Feb 08, 2021 4:45 PM
خاص

جان عبيد... فخامة الرئيس النبيل... مع وقف التنفيذ!

المركزية-  لن ينتظر التاريخ اتفاق اللبنانيين على نظرة موحدة إليه ليعرف عن جان عبيد، أو يصفه ويوصف تجربته. ذلك أن بعض الأسماء لا يغرق في الدهاليز السياسية الضيقة التي ما عاد مسؤولو هذا الزمن يعرفون كيف السبيل إلى الخروج منها. بعضهم يكفيهم أن يقترن اسمهم باللباقة والفكر والنبل السياسي ليكون في صلب حركة التاريخ، وإن كانت الحياة حرمته فرصة الوصول إلى المناصب العليا.

وإذا كان من أحد يمكن أن ينطبق عليه هذا التوصيف، فهو جان عبيد، السياسي المتعدد الأبعاد الذي لم يقو عليه الزمن، لكن وباء كورونا وضع حدا لحياته المديدة في ليلة ظلماء يفتقد فيها الكبار من طينته.  ولأن هؤلاء الكبار يصنعون المراكز والمناصب التي يصلون إليها، فإن من غير المستغرب أن يرتبط اسم جان عبيد بحقيبة الخارجية، مع العلم أنه لم يشغلها إلا مرة واحدة... في آخر حكومة ألفها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قبل أن "يستودع الله هذا الوطن الحبيب لبنان" في أواخر العام 2004. سر نجاح جان عبيد في هذه الحقيبة الدقيقة ليس عصيا على الكشف، بالنسبة إلى من يعرف النائب والوزير السابق المشهود له باللباقة السياسية والعلاقات المتشعبة، نجح حيث فشل كثيرون من أصحاب الطموح السياسي الجامح: تمكن جان عبيد من تدوير الزوايا بين الدول العربية  في عز أزماتها، ما حدا بسعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الراحل، وأحد أعمدة الديبلوماسية العربية إلى إطلاق لقب "حكيم وزراء الخارجية العرب"، الذي تودعه اليوم زغرتا وطرابلس والشمال ولبنان، متشحا بسواد الحزن على غياب الكبار في زمن يتم القامات.

لكن في وطن القديسين، لا مكان للحزن حصرا. فقد ترك الله لعبيد مكانا في ذاكرة سياسية ستحتفظ بصورته شهابيا "قح". حتى أن  لم يجد الرئيس الراحل الياس سركيس، المتحدر من المدرسة عينها وصاحب التجربة الفريدة في الرئاسة، حيث غلب الرصانة والمنطق والهدوء والرزانة في زمن كان كثيرون يعتقدون أن الكلمة الأخيرة فيه ستكون  للميدان اللاهب بنار المواجهات لرسم المعادلات الجديدة. هذا هو جان عبيد الذي اختاره سركيس مستشارا في الزمن الصعب، الذي يخاف كثيرون تحدياته وتقلباته. لكن جان عبيد أثبت أن القوة الهادئة تكسب الرهان  متى كان صاحبها سياسيا ينبض بالفكر والثقافة والسياسة والحنكة. ولا شك أيضا أن هذه الميزة ساعدت جان عبيد، الصحافي الحامل شهادة حقوق، في خلال المهمة الدقيقة التي كلفه بها الرئيس أمين الجميل. ففي عز القنص الميداني الذي قض مضاجع كثيرين، وذاك ذي الطابع السياسي على الرئيس الجميل على خلفية اتفاق  17 ايار، شارك عبيد في مفاوضات إلغاء هذا الاتفاق، الذي اعتبره خصوم الجميل اتفاقا يكرس السلام مع الدولة العبرية، بعد عام واحد من الاجتياح الكبير. على أي حال، فإن الأهم أن جان عبيد بطل الانتصارات الديبلوماسية لم يسع يوما وراء مناصب. لكنه كان على يقين أنها ليست هدفا في ذاتها بل وسيلة لخدمة الخير العام. كالنسمة تنقل بين وزارتي الخارجية والشباب والرياضة والتربية، تحت عباءة حكومتين حريريتين، ومقاعد النيابة التي لم يحرمه السن المتقدم من العودة إليها مغردا في سرب الرئيس نجيب ميقاتي هذه المرة... الأخيرة.

لكن من حق التاريخ على جان عبيد أن يعترف له بأنه مشى عكس تيار غالبية ساحقة من الموارنة الذين يدخلون الحلبة السياسية. لم يبد مرة اهتمامه بصراع الديوك الرئاسي... لكنه كان مرشحا دائما إلى هذا المنصب. حتى أن البعض يتحدثون عن أن ظاهرة غريبة رافقت جان عبيد في هذا المجال . ذلك أن اسمه كان يغيب تماما عن الساحة السياسية، ليعود ويتصدر الصورة عند أول مفترق رئاسي من غير أن يبلغ مرة المحطة الختامية السعيدة.

قد يكون في ذلك الواقع المر إشارة قوية إلى أن وطن التسويات والتحاصص والصفقات، لا مكان فيه للرجال النبلاء من طينة عبيد... واقع لا يسعنا إلا أن نراهن على ان يتمكن جان عبيد من قلبه بصلواته في جوار الرب... 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o