Aug 30, 2020 8:14 AM
صحف

أمين الجميّل: لبنان في عزلة نعيش الفوضى والعشوائية من أركان الحكم

اعتبر الرئيس أمين الجميل في حديث لصحيفة "اندبندنت عربية" أن "من نتائج ما حصل في الآونة الأخيرة وبسبب السياسة اللامسؤولة التي مارستها الحكومات اللبنانية المتعاقبة وتجاهل إقامة علاقات جيدة مع العالم العربي، بخاصة دول الخليج أن اعتُبر عداء فاضحاً بسبب ما يسمى محور الممانعة والمقاومة والهلال الشيعي، على حساب علاقاته الدولية"، مشيراً الى أن "السياسة كانت دائماً في ما مضى حكيمة وحوارية مع العالم حتى أصبحت تحت إشراف إيران وبنفوذ خطير جداً حتى تجاه الدول الأوروبية، ما ترك لبنان من دون أي دعم وأي علاقات كفيلة بمساعدته للخروج من الظروف الصعبة، كل هذه الأمور وتوالي الأزمات جعلت لبنان منعزلاً، يعاني ما يعانيه وصولاً إلى أزمة كورونا وتفجير المرفأ".

وأوضح الرئيس اللبناني الأسبق أن لتفجير مرفأ بيروت تأثيرات خاصة، قائلاً: "تفجير المرفأ له نتائج مأساوية على صعيد لبنان ككل لأن هذه المنطقة هي قلبه النابض ومحور الاقتصاد والحياة الاجتماعية والأكاديمية كذلك كان لهذه الكارثة تأثير بالغ في الواقع اللبناني، وأعتقد أنه لن يكون سهلاً على البلد أن يتجاوز هذه المرحلة وسيبقى يتخبّط في نتائجها فترة من الزمان".

وعن تصوّره للخروج من المأزق السياسي الراهن، شدد على أن "ضروري أولاً من أجل معالجة الوضع، إيجاد "مُحاوِر" يجسّد الإرادة اللبنانية ويحيي الثقة"، مشيراً الى أن "المؤسف أن هذا المحاور غير موجود ومن الصعب إيجاده بسبب هذه الضغوط وإن صحّ التعبير الوصاية على لبنان والطاقم السياسي اللبناني من قبل فريق معين قريب من إيران هو حزب الله، مع تسوية سياسية أدت إلى انتخاب رئيس قريب جداً من طهران إيران وحزب الله أسهما مساهمة فعالة في إيصال الرئيس ميشال عون إلى هذا الموقع إذاً كيف يمكن الخروج من هذا المأزق، هذا سؤال في الواقع، لا نملك إجابة عنه في الوقت الراهن".
 

وعن قراءته ملابسات الواقع السياسي اللبناني الراهن وتداعياته، لا سيما بعد تفجير مرفأ بيروت المروّع، قال: "في الواقع لا أريد التوقف عند المسؤوليات المباشرة. لكن التعاطي مع الشأن العام كان سيّئاً جداً، وأخطر ما عانيناه في السنوات الأخيرة قبل الأحداث التي نعيشها اليوم، هو الأزمات الاقتصادية والمالية والعملة وكورونا، تأسست بفعل التعاطي السيّء في الشأن العام ما ولّد أزمة ثقة تلخّص كل ما نعيشه اليوم، وبالأحرى عدم وجود ثقة على الإطلاق".

وأضاف: "هناك هوّة كبيرة جداً بين السياسيين وبين الشعب، وفراق عميق نتيجة تفكّك الإدارة اللبنانية والحوكمة إلى منذ فترة طويلة حتى نستطيع القول إننا نعيش الفوضى والعشوائية واللامبالاة من أركان الحكم، إذ عمل كل على هواه وانطلاقاً من مصالحه ومصالح ربعه على حساب الدولة والشعب، ما أدى إلى تراكم الأزمات والفساد وقلة الإدراك في تسيير الشأن العام. وهناك دلائل عدة، نتوقف عند إحداها، مثلاً الموازنة الوطنية التي كان يقرّها مجلس النواب وعلى مدى السنوات الماضية كانت تنذر بهذه العواقب، إذ كان الإنفاق يفوق المداخيل (الدخل) بأشواط، من دون إدراك خطورة هذا الواقع وأين تكمن المصلحة العامة والحدّ الأدنى من انتظام الموازنة التي يجب أن تخدم المصلحة العامة مالياً واقتصادياً واجتماعياً فالتصرف العشوائي في المال العام وصل إلى مديونية تبلغ أكثر من 100 مليار دولار في بلد صغير لا يحتمل كل هذه العشوائية والزبائنية".

وتابع: "لا أريد العودة إلى الوراء مع الحالة التي وصلنا إليها، بل أفسّر الواقع الذي نتخبّط فيه وعدم إدراك الطاقم السياسي الذي كان أقرب إلى الزبائنية وإهمال الصالح العام وعدم انسجامه مع الواقعين الدولي والإقليمي ومطالبه عندما تعثرت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ما جعل المعالجة الآن صعبة جداً بسبب هذه التراكمات".

وشدد على أن "لبنان مرّ بأزمات عدة، بدأت بانعكاس عدم التوازن في الموازنة والبلبلة في الخزينة العامة والمالية العامة وبدأ التعثّر، بخاصة مع الضائقة الإقليمية فقد كان يعوض على سدّ النقص في الموازنة بالأموال التي يرسلها المغتربون اللبنانيون والمشاريع التي كان يقيمها أصدقاء لبنان في البلد كل ذلك تعثّر بسبب الأزمة المالية العامة واعتبارات أخرى عالمية وإقليمية، إضافةً إلى عنصر مهم جداً فقده البلد الذي كان معروفاً بانفتاحه على العالم، لا سيما العالم العربي، خصوصاً دول الخليج التي كانت تعامله كأخ عزيز وتوظّف فيه الأموال وتقف إلى جانبه على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتدعمه كلما دعت الحاجة".

لكن قد يوجد ما يدعو إلى التفاؤل قائلاً: "ما يجعلنا نتفاءل هو انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، إذ حصل نوع من الانقلاب الذهني والصدمة الإيجابية على الساحة اللبنانية بحيث تجمّع الشعب بكل فئاته من مسلمين ومسيحيين، ومن الشمال والجنوب ومن اليميني واليساري في ساحات العاصمة للمطالبة بالإنقاذ والعودة إلى لبنانية لبنان والخلاص من كل الضغوط وكانت هذه الصدمة الإيجابية والوعي الكبير على صعيد الشعب الذي اجتمع ليقول كلمة "كفى" وينتفض على كل هذه الطبقة الحاكمة التي أوصلت لبنان إلى كل ما وصل إليه".

ولفت الى أنها "ظاهرة فريدة في تاريخ لبنان حصلت في 2005 مع استشهاد الرئيس الحريري لكنها لم تكن بهذا التنوع والكثافة، ويمكن أن نطلق عليها انتفاضة الضمير اللبناني إن صحّ التعبير، والوعي اللبناني كنوعٍ من رسالة قوية جداً تقول لكل من تحمل مسؤوليات "كفى" وتطالب بالمحاكمة الجماعية لكل الذين أجرموا في حق لبنان، لأن ما حصل جرم بكل معنى الكلمة بحق الشعب اللبناني والمصير اللبنانيي إذاً هذه الانتفاضة هي مبعث الأمل لأننا نعتبرها فرصة، علينا تفعيلها وترجمتها سياسياً وانتخابياً على الأرض لتكون بداية الخلاص لذلك هناك بعض السياسيين يطالبون بانتخابات مبكرة وهو منطق سليم لأنه الطريق الوحيد لعزل هذه الطبقة الموجودة بفعل الجماهير المنتفضة والثورية التي تطالب بالحداثة والشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة فإذا مكّنا هذا الشعب من أن يعبر عن إرادته ومشاعره وأهدافه ومشاريعه المستقبلية الشافية للبنان، ستكون بداية المرحلة، علماً أن الحكام يعملون على التصدي لهذه الحركة للحفاظ على نفوذهم ومصالحهم ومكتسباتهم".

واعتبر أن "الآن، هناك صراع بين الطبقة الحاكمة الجشعة وبين الثورة الشعبية العارمة الصادقة الشفافة التي تعمل لانتشال لبنان من المستنقع الذي يتخبّط فيه في الوقت الحاضر، ونحن الآن أمام هذه المعضلة. والسؤال الواضح، هل يمكن لهذه الثورة أن تفرض مشروعها اللبناني الإنقاذي أم ستنتصر الطبقة السياسية بإبقاء لبنان في هذه الحالة اللاوجدانية؟".

وعن دور الدول الصديقة للبنان، قال أمين الجميل: "هناك مسؤولية على أصدقاء لبنان، لا سيما الدول التي تؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن تساعد هذه الثورة. وهذا ليس تدخلاً في شؤون السيادة أو اصطفافاً إلى جانب فريق على حساب آخر، إنما دعم للبنان الإنسان ولكي يعود إلى أداء رسالته، لبنان ضرورة لمنطقة الشرق الأوسط، لذا على أصدقائه أن يساعدوه وينقذوه من هذه الدوّامة".

وعن اتفاق الطائف الموقّع في السعودية عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية وماذا بقي منه، قال: "مع كل تقديري لاتفاق الطائف، لا شك في أن له حسنات كثيرة، إذ عملت عليه السعودية التي أوقفت الأزمة، لا سيما الصراع اللبناني الفلسطيني في السبعينيات، لكن الضغوط التي مورست في ذلك الوقت من سوريا على المفاوضات، أدت إلى إزاحة الاتفاق عن أهدافه الحقيقية، ما أوصلنا إلى نوع من الهرطقات مع تقديرنا له. ولا أريد أن أستثير بعض الفئات اللبنانية التي ترى فيه اتفاقاً مقدّساً، بحيث أدخلت بعض البنود التي كانت تعتبر إصلاحات، ففكّكت المؤسسات التي كانت تضبط أداء السياسة اللبنانية ومنذ ذلك التاريخ، بدأت الإدارة تنحرف عن مسارها الطبيعي من دون مؤسسات رقابية مثلاً كالتفتيش المركزي الذي لم يعد له أي تأثير أو فائدة وأيضاً ديوان المحاسبة. مؤسسات أساسية في الدولة اللبنانية تقريباً تعطّلت، ما سهّل منطق الفساد والتضعضع على الصعيد الإداري".

ورأى أن "تفكّك الإدارة اللبنانية وتزعزع المؤسسات الحامية للدستور وحقوق الإنسان وضبط فرض الشفافية أزّمت الوضع السياسي، ما أفقد المواطن ثقته بالدولة، لذا بدأت حديثي بالقول إن المشكلة الحقيقية هي فقدان الثقة. وموضوع عدم الثقة بالمؤسسات الحامية للدستور وتلك الاقتصادية والاجتماعية والتي تعنى بحقوق الإنسان وإرساء الاستقرار، كان أيضاً بسبب مجيء طاقم سياسي اعتبر نفسه القانون والدستور ولا يتمتّع بالضمير والوطنية التي تضمن الصالح العام وأصبح كل وزير أو مسؤول يتصرف في إطار عمله كالآمر الناهي كأنه صاحب القرار ومراقبة القرار وكأنه الصالح العام في الإدارة اللبنانية، بالتالي انحرفت المؤسسات بالشكل الذي شهدناه في الآونة الأخيرة.

وحول رؤيته لموقع حزب الكتائب من الوضع اللبناني الراهن، صرّح: "بكل موضوعية، أقول إنه إذا عدنا إلى تاريخ حزب الكتائب، مدرسة بيار الجميل الذي كان شعاره 'لا توجد شطارة إلّا بالصدق'، فهذا الرجل لا يمكن لأحد أن ينال من شفافيته ونزاهته، والسياسة اللبنانية تتكلم عن نزاهة مؤسس حزب الكتائب الذي يتفاخر بأنه في خدمة لبنان والشفافية من ضرورات العمل الوطني والخدمة العامة. البعض يعتبر هذا الكلام غير موضوعي، لذلك كنا خارج المنظومة الانتهازية وممارستنا في الآونة الأخيرة دليل على ذلك، وفي ظروف عدة، استقال وزراؤنا من الحكومات، اعتراضاً على عدم الشفافية ومن البرلمان عندما اعتبرنا أن ليس له مكان في هذه المنظومة الجهنمية التي تدير البلد ولن يستطيع أن يغيرها. انسحب واشترك مع الثوار معتمداً مبدأ الثورة مع المبشرين بها والداعمين لها. هذا هو حزب الكتائب".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o