Sep 02, 2020 8:04 AM
صحف

أشهر مفصليّة للتغيير الحقيقي في لبنان بعد زيارة ماكرون

«على المكشوف» لعِب الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون أوراقَه في الملف اللبناني الذي دَخَلَه بقوةٍ على وهج  «الانفجار الهيروشيمي» في بيروت التي تُعانِد رغم كل جراحِها جاذبيةَ السقوط في «الحفرة العملاقة» في مرفئها، حيث مسرح «جريمة القرن» (إهمالاً أو تخريباً أو اعتداءً)، والتي تُصارع أصلاً رياح المواجهات الاقليمية الكبرى.

وبلغة الروزنامة والأجندةِ المحدّدةِ النقاط، رَسَمَ ماكرون في الزيارة الثانية التي يقوم بها لبيروت خلال أقلّ من شهر، الإطارَ الواضحَ لمدّ لبنان بـ«جرعة الأوكسجين» من الدعم المالي لإخراجه من «الموت السريري» وإطلاق مسار إعمار بيروت وتعزيز مناعته بوجه جائحة «كورونا»، وذلك على قاعدة شقّ طريق الإصلاح الشاقّ عبر الحكومة الجديدة التي يُعتبر الرئيس الفرنسي عرّابَها وبات أقرب إلى «الوصيّ» على استيلادها، بالضغط السياسي كما في «الميدان»، لتأدية مهمةٍ تراعي الشروط التقنية للمجتمع الدولي، على أن يبقى الجانب السياسي الأهمّ من الأزمة اللبنانية والذي يُعنى به «حزب الله» بالدرجة الأولى رهنَ دينامية الضغط الأقصى الأميركي التي قد تعطي «فرصةً» لباريس لانتزاعِ «الهدف» الإصلاحي الذي تعتبره واشنطن مدْخلاً (ولا سيما في ما خص ضبط المعابر الحدودية) لتقزيم أدوار الحزب العابرة للحدود.وحتى قبل أن يغادر ماكرون بيروت، حرص على «ربْط» موعد مع زيارة ثالثة في ديسمبر المقبل، لعودةٍ بدا واضحاً أنّها ستكون محطة مفصلية، فإما يكون قطار الإصلاحات الجدية (في الكهرباء والقطاع المصرفي والقضاء والفساد) انطلق بقوةٍ وتم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي عبر الحكومة التي سيواكب الرئيس الفرنسي تأليفها الذي يريده على طريقة «الآن وليس غداً»، وإما «سأغيّر مساري وسنحجب خطة الإنقاذ المالية ونفرض عقوبات على الطبقة الحاكمة» وفق ما أبلغ إلى مجلة «بوليتيكو» الأميركية، مؤكداً «أن الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية للتغيير الحقيقي في لبنان».

وكما في محطة 6 آب اللبنانية، تعمَّد ماكرون توجيه الرسائل المباشرة إلى الطبقة السياسية، في الشكل كما المضمون، خلال زيارته أمس التي جاءت في الأساس للمشاركة في إطفاءِ شمعة المئوية الأولى لـ «لبنان الكبير» الذي أعلن الجنرال غورو تأسيسه في الأول من أيلول 1920 على أنقاض الامبراطورية العثمانية التي انهارت عقب الحرب العالمية الأولى، والذي دشّنت ولادته مرحلةَ الانتداب الفرنسي وصولاً إلى استقلال 1943.

وإذ خفتتْ المَظاهرُ الاحتفاليةُ بـ «المئوية» التي اقتصرتْ على استعراضٍ جوي فرنسي، رُسمت خلاله ألوان العَلم اللبناني في السماء مرتين، الأولى خلال زرع ماكرون صباح أمس شجرة أرز في محمية جاج أو بعيد وصوله (بتأخير نحو 45 دقيقة) إلى الاستقبال الرسمي الذي أقامه له نظيره اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا قبل مأدبة الغداء، لم يكن عابراً أن يترافق طيّ صفحة قرنٍ على «لبنان الكبير» مع رزمةِ أزمات فتّاكة باتت تضع البلاد أمام أسئلةٍ «وجودية» ليس أقلّها هل انتهى لبنان الذي كان، وهل ما زال ممكناً ترميم الوطن «المحطّم»، وصولاً إلى صعود نجم الدعوات المعلنة كما المضمرة (بدأت مع ماكرون وأكملت مع «حزب الله» وعون) إلى نظامٍ جديد على متن عناوين مثل الميثاق الجديد أو العقد السياسي الجديد أو الدولة المدنية أو المثالثة المكتومة، والتي رغم عدم توافر أرضية جدية لها، إلا أنها يُخشى أن تكون بمثابة «زرْعِ بذرةٍ» تستفيد من المناخ الشعبي الغاضب على مجمل الطبقة السياسية لتكريس «فشل النظام» وترْك توقيت «قطف ثمار» تطويره أو تغييره رهْن موازين القوى ولحظة التسويات الكبرى والمقايضات في المنطقة بحسب "الراي الكويتية"

ولبنان الكبير الذي انتزع الأسلاف كيانه برأس مرفوع قبل مئة عام من ‏الفرنسيين، أعاده حكامه بالأمس إلى منصة لطأطأة الرؤوس أمام الرئيس الفرنسي ‏يستمعون صاغرين إلى تعليماته وبهدلاته، يصول ويجول منفرداً في أرجاء البلاد متفقداً ‏أحوال الرعايا اللبنانيين، ويضع جدول مواعيد وما على أفراد الطبقة الحاكمة الرئاسية ‏والسياسية سوى التزامها، أمهلهم أسبوعين لتأليف الحكومة و8 أسابيع لتنفيذ خارطة ‏الطريق التي رسمها أمامهم، ورفع الصوت "والسوط" في وجههم: "إذا لم يحدث تغيير ‏فإجراءات عقابية تنتظركم‎".‎
‎ ‎
وأضافت "نداء الوطن" ما ألمح إليه صراحةً لصحيفة "بوليتيكو"، عاد الرئيس إيمانويل ماكرون ليلاً للتأكيد عليه من ‏دون أي مواربة من "قصر الصنوبر" مانحاً الرؤساء الثلاثة والأفرقاء السياسيين فترة سماح ‏قصيرة حتى تشرين الأول المقبل لإثبات جدية التزامهم بتنفيذ "خارطة الطريق" المتفق ‏عليها لإحداث التغيير المطلوب والشروع في تنفيذ الإصلاحات المنشودة، وإلا فإنّ عقوبات ‏فرنسية وأوروبية ستفرض على الفاسدين في الطبقة الحاكمة. وإذا كانت هذه الطبقة ‏وجدت ضالتها في مبادرة ماكرون باعتبارها رأت فيها مطية جديدة لإعادة تعويم سلطتها، ‏فإنّ التسوية الفرنسية في بعض جوانبها أثارت "نقزة" سيادية وثورية من زاوية الهواجس ‏المتصلة بالغطاء الدولي الذي منحه الرئيس الفرنسي للطبقة الفاسدة نفسها التي انهار ‏البلد تحت حكمها، وصولاً إلى اعتباره أمّن في طروحاته مظلة اعتراف فرنسية بسطوة ‏‏"حزب الله" على الحياة السياسية اللبنانية، عبر تركيزه على الجانب التمثيلي للحزب، برلمانياً ‏وشعبياً، مقابل تهميش حقيقة أنه فصيل مسلّح يؤثّر بسلاحه أو أقله بوهج سلاحه على ‏ميزان القوى ومسار الأحداث والاستحقاقات في البلد، الأمر الذي حرصت مصادر مواكبة ‏لزيارة ماكرون على المسارعة إلى تصويبه، موضحةً لـ"نداء الوطن" أنّ الرئيس الفرنسي ‏‏"تحدث بواقعية عن مسألة "حزب الله" لجهة حتمية أن يكون شريكاً على طاولة الحل ‏السياسي، لكنه كان في المقابل صريحاً ومباشراً في الإضاءة على مناهضة "الوجه الإرهابي ‏للحزب" كما وصفه حرفياً في حديثه لقناة‎ "BRUT" ‎مع تشديده من هذا المنطلق على أن ‏باريس لا تشارك "حزب الله" قيمه ولا تدعمه لكنها مضطرة إلى التعامل مع الواقع والوقائع ‏لإنقاذ الكيان اللبناني من خطر الزوال والوقوع نهائياً تحت قبضة الحزب وسلاحه‎".‎
‎ ‎
وإذ يغادر ماكرون بيروت تاركاً وراءه أجندة مطلوب تنفيذها "بحذافيرها" من قبل مختلف ‏الأطراف السياسية تحت طائل التهديد بسحب فرنسا يدها من الحل اللبناني وترك زعمائه ‏الفاسدين يواجهون مصيرهم تحت مقصلة عقوبات أميركية - أوروبية مشتركة، تنطلق ‏الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس المكلف مصطفى أديب في عين التينة اليوم لرصد ‏مؤشرات التزام الكتل بمضامين الأجندة الفرنسية الناظمة لتشكيل حكومة "مهمات" محررة ‏من أثقال الودائع والحسابات الحزبية والشخصية خلال "أسبوعين كحد أقصى" تمهيداً ‏للمسارعة في تنفيذ باقي بنود هذه الأجندة بين مجلسي الوزراء والنواب قبل انتهاء مهلة ‏‏"الأسابيع الثمانية" التي أعلن عنها ماكرون للبدء في تطبيق الإصلاحات المطلوبة في قطاع ‏الكهرباء والنظام المصرفي والمالي والتعاقدي بغية تحرير مساعدات "سيدر" وتنظيم ‏مؤتمر دولي جديد الشهر المقبل في باريس برعاية أممية لحشد دعم متجدد لاستنهاض ‏لبنان، على وعد منه بأن يعود في كانون الأول إلى بيروت لمعاينة التقدم الحاصل ميدانياً‎.‎
‎ ‎
وبينما ستكون استشارات اليوم مجرد إجراء "فولكلوري" كان من الأجدى تجاوزه أو اختصاره ‏بالاستناد إلى مواقف الكتل المعلنة من عملية التأليف وتأكيداتها المتكررة على عدم وجود ‏مطالب أو شروط مسبقة لديها لتشكيل الحكومة العتيدة تسهيلاً لمهمة الرئيس المكلف، ‏تأتي مشاركة "اللقاء الديمقراطي" في الاستشارات على مضض بعدما تأرجح التوجه بين ‏المشاركة وعدمها خلال المناقشات التي دارت على طاولة الكتلة مساءً، حسبما كشفت ‏مصادرها لـ"نداء الوطن"، موضحةً أن الأرجحية كانت في نهاية المطاف إلى مشاركة ‏‏"اللقاء" في الاستشارات من باب احترام إلزاميتها "وإن كان التوجه العام بدا ميالاً أكثر نحو ‏اتخاذ قرار بعدم المشاركة في الاستشارات النيابية اليوم باعتبار "اللقاء الديمقراطي" أعلن ‏صراحةً أنه لا يريد المشاركة في الحكومة المنوي تشكيلها، وبالتالي لا يرى داعي للحديث مع ‏الرئيس المكلف حول مسألة الحقائب وغيرها". وجددت المصادر في "نداء الوطن" التشديد في المقابل على ‏أنّ "موقف اللقاء والحزب الاشتراكي من الحكومة المرتقبة معروف وتم التعبير عنه علناً، أما ‏في ما خصّ مطالبه فتم تجسيدها من خلال المذكرة التي قدمها رئيس "الحزب التقدمي ‏الاشتراكي" وليد جنبلاط أمس إلى الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر وأكدت في عناوينها ‏على الأفكار والاقتراحات الإنقاذية التي يجب أن تنبري الحكومة الجديدة لمعالجتها‎".‎

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o