Oct 13, 2020 12:54 PM
خاص

بركات: تدعيم قدرة القطاع المصرفي على مواجهة الضغوط في خضمّ الأزمة
... للشروع في استراتيجية للخروج من الأزمة الاقتصادية تضعها حكومة عتيدة توحي بالمصداقية

المركزية- لفت كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات إلى أن "لبنان يحتاج إلى الشروع في استراتيجية للخروج من الأزمة تضعها حكومة عتيدة توحي بالمصداقية من شأنها إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة"، معتبراً أن "المخارج ما زالت ممكنة إذا ما توفّرت الإرادة".

وقال بركات في حديث لـ"المركزية": من الواضح أن الظروف التشغيلية للقطاع المصرفي قد تردّت بشكل ملحوظ خلال السنة المنصرمة. إذ تراجع عامل الثقة خصوصاً عندما تعثّرت الدولة في سداد سنداتها من اليوروبوند والتي تستحوذ منها المصارف على 10 مليارات دولار. كما شهد القطاع المصرفي انكماشاً في الودائع بنحو 30 مليار دولار منذ بداية العام 2019 (حوالي 20%) ترافق مع تقلّص في محفظة التسليفات بأكثر من 20 مليار دولار خلال الفترة نفسها، وهو ما يمثّل ثلثي انكماش الودائع المصرفية. في موازاة ذلك، تكبّد القطاع المصرفية خسائر لاحقة، حيث انخفضت الأموال الخاصة بنحو ملياري دولار خلال العام الماضي. رغم ذلك، ما يزال القطاع المصرفي اليوم لا يحتاج إلى تعويم خارجي، فالمصارف تحتاج فقط إلى أن تسدّد الدولة اللبنانية مستحقاتها. وإذا حصل ذلك، فإن وضعية السيولة لدى المصارف من شأنها أن تتعزّز بشكل ملحوظ مع قيام الدولة بسداد جزء من السيولة المستحقة للمصارف.

على مستوى الإطار التنظيمي، المطلوب أولاً وقبل كل شيء توحيد إجراءات ضبط حركة الأموال بموجب قانون مشروع Capital Control تعدّه الحكومة العتيدة ويعتمده مجلس النواب، من أجل ضمان معاملة عادلة ومنصفة لجميع الزبائن وخفض الاستنسابية بين المصارف والحدّ من المخاطر القانونية إزاء القطاع المصرفي.

أضاف: وفي ظلّ وجود قطاع مصرفي أكبر بخمس مرات من الناتج المحلي الإجمالي، من الطبيعي القول بأن بُعد القطاع المصرفي اللبناني ضخم مقارنةً ببُعد الاقتصاد الوطني. في الواقع، يعتبر القطاع المصرفي اللبناني ثاني أكبر قطاع في العالم من حيث نسبة الأصول المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن حجم هذه الأصول المصرفية أكبر مما هو مطلوب لتحقيق تمويل الاقتصاد الحقيقي. من هنا، فإن إجمالي أصول القطاع المصرفي في لبنان يجب أن يتقلّص إلى حوالي 100% أو 150% من الناتج المحلي الإجمالي بُعيد إعادة الهيكلة.

في هذا السياق، ذكّر بأنه "في ظل هذه الظروف الراهنة، قد تضطر المؤسسات المصرفية الأكثر تضرراً أو الغير قادرة على رفع رأسمالها وفقاً لمتطلّبات مصرف لبنان إلى الاندماج مع مؤسسات مصرفية أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يضمن تقليص عدد المصارف في القطاع. من الصعب في هذه المرحلة تحديد عدد المصارف التي ستبقى على وجه التحديد، ولكن المطلوب أولاً هو تخفيض شبكة الفروع بنسبة 30% إلى 40% والتي تبلغ اليوم حوالي 1,000 فرع في لبنان".

وتابع: من الواضح أن بعض المصارف قد تجد صعوبة في التكيّف وتلبية المتطلبات في ظل هذا المناخ السائد حالياً، وسيتعيّن عليها الخروج من السوق، في حين أن مصارف أخرى ستكون قادرة على البقاء ومواصلة العمل، حتى لو كان ذلك يعني الاضطرار إلى بيع جزء من أصولها في الخارج من أجل ضخّ سيولة كافية وبالتالي تعزيز رساميلها. الجدير بالذكر هنا أن عدد المصارف اللبنانية المتواجدة في الخارج يصل إلى 18 مصرفاً وذلك في 32 دولة عبر شبكة فروع مؤلفة من 329 فرعاً تدير أصولاً إجمالية تبلغ 37 مليار دولار. إن المصارف التي لها تواجد في الخارج قد يكون لديها القدرة الأكبر على الديمومة مستقبلاً.

أضاف بركات: في المقابل، إن إصلاح النظام المصرفي بجهود إعادة الهيكلة لتعزيز وضعه المالي وحوكمته وقدرته على مواجهة الضغوط من شأنه أن يحصّن الإطار الماكرو اقتصادي والمالي للبلاد. إن وجود قطاع مصرفي أصغر وأمتن من شأنه أن يعزّز الانتاجية وفعالية التكلفة ويمكن أن يستفيد أيضاً من زيادة التركيز على المكننة. إضافةً إلى ذلك، فإن سلامة القطاع المصرفي لها تأثير ملحوظ على المخاطر السيادية وبالتالي على أي تصنيف سيادي محتمل للبنان. وبالمثل، فإن وجود قطاع مصرفي موثوق به هو المفتاح لإعادة ربط لبنان مع أسواق الرساميل العالمية.

وختم: عند التطرّق إلى المستقبل المصرفي في لبنان، لا يمكن فصله عن مستقبل الاقتصاد الوطني بشكل عام بمكوّناته المختلفة من القطاع المالي والقطاع العام والقطاع الخارجي والقطاع الحقيقي. عليه، يحتاج لبنان بشكل وشيك، إلى الشروع في استراتيجية للخروج من الأزمة تضعها حكومة عتيدة توحي بالمصداقية من شأنها إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة. ختاماً، ليس هناك شك في أن الاختلالات الهيكلية والدورية السائدة التي تعاني منها البلاد مستفحلة، إلا أن المخارج ما زالت ممكنة إذا ما توفّرت الإرادة وإذا تم اتخاذ خيارات وتدابير جذرية من دون أي تأخير تمكّن لبنان من الخروج من أزمته المستفحلة مع الوقت.

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o