Nov 13, 2020 6:09 AM
صحف

الموفد الفرنسي في لبنان... مهمّة ام زيارة استطلاعية؟

تحت سقف عدم توقع حدوث أي خرق جوهري في جدار التصلب والعرقلة، جال المبعوث الفرنسي باتريك دوريل في بيروت "مستمعاً وناصحاً"، من دون أن يحمل في جعبته طرحاً أو بادرة حل، إنما كل ما نقله من باريس كان "جرس إنذار أخير للمسؤولين اللبنانيين مفاده: أمامكم أسبوعان لا أكثر لتشكيل الحكومة وإلا فلا مؤتمر ولا دعم للبنان"، وفق ما اختصرت مصادر مواكبة جوهر الرسالة من وراء الزيارة، موضحةً لـ"نداء الوطن" أنّه شدد على كون "مفاعيل المبادرة الفرنسية الإنقاذية لا تزال قائمة، لكن يبقى تنفيذها من عدمه رهناً بإرادة اللبنانيين أنفسهم وعليهم بالتالي أن يقرروا مصيرهم بأيديهم".

وإثر جولته التي شملت في يومها الأول "الرؤساء الأربعة" وكليمنصو وحارة حريك، ليستكملها اليوم بزيارات مكوكية لكل من ميرنا الشالوحي ومعراب والصيفي، لفتت المصادر إلى أنّ زيارة دوريل هي "أكثر من استطلاعية على معضلة التأليف وأقل من مفصلية في حلّ هذه المعضلة"، واصفةً إياها بزيارة "ربط نزاع" مع الأفرقاء اللبنانيين بغية إعادة وضعهم أمام مسؤولياتهم وتعهداتهم إزاء مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون "تحت طائل التلويح بأنّ لعبة استنزاف الوقت ستستتبع تداعيات كارثية على كل الأفرقاء في لبنان ولا بد بالتالي من الإسراع بتأليف حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين تحظى بثقة المجتمع الدولي منعاً لضياع آخر فرصة متاحة فرنسياً وأوروبياً لانتشال البلد من أزمته".

وكشفت المصادر أنّ المستجد في التوجيهات الفرنسية التي عبّر عنها دوريل تمثل في الإشارة إلى "التلازم والربط بين تأليف الحكومة وبين انعقاد مؤتمر دعم لبنان"، وسط معلومات متداولة تفيد بأنه "حتى زيارة ماكرون الشهر المقبل إلى بيروت ستتأثر في شكلها وفي جدول أعمالها ما لم يتم تأليف الحكومة قبل موعد الزيارة، لتتراوح التقديرات بهذا الخصوص بين احتمال إرجائها أو اقتصارها على تفقد القوات الفرنسية العاملة ضمن إطار اليونيفل في الجنوب".

وإذ أغدق المسؤولون اللبنانيون إطراءً وتنويهاً بأهمية المبادرة الفرنسية وضرورة تشكيل الحكومة على مسامع موفد ماكرون، غير أنّ أوساطاً واسعة الاطلاع أعربت عن قناعتها بأنّ أي شيء لن يتغيّر في مقاربة الأزمة الحكومية بعد مغادرته بيروت، بل "ستواصل الأطراف المعنية تقاذف الاتهامات والمسؤوليات في عملية عرقلة التأليف"، متوقعةً في هذا الإطار أن يستخدم رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه "حزب الله" العبارة التي استخدمها المبعوث الرئاسي الفرنسي في معرض تشديده على ضرورة أن تكون الحكومة العتيدة "مقبولة من جميع الأطراف" سلاحاً جديداً في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري لدفعه إلى تغيير القواعد التي وضعها لتشكيل حكومته، والضغط عليه تالياً للتفاوض مع باسيل باعتباره معبراً إلزامياً لتوقيع عون على التشكيلة المرتقبة.

اجواء متناقضة: من جهة ثانية، أشارت "الجمهورية" الى انّ الموفد الفرنسي أبلغ الى من التقاهم تَولّيه رئاسة خلية الازمة المكلفة الملف اللبناني في قصر الاليزيه، وذلك بغية توضيح اهمية الرسالة التي نقلها من ماكرون الى المسؤولين اللبنانيين. كما أفادت انّ الموفد الفرنسي سيستكمل زياراته اليوم للقيادات السياسية والحزبية، فيلتقي قبل الظهر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وينتقل عند الثانية عشرة الّا ربعاً الى بكفيا للقاء رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، قبل ان يزور عصراً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وستكون له اجتماعات غير معلنة مع مجموعة من الشخصيات السياسية المستقلة.

وقالت مصادر واكبت زيارة الموفد الفرنسي لـ الجمهورية" أنّ "الرجل لا يملك عصا سحرية، وانّ الكلام عن تهويل باريس باستخدام عصا غليظة ليس في محله، وإنما ستكتفي بتحذير المسؤولين من المصير الذي سيَلقاه لبنان في حال استمرت المراوحة في التأليف بسبب الأزمة المالية وعدم قدرة الدولة على فَرملة الأزمة المتدحرجة من دون المساعدات الخارجية، خصوصاً مع دخول واشنطن في مرحلة انتقالية في انتظار دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض. وبالتالي، من المصلحة اللبنانية الدخول في ستاتيكو التأليف بدلاً من "ستاتيكو" الفراغ وكلفته الغالية على لبنان".
وفي رواية أخرى لـ"الجمهورية"، بحسب مصادر لحركة دوريل، "انّ زيارته هي استطلاعية اكثر منها مهمة، وقد شدد في لقاءاته حتى الآن على استمرار المبادرة الفرنسية ونية الرئيس ايمانويل ماكرون عقد مؤتمر لدعم لبنان خلال هذا الشهر او الشهر المقبل، لكنه ربط ما بين تنفيذ فرنسا وعودها وبين تشكيل الحكومة، متمنياً التعاون مع الرئيس المكلف لتذليل العقبات المتبقية من امام ولادة الحكومة التي رأى انّ توقيتها اصبح اكثر من ضروري وداهِم".

وذكرت المصادر انّ دوريل لم يدخل في تفاصيل هذه العقبات في لقاءاته، كذلك لم يأتِ على ذكر ما تم تداوله في الساعات الماضية عن انّ فرنسا تهدّد بفرض عقوبات على من يعرقل تشكيل الحكومة لا من قريب ولا من بعيد، لكنه شدد اكثر غير مرة على ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين من غير المنتمين حزبياً، والاسراع في تشكيل حكومة قادرة على القيام بالاصلاحات الضرورية المطلوبة لوقف الانهيار واعادة اعمار بيروت".

وفي رواية ثالثة لـ"الجمهورية"، نقلاً عن جهات واسعة الاطلاع، انّ دوريل كان واضحاً في بداية لقاءاته امس في توجيه رسالة من الرئيس الفرنسي، تتناول تحديداً واضحاً للعقبات التي حالت دون انطلاق مسار المبادرة الفرنسية القائلة بضرورة تشكيل حكومة مستقلة وحيادية خالية من الحزبيين ومن دون ان يكون لهم اي تأثير على عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، وذلك من اجل ضمان نجاحها في مواكبة المراحل الاخرى المتصلة بالاصلاحات الدستورية والادارية والنقدية التي تفاهَمَ عليها ماكرون والقيادات اللبنانية في لقاء قصر الصنوبر، خصوصاً انّ ايّاً منهم ما زال يؤكد التزامه "الصادق" بمضمون المبادرة التي اطلقها ماكرون في 1 ايلول الماضي، وانّ ما جرى الالتزام به أثناء تكليف مصطفى اديب ما زال قائماً مع الرئيس سعد الحريري الذي كلّف المهمة عينها.

ولفتت المصادر الى انّ دوريل طرح في لقاءَيه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مجموعة الاسئلة التي شكلت عناوين المبادرة الفرنسية، فردّا عليها بأجوبة قد تكون موحدة بنحو متقارب جداً في الشكل الذي عبرت عنه المعلومات الرسمية التي نشرت عقب اللقاءين، ولا سيما منها تلك المتصلة بمصير التدقيق الجنائي والاصلاحات المطلوبة على اكثر من مستوى لملاقاة ما تقول به المبادرة في مرحلة ما بعد تأليف الحكومة.

وفيما شرح رئيس الجمهورية العوائق التي حالت دون التدقيق الجنائي المالي مؤكداً الاصرار على تحقيقه أيّاً كانت الكلفة، لفت بري الى انه ينتظر ما ستُحيل اليه الحكومة من مشاريع اصلاحات للبَت بها وتشريعها. ولكن ما كان لافتاً هو التفسير الجديد الذي سمعه دوريل عن تشكيل الحكومة بطريقة أبعدت عنها “صفة المستقلة والحيادية”، وهو ما كان ظاهراً في توضيح رئيس الجمهورية الذي تحدث عن انّ “الأوضاع تتطلب تَشاوراً وطنياً عريضاً وتوافقاً واسعاً لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهمات المطلوبة”، الامر الذي شكّل “نقزة” لديه ما لبث ان تأكد منها في لقاءاته لاحقاً، حيث سمع كلاماً يُبعد الحكومة عن الصورة التي رسمها ماكرون، وهو ما ثبت لديه عندما استمع الى الرئيس سعد الحريري الذي شرح الظروف التي تعوق مهمته والشروط التي أعاقتها حتى الآن.

وقالت المصادر انّ دوريل سمع كلاماً اكثر وضوحاً وصراحة في لقاءيه مع "حزب الله" و"الحزب التقدمي الاشتراكي".

تنفيذ المبادرة: وكشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية لـ"اللواء" أن لقاءات الموفد الفرنسي باتريك دوريل مع المسؤولين والزعماء اللبنانيين تركزت على الأسباب التي تحول دون تنفيذ المبادرة الفرنسية حتى الان، بالرغم من موافقة كل الاطراف عليها وابلاغهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصيا بتاييدها والالتزام بتنفيذها ولكن لم يحصل شيء من هذا القبيل حتى اليوم.

فشل فرنسي: الى ذلك، لفتت "الاخبار" الى ان  بدلاً من أن يحمل الموفد الفرنسي جديداً في جولته اللبنانية أمس، يفعّل عبره المبادرة الفرنسية، تبيّن أنه أراد أن يستطلع إمكانية مساهمة العقوبات الأميركية في تذليل عقبات التأليف. وهو خرج بخلاصة تؤكد أن الرهان على العقوبات لتلبية مطالب الحريري رهان في غير موضعه. وسريعاً، تبخّر التفاؤل بزيارة دوريل إلى لبنان. دوريل الذي يعود ساعياً إلى تفعيل المبادرة الفرنسية اصطدم بواقع سياسي شديد التعقيد، قادر على الإطاحة بأي مبادرة. لكن مع ذلك، لمس حرص كل من التقاهم على المبادرة، من دون أن يُترجم هذا الحرص بأي تقدم في الملف الحكومي.

في المقابل، لم يكن دوريل يحمل أي أفكار أو اقتراحات أو "تعليمات للدفع باتجاه تشكيل الحكومة، بقدر ما جاء ليستطلع إمكانية الاستفادة من العقوبات الأميركية لحلحلة عقد التأليف، أو بشكل أدق لاستطلاع إذا ما كانت العقوبات ستساهم في تراجع الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل وحزب الله عن موقفهم، وبالتالي تلبيتهم لمطالب الرئيس سعد الحريري. بهذا المعنى، فإن الزيارة لم تكن خارج سياق العقوبات الأميركية بل أتت مكمّلة لها. ذلك، دفع مصادر مطلعة إلى القول إن الضيف كان أقرب إلى المستمع، تمهيداً لنقل خلاصة جولته اللبنانية إلى الإليزيه الذي يتضح يوماً بعد يوم أن قدرته على التأثير محدودة. ولذلك، فقد كرّر الموقف الفرنسي المعروف، داعياً إلى تشكيل حكومة من اختصاصيين أكفاء، غير حزبيين، لكن متوافق عليهم من قبل كل الأفرقاء. وإذا كان الحريري قد أمل أيضاً بأن تؤدي العقوبات إلى تليين موقف رئيس الجمهورية، فإنه تأكّد أمس أن عون صار أكثر تشدداً بعدها، وقد دعا ضيفه إلى التفاهم مع الجميع قبل العودة إليه.

عقوبات اوروبية: من جهتها، أشارت "الراي الكونيتية" الى ان اوساطا سياسية استعادتْ السيناريو الذي واكَبَ مرحلةَ تكليفِ السفير مصطفى أديب تشكيلَ حكومةِ الاختصاصيين المستقلّين والذي حاولتْ من خلاله باريس الاستفادة من «عصا» العقوبات الأميركية للدفْع نحو حكومةٍ بشروط المجتمع الدولي لجهة التخفيف من تأثير «حزب الله» في مركز القرار التنفيذي وإطلاق قطار الإصلاحات التي تقوّض بدورها ركائز مهمة لتمكين نفوذ الحزب وتسمح للبنان بالحصول على الدعم المالي المطلوب لوقف السقوط المالي المريع.

ورغم أن العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في سبتمبر اعتُبرت «قاصِمةً» لمهمة أديب، فإنّ ثمة مَن يراهن على الرسالةِ غير المسبوقة التي شكّلها إطلاقُ «رصاصة ماغنيتسكي» على باسيل لإنجاح مسار التأليف الذي يقوده الحريري وإخراجه من دائرة التعقيدات المستحكمة، ولا سيما في ظلّ التلويح بسبحةٍ من الشخصيات الجديدة ستعاقبها واشنطن تباعاً وربما تُعلَن أسماءُ بعضها في اليومين المقبلين، ناهيك عن التلميحاتِ إلى أن «الكاوبوي الأميركي» (ترامب) قد يلجأ في الفترة الفاصلة عن 20 يناير إلى «سلاح الاحتياط» لإحداث وقائع على الأرض في المنطقة «بقوة النار» يصعب على إدارة بايدن التراجع عنها ولا سيما في ما خصّ المواجهة مع إيران والتي بات لبنان «في عيْنها».

وترى الأوساط السياسية عبر "الراي الكويتية" أن دون هذا السيناريو، الذي تَرافَقَ مع أجواء لم يكن ممكناً الجزم بدقّتها أمس، حول أن دوريل يحمل تحذيراتٍ من أن عدم تأليف حكومة بشروط المبادرة قد يفضي حتى إلى عقوباتٍ أوروبية، عوامل عدة تجعل الائتلاف الحاكمَ (حزب الله - التيار الحر) لا يتراجع أمام «َضغوط ربع الساعة الأخير» من «عمر» ولاية ترامب ويصرّ على رؤيته لحكومةٍ تجعل الحريري عملياً رئيساً لحكومة الأكثرية النيابية التي يُمسك بها وتكون فيها حقائب أساسية «تحت جناح» فريق عون (خصوصاً الطاقة). وبين هذه العوامل أن معاقبةَ باسيل «أطلقت يداه» بعدما كان ماكرون قدّم نفسه على أنه «واقي الرصاص» تجاه أي اندفاعةٍ تجاهه من ترامب.وجاء كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الأربعاء، الذي، وفي موازاة عدم إسقاطه من الحسبان إمكان مغامرة ترامب في المنطقة في الشهرين المقبلين، أثنى على «شجاعة» باسيل برفْضه التسليم بالضغوط الأميركية عليه، معتبراً أن هذا الأمر «يُبنى عليه»، ليؤشر في جانبٍ منه إلى عدم استعجالٍ لتأليف حكومةٍ «تحت سيف العقوبات» رغم أن نصرالله لم يَدْخل في تفاصيل عملية التشكيل التي عادت الى «نقطة الصفر» تاركاً إياها للتشاور بين عون والحريري.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o