Jul 27, 2020 6:35 AM
صحف

السلطة تواجه العاصفة الوبائية بوتيرة سلحفاتية بطيئة

كتبت صحيفة " النهار": ‎حتى الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة بدت كأنها همشت وهبطت من أعلى ‏درجات الأولويات اللبنانية الضاغطة، مع اشتعال خطر غير مسبوق حاصر اللبنانيين في ‏مختلف المناطق من خلال زحف متدحرج تصاعدي للاصابات بفيروس كورونا بما ينذر ‏بانزلاق وتفش وبائي قد يكون الوقت فات لاحتوائه استناداً الى بعض أكثر النظريات الطبية ‏تشاؤماً. ما جرى في الأيام الأخيرة، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع شكّل الانتكاسة الأشد ‏خطورة في لبنان منذ تمدّد آليه الوباء في شباط الماضي، إذ أطاحت الأرقام القياسية ‏للإصابات وتوزعها واتساعها في مختلف المناطق كل ما تباهت به الحكومة والسلطات ‏اللبنانية في المراحل السابقة من تحقيق انجاز احتواء الانتشار الوبائي وبقاء الأعداد دون ‏المستويات الخفيفة‎.‎‎ ‎
لكن الخطر الزاحف مع القفزات الساخنة للإصابات متخطية معدلات يومية فوق الـ150 ‏اصابة، أثارت ذعر الأوساط الطبية المعنية في الدرجة الأولى التي كادت تجمع عبر نقابة ‏الأطباء أو عبر الأطباء الخبراء على أن لبنان يقترب من مرحلة مخيفة قد لا تتجاوز منتصف ‏آب بحيث يخشى معها أن يعجز الجسم الاستشفائي بكامل قدراته عن الاستجابة لموجبات ‏معالجة مرضى الكورونا بما يضع لبنان أمام استحقاق مخيف بكل معايير الذعر. ولعل ما زاد ‏مناخ الخوف تفاقماً أن الانتشار الوبائي اقتحم للمرة الأولى مجلس النواب كما نقابة ‏المحامين والمحاكم التي ستتوقف أربعة أيام هذا الأسبوع. وبدأ أعضاء مجلس النواب إجراء ‏فحوص منذ السبت الماضي عقب كشف النائب الزحلي جورج عقيص اصابته بالفيروس، ‏وأعلن تباعاً عن إجراء عدد كبير من النواب بدءاً بالرئيس نبيه بري الفحوص الخاصة بكورونا ‏وجاءت نتائجهم سلبية، علماً أن المجلس سيقفل أبوابه اليوم وغداً لاستكمال إجراء الفحوص ‏قبل معاودة جلسات اللجان النيابية. كما أن وزيرة الدفاع زينة عكر أعلنت عن إصابة ابنتها ‏بالفيروس‎.‎‎ ‎
ومع ذلك، اتّسمت الحركة الرسمية حيال العاصفة الوبائية بوتيرة سلحفاتية بطيئة، حتى أن ‏قصر بعبدا وجد متسعاً من الوقت لمهاجمة "القوات اللبنانية" ومنتقدي موقف رئيس ‏الجمهورية العماد ميشال عون الطاعن في قانون التعيينات الذي أخذ به المجلس ‏الدستوري ولكن لا الرئاسة ولا رئاسة الوزراء ولا الحكومة مجتمعة أعلمت اللبنانيين بما يجب ‏أن تقوم به الدولة بكل مؤسساتها وقواها لاستدراك الكارثة التي ينزلق اليها لبنان مع تفلت ‏الانتشار الوبائي لكورونا على نحو يصعب السيطرة عليه‎.‎‎ ‎
وبدت عطلة نهاية الأسبوع أشبه بعداد مشؤوم للإصابات التي توزعت في كل الاتجاهات، ‏فيما بدا السلاح الوحيد الدولة والحكومة إلقاء المسؤولية كاملة على المواطنين وتوبيخهم ‏وتقريعهم لإهمالهم الإجراءات الوقائية الحتمية لحماية انفسهم من الإصابات من غير ان ‏تتخذ أي إجراءات حاسمة وصارمة فورية لمنع الأسوأ‎.‎
‎ ‎وما زاد الطين بلّة أن تصريحات وزراء ومعنيين راحت تتخذ طابع المزايدة والتسابق على ‏إرعاب الناس من غير أن يفهم أحد أي منحى ستتخذه الحكومة لإلزام المواطنين الالتزام ‏الصارم للإجراءات المعروفة في مواجهة زحف الوباء علماً أن يوم السبت سجّل العدد ‏القياسي الأعلى اطلاقا منذ تمدد وباء كورونا الى لبنان إذ بلغ 175 إصابة. كما أن عدّاد ‏الإصابات مضى في تسجيل أعداد مرتفعة أمس فبلغ مجموع الاصابات 168 بينها 152 ‏إصابة محلية و16 إصابة وافدة وبرز عامل مقلق جداً تمثّل في تسجيل أربع حالات وفاة في ‏الساعات الـ24 السابقة رفعت مجموع الوفيات الى 51 منذ شباط الماضي وبلغ عدد حالات ‏الاستشفاء 137 منها 34 في العناية المركزة‎.‎‎ ‎
التحذيرات الطبية‎ ‎
والواقع أن الصرخات والتحذيرات الطبية حيال خطر بلوغ مرحلة الانهيار الاستشفائي بلغت ‏ذروة غير مسبوقة ووضعت الحكومة أمام حقيقة صعبة للغاية واستحقاق لم يعد ممكناً ‏تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة في شأنه وهو الموازنة بين حتمية اتخاذ قرارات جذرية لفرملة ‏الاندفاع نحو كارثة وبائية وصحية واستشفائية تماثل ما عرفته بعض الدول الاوروبية وغيرها ‏في المراحل السابقة من الجائحة، والاستمرار في تأمين الحد الممكن من الحركة الاقتصادية ‏وسط أصعب الظروف التي يواجهها لبنان. واذا كان هذا الاتجاه يبدو غالباً على المواقف ‏السياسية الرسمية ويتجه مجلس الوزراء الى بلورته في جلسته غداً في قصر بعبدا، فإن ‏الأوساط الصحية والطبية المعنية والمشاركة في لجنة الطوارئ التي تمهد بتوصياتها ‏لقرارات مجلس الوزراء بدأت تجمع بدورها على المطالبة الملحة بإعادة اعتماد قرار إقفال ‏البلد اقفالاً شاملاً ولو موقتاً لفترة أسبوعين، الامر الذي تعده الفرصة المتاحة الأخيرة لمنع ‏الكارثة أو على الأقل لفرملة اندفاعاتها، والا فإن المحظور المخيف سيقع اذا استمر الرهان ‏الخاسر على تقيد المواطنين بالاجراءات الملزمة من وضع الكمامات والابتعاد الاجتماعي ‏وتفادي التجمعات‎.‎‎ ‎
ولكن بدا من الدعوة التي وجهت أمس الى المجلس الأعلى للدفاع لعقد جلسة قبل ظهر ‏غد تسبق جلسة مجلس الوزراء أن ثمة اتجاها الى اتخاذ اجراءات متشددّة لن تكون أقل من ‏إقفال جزئي لعدد من القطاعات السياحية والاقتصادية من جهة، ومنع التجمعات والحفلات ‏والتشدّد في قمع المخالفات من جهة أخرى. وستتقرّر هذه الخطوات بصورة مبدئية في ‏اجتماع تعقده اليوم اللجنة الوزارية المكلفة متابعة التمدد الوبائي لكورونا برئاسة رئيس ‏الوزراء حسان دياب. وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" انه ستتضح في الساعات المقبلة ‏الاتجاهات التي ستعتمدها الحكومة حيال الاستحقاق الصعب الذي يوجب موازنة الاجراءات ‏والخطوات لمنع مضي العاصفتين من التدحرج، أي العاصفة الوبائية والعاصفة المالية، ‏ذلك أن لبنان يواجه العاصفتين عاريا من القدرات اللازمة ولا بد من توازن دقيق يسمح ‏بانقاذ البلاد من براثن الانهيارين المتزامنين. وفي هذا السياق نفى رئيس مطار رفيق ‏الحريري الدولي فادي الحسن ان تكون ثمة نية لاقفال المطار واكد ان هذا الامر غير وارد ‏بتاتاً، موضحاً انه "لو كانت الزيادة في اعداد اصابات كورونا سببها الركاب الوافدون من ‏الخارج، لكان اقفال المطار واجباً، لكن الحقيقة ان نسبة الاصابات في الوافدين لا تصل الى ‏نحو نصف في المئة بما يعني أن المشكلة هي في كيفية مراقبة القادمين‎".‎‎ ‎
الملف المالي‎ ‎
وعلى رغم طغيان العاصفة الوبائية على مجمل الملفات الداخلية، قالت المصادر الوزارية ‏نفسها ان الملف المالي سيعود الى الطاولة انطلاقا مما بلغته الاجتماعات التي عقدت ‏الاسبوع الماضي وتناولت الارقام المالية في الخطة الحكومية وان المساعي ستتجدد لتوحيد ‏الموقف الرسمي من هذه الارقام تمهيدا لاعادة تحريك المفاوضات مع صندوق النقد ‏الدولي. وأشارت المصادر اىلى ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان- ايف لودريان لبيروت ‏ادت من جملة ما ادت اليه الى تثبيت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كمفتاح اساسي ‏للمعالجات كما ينظر اليها المجتمع الدولي وهو ما يحمل لبنان تبعة اكبر في التعجيل في ‏الاتفاق على الارقام المالية لمعاودة المفاوضات‎.‎

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o