية حول ما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال، بعد 6 أشهر من استقالتها، قادرة على الاجتماع والموافقة على مشروع الموازنة العامة ومن ثمّ تحويله إلى مجلس النواب للمصادقة عليه.
أضاف في حديث لـ"المركزية" : الجدير ذكره أن مجلس النواب كان قد أقرّ في جلسته التشريعية بتاريخ 15 يناير 2021، اقتراح القانون المعجّل الرامي إلى إجازة جباية الأموال وإنفاق الدولة على قاعدة الاثني عشرية خلال العام 2021 إلى حين إقرار موازنة عامة جديدة من قبل المجلس النيابي.
وقال: من حيث المبدأ، تشير أرقام موازنة 2021 إلى عجز في المالية العامة بقيمة 6,187 مليار ليرة في العام 2021، أي ما يعادل 5.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتماشى نظرياً مع متطلبات صندوق النقد الدولي. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن العجز الفعلي خلال العام 2020 (والمحتسب على أساس سنوي بناءً على أرقام الأشهر الثمانية الأولى من العام 2020)، كان قد تجاوز العجز المقترح في موازنة 2020 بنسبة 34%، وذلك على الرغم من توقف سداد خدمة الدين بالعملات الأجنبية منذ شهر آذار من العام الماضي. ويتأتى هذا التجاوز عن التراجع في الإيرادات العامة (الضريبية وغير الضريبية) والإفراط في الإنفاق العام (خارج الانفاق على خدمة الدين وأجور موظفي القطاع العام).
أضاف: هذا ويستند اقتراح موازنة 2021 إلى سعر الصرف الرسمي أي 1,507.5 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وهو أمر قابل للنقاش نظراً إلى أن سعر الصرف في السوق الموازية، والذي لامس عتبة الـ9,000 ليرة للدولار، ينطبق على جزء لافت من مشتريات الدولة من السلع والخدمات، مما يشير إلى أن الأرقام المدرجة في الموازنة العامة قد خضعت للتجميل من أجل الوصول إلى نسبة عجز من الناتج بحدود 5% والتي طالب بها صندوق النقد الدولي في فترة المفاوضات السابقة بين وفد الصندوق والوفد اللبناني. وتابع بركات: من هنا، نعتقد أن نسبة العجز إلى الناتج المستهدفة في موازنة 2021 غير واقعية كونها احتسبت العجز المالي العام على أساس سعر الصرف الرسمي (1,507.5) بينما احتسبت الناتج المحلي الإجمالي على أساس سعر الصرف البالغ 6,000 ليرة للدولار (وهو 110 مليار ليرة أو 18 مليار دولار كما يقدّره صندوق النقد الدولي). عليه، لو تم احتساب كلّ من العجز المالي العام والناتج المحلي الإجمالي على أساس سعر صرف الـ6,000 ليرة للدولار، لكانت ارتفعت نسبة العجز إلى الناتج بشكل لافت.
على سبيل المثال، رصدت موازنة 2021 مبلغاً قدره 1,500 مليار ليرة لتمويل مؤسسة كهرباء لبنان، أي ما يعادل مليار دولار على أساس سعر الصرف الرسمي. إلا أنه وفي حين يصح القول أن التكلفة السنوية لمؤسسة كهرباء لبنان تبلغ حوالي مليار دولار لاستيراد الفيول، فإن فاتورة الاستيراد تلك تعادل 9,000 مليار ليرة لبنانية إذا تم احتسابها بشكل صحيح. وبالتالي فإن الفارق بين مبلغ 1,500 مليار ليرة و9,000 مليار يتحمّله مصرف لبنان بالكامل من خلال سياسة الدعم الخاصة به. يجدر الذكر أن إجمالي متطلبات دعم مصرف لبنان يقدّر بحوالي 7 مليارات دولار سنوياً، في حين تُقدّر احتياطياته السائلة من العملات الأجنبية بنحو 17 مليار دولار (وهي 23 مليار دولار من الموجودات الخارجية والتي يصرّح بها مصرف لبنان في ميزانيته النصف الشهرية، يستثنى منها كلّ من محفظته لسندات اليوروبوندز والمقدرة بحوالي 5 مليارات دولار والتسهيلات الممنوحة للمصارف والمقدرة بحوالي مليار دولار)، مما يشير إلى المدى غير المستدام للاتجاهات الحالية.
إن حقيقة استخدام سعر الصرف الرسمي للنفقات العامة خارج الرواتب تشير إلى أن سياسة الدعم من قبل مصرف لبنان ستستمر في العام 2021 وأن الحكومة لن تقدّم الدعم للبنانيين، مما يترك مهمة سياسة الدعم على عاتق مصرف لبنان وبالتالي استنزاف ما تبقّى من احتياطياته بالعملات الأجنبية. في الواقع، تضمّنت الموازنة بضعة تدابير دعم متواضعة، وهي 200 مليار ليرة لمعالجة الأوضاع المستجدّة بفعل وباء كورونا، و150 مليار ليرة لمساعدة الأسر الأكثر حاجة و100 مليار ليرة لتوزيع مساعدات الترميم على المتضررين جرّاء انفجار مرفأ بيروت.
أضاف: من ناحية أخرى، اشتملت الموازنة على مطالبة جميع الوزارات والمؤسسات العامة بإجراء مسح لجميع ممتلكاتها في فترة ستة أشهر بعد مصادقة المجلس النيابي على الموازنة. وهي بلا شكّ خطوة إيجابية، لأنها تمهّد الطريق أمام خصخصة الأصول العامة أو إنشاء صندوق سيادي من شأنه أن يساهم في سداد مطلوبات مصرف لبنان من الدولة وبالتالي يدعم قدرة مصرف لبنان على إيفاء المصارف بالعملات الأجنبية ويعزّز قدرة المصارف على سداد التزاماتها بالعملات.
وتابع:  وتضمّنت موازنة 2021 إجراءان ضريبيان جديدان، وهما ضريبة التضامن الوطني لمرة واحدة على الودائع وضريبة متكرّرة على فوائد توظيفات المصارف في مصرف لبنان وفي سندات الخزينة، بحيث من المقدّر هنا أن توفّر هذه الإجراءات الضريبية الجديدة حوالي 2,000 مليار ليرة لبنانية للخزينة. فمن شأن ضريبة التضامن الوطني أن تؤمّن إيرادات بقيمة 580 مليون دولار على الودائع بالعملات الأجنبية و140 مليار ليرة على الودائع بالليرة، أي ما مجموعه 1,014 مليار ليرة. في حين يفرض الإجراء الثاني ضريبة بنسبة 30% على الفوائد التي تتجاوز 3% على الحسابات بالعملات الأجنبية و5% على الحسابات بالليرة، والمفروضة بشكل أساسي على محافظ المصارف، ما من شأن ذلك أن يؤمّن إيرادات بقيمة 950 مليار ليرة.
إن الهدف من الضريبتين هو التعويض عن الضرائب الفائتة على صعيد ضريبة الدخل من الفوائد (بسبب انخفاض معدلات الفائدة) وضريبة دخل الشركات (بسبب الانخفاض في دخل الشركات). إلا أن التحفظات على ضريبة التضامن الوطني تتمحور حول الحاجة لاعتماد ضريبة ثروة تصاعدية تُطبّق على المحافظ المالية المحلية ولكن أيضاً على العقارات المحلية والاستثمارات الخارجية. في حين ترتبط التحفظات على الضريبة المقتطعة على فوائد توظيفات المصارف بحقيقة أن الأخيرة تتكبّد أصلاً خسائر جمّة تستنزف تدريجياً الأموال الخاصة للمساهمين والتي تشكل الحماية الرئيسية للمودعين بشكل عام. الجدير بالذكر أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، تكبّد القطاع المصرفي خسائر بقيمة 965 مليون دولار، وبالتالي فقد انخفضت الأموال الخاصة من 20.7 مليار دولار في نهاية العام 2019 إلى 18.9 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني 2020.
وقال: في هذا السياق، ينبغي ألا يكون فرض الإجراءات الضريبية في غياب رؤية إصلاحية طويلة الأمد للتصحيح المالي. فيجب أن تقوم الرؤية المنشودة على تخفيض تدريجي لحاجات الدولة الاقتراضية من خلال تقليص عجزها المالي بشكل ملموس، والذي يمثل نقطة الوهن الرئيسية للدولة اللبنانية في الوقت الحاضر، خاصة وأن العجز العام يتم تنقيده من قبل المصرف المركزي، ما يعني خلق نقد ملحوظ وتضخّم في الأسعار. هنا يجدر الذكر أن قيمة النقد المتداول كانت قد ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة 193%، وذلك من 10,564 مليار ليرة في نهاية العام 2019 إلى 30,918 مليار ليرة في نهاية العام 2020، وهو ما يعزّز بحدّ ذاته الانحراف في سعر الصرف في السوق الموازية.
وختم: إن السبيل الوحيد لاحتواء الاختلالات المالية والنقدية الحالية يكمن في إرساء برنامج إصلاحي كامل مع صندوق النقد الدولي من قبل الحكومة العتيدة يضمن مصداقية الدولة في تنفيذ الإصلاحات الموعودة ويكون له أثر الرافعة على الدول المانحة بشكل عام. إن بصيص الأمل الذي يبرز على هذا الصعيد يكمن في بذل الجهود لتشكيل الحكومة العتيدة، على أمل إزالة العقبات الحالية التي تواجه التشكيل، وتشكيل حكومة ذات مصداقية بشكل وشيك، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة وتعبيد الطريق أمام عقد مؤتمر دولي داعم للبنان.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o