Oct 02, 2020 4:17 PM
خاص

عامر مشموشي..عن غياب الكبار في زمن الانهيار

المركزية- كما لو أن القدر كتب للبنان أن يتعايش مع الغياب والأفول والتراجع. ففيما البلد يصارع واحدة من أشد أزماته خطورة، تتماهى معه الصحافة المكتوبة في "مصابه" هذا. ذلك أن التطور البشري والانجازات التكنولوجية والتقنية جعلت الجريدة الورقية تسجل تراجعا مهما لصالح  منصات التواصل الاجتماعي والخبر السريع، الذي قدلا يكون كافيا ووافيا في بعض الأحيان. لكن في لبنان، ليست هذه النكسة، كي لا نقول النكبة الوحيدة التي يعاني منها قطاع الاعلام المكتوب. فإلى جانب صراع البقاء الذي يخوضه في وجه الاعاصير المالية، يبدو أنه ماض في وداع كبار أركانه وأكثر المؤمنين به وأبرز صانعي مجده في أيام الزمن الجميل.. يوم كانت للكلمة الحرة قيمتها، ويوم كانت السلطة تخشى السلطة الرابعة وحكمها، من غير أن تحكم عليها بالقمع والاسكات.

بعد عميد المهنة وكاتم أسرارها الاول غسان تويني، وفراشتها الرقيقة الأديبة مي منسى، والصحافي الكبير جوزف أبو خليل (نائب رئيس حزب الكتائب)، مثلا لا حصرا لأن لائحة الكتاب الأحرار والرواد في بلادنا طويلة جدا، ها هو الصحافي الكبير عامر مشموشي يسدل الستارة على حياة مديدة وتجرية غنية سيذكرها التاريخ عندما تحل ساعة إنصاف أهل القلم .

قد يكون البعض عرف عامر مشموشي مدير تحرير لصحيفة "اللواء"، قبل أن يشغل منصب رئيس التحرير فيها. لكن هذا لا يختصر مسيرة الراحل، الذي أعجب بـ "المعلم" كمال جنبلاط، وعاصر كبار أهل القرار والحل والربط في المطابخ السياسية. فالرجل الذي دخل عالم مهنة البحث عن المتاعب في ستينيات القرن الماضي، كان عضوا في الفريق الاستشاري للرئيس أمين الجميل. لكن اسمه لا يزال يقترن حتى اليوم برابطة خريجي كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية التي أسسها وقادها على مدى عقود ليلتم شمل المجتمع الصحافي تحت قبة رابطة واحدة، فتتعزز بذلك أواصر الالفة بين الزملاء. كيف لا وعامر مشموشي كان من أبرز المدافعين عن حقوق الصحافيين في ساحات النضال وعلى صفحات الجرائد وفي نقابة المحررين التي تسجل في جدولها عام 1964.

غزير العطاء كان عامر مشموشي إلى حد أن المرض لم يبعده عن ملعبه الأرحب. ساعة الرحيل دقت. لكنها ليست مرادفا للغياب، بل لراحة مستحقة ستعيد عامر مشموشي إلى تراب الشوف الذي أحب، تاركا وراءه ذكرا طيبا في صفوف الصحافيين الزملاء، بما يديم حضوره بينهم. و"المركزية" التي كان الراحل من أصدقائها الأوفياء آلمها مصاب غيابه، ترجو الله أن يسكنه فسيح جناته، تماما كما سيسكن وجدانها وذاكرتها.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o