Apr 28, 2020 8:55 AM
خاص

مرقص يفنّد تشابك صلاحيات السلطة التنفيذية مع "النقدية":
لإقالــة حاكم مصرف لبنان شـروطٌ ضيّقـة جـداً

المركزية- يناقش مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة قبل ظهر اليوم في السراي جدول أعمال يتضمّن بند "إجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية إلى الخارج، واتخاذ إجراءات في حق أصحابها" الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان هذا الطرح بمثابة ضربٍ للسرية المصرفية؟!

المرجع القانوني ورئيس "جوستيسيا" المحامي الدكتور بول مرقص رأى في معرض تعليقه على هذا البند، أن "القوانين الموجودة كافية لمكافحة الفساد، والمطلوب فقط تفعيلها من قبل الهيئات المختصة وتطبيقها".

واعتبر في حديث لـ"المركزية" أن "إقالة حاكم مصرف لبنان تكون اختيارية من قبله، إلا في حال كان هناك عجز صحي، أو في حال لم يتفرّغ الحاكم لأعماله في البنك المركزي بحسب الأصول، كما في حال ارتكب جرائم وظيفية أو خطأ فادحاً يكون شخصياً وليس مرفقياً"، مشدداً على "وجوب توثيق الخطأ إذا ما ارتُكب، ويظل تقدير الخطأ الفادح عرضة للطعن به أمام مجلس شورى الدولة".

وعن بنود ورقة الحكومة الإصلاحية، قال إنها "تحمل نفَساً اصلاحياً بمجرد أنها تطرح بهذا الشكل وفيها سعي وجهد، وخلفيّتها من دون شك حميدة حيث تظهر جلياً جهود وزيرة العدل الجبّارة في هذا المجال على رغم بعض الملاحظات حيث في بعض الأحيان يكون الجهد غير مؤاتٍ للقواعد القانونية وعلى سبيل المثال: ماهو مطروح على طاولة مجلس الوزراء اليوم، يتعلق بشكل كبير بالكشف عن ثروات الوزراء والنواب والإداريين ونافذين سياسيين وأمنيين وغيرهم حاليين وسابقين، ومقارنة ثرواتهم قبل وصولهم الى الحكم وبعده، هناك أمور تتعلق بالسرية المصرفية ورفعها، لكن هناك تناقض، إذ تلحظ مجانبة أحياناً إن لم نقل خروجاً عن القواعد القانونية. فمنذ نحو أسبوع أو أقل أقرّينا قانون "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" عندما نقرّ هكذا قانون يتوجب عليها العمل وليس أن نعمل عوضاً عنها، أي ينتقل الدور اليها وليس على الحكومة أن تقوم بهذا الدور".

وتابع: كذلك لا يعود الى الحكومة أن تتجاوز دور القضاء، بل على العكس يتوجب عليها أن تعطي استقلالية للقضاء لتمكنه من أداء دوره.

وفي سياق المغالطات، أضاف: عندما نتكلم عن قانون الإثراء غير المشروع يجب التحقق من انطباق المادة/4/ منه على هذه التدابير الاستثنائية الاصلاحية حيث أن تصاريح الإثراء غير المشروع تكون عندما يتولى أحدهم السلطة فيقدّم هذا التصريح الى المرجع المختص وهو سرّي لا يمكننا الاطلاع عليه إلا في حال الشبهة على الشخص، ولكن هذه الورقة تقول إن لا شبهة على أحد إلى حين اتضاحها... فكيف سيطلعون على المغلفات السرية أو مَن تقدّم بالتصريح؟!

وأعطى مثلاً آخرَ قائلاً: عندما نرفع السرية المصرفية عند التعاقد بين الدولة والمتعهدين أو المقاولين. لكن السرية المصرفية تتعلق بالنظام العام وهو غير قابل  للتنازل عنه. أي أن الفرد يستطيع الذهاب ورفع السرية المصرفية عن حسابه لصالح شخص آخر، ولا إمكان لتنازل كامل عن السرية المصرفية وإلا بَطُل سبب وجودها وفلسفتها وما تبقى منها، وأعتقد أن ما تبقى منها هو شئ جيد.

أضاف: هناك أيضاً تجاوز لدور "هيئة التحقيق الخاصة" في مصرف لبنان وهي ذات طابع قضائي وفقاً للقانون 44/2015 ومهمتها التصدي للفساد والإثراء غير المشروع واختلاس الأموال العامة والخاصة وجرائم السلطة من صرف نفوذ واستغلال للنافذين السياسيين والامنيين... أي أن السلطة التنفيذية متمثلة بالحكومة تختصر بهذه الورقة أدوار مؤسسات أخرى منشأة بقوانين كالهيئة المذكورة. كذلك،، فاتفاقية التبادل الضريبي MCAA التي أبرمها لبنان تتعلق بتبادل معلومات ضريبية، فهل يجوز تحميلها أكثر؟! ماذا عن اتفاقية مكافحة الفساد المُبرمة هي الأخرى؟! أين دورها!؟ كما أننا نعطي وزير المال شأناً كبيراً في هذه الورقة، المسألة ليست مسألة أشخاص... اليوم وزير المال شخص يُشهد له، إنما لا يمكننا معرفة من هو وزير المال في المستقبل، وبهذا لا نستطيع إعطاء الصلاحية بهذا الحجم وبهذه الأهمية كلها لشخص واحد.

وفي ملاحظته الأخيرة قال: عند القول عن نظام إصلاحي لملاحقة مَن اختلس أموال الخزينة العامة، يجب إعطاء مجال للتسويات ولا داعي للخوف من ذلك... ففي الولايات المتحدة الأميركية وكثير من دول العالم هناك مجال للتسوية، أي يمكن لمَن اعتدى على المال العام التقدّم أصولاً بطلب تسوية لإرجاع الأموال المختلسة رضائياً وهذا أفضل من الملاحقة التي قد تطول المدة وتستهلك جهداً وأموالاً إضافية، وعليه فيجب أن يوضع إطار قانوني لنظام التسوية الرضائية وهو بحاجة إلى تشريع من مجلس النواب. والهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد يمكنها إجراء هذه التسويات ولكن بشرط رقابة مشددة جداً من القضاء بأن يكون هناك اختصاص رقابي قضائي على هذا النوع من التسويات.

تدخل الحكومة بالسلطة النقدية.. من الوجهة القانونية، ما هي حدود تدخّل السلطة التنفيذية بالسلطة النقدية؟

هنا اعتبر مرقص أن "التشريع يجب أن يكون استباقياً والورقة ذات خلفية حميدة لكن مضمونها لا يأتلف مع الفصل بين الصلاحيات"، وقال: في القانون ثمة علاقة تعاون بين مصرف لبنان وحاكمه من جهة، وبين السلطة التنفيذية من جهة ثانية. وهذه العلاقة تشبه، مع الفارق بينهما، العلاقة لهذه الجهة بين المجلس النيابي والحكومي: فصل بينهما وتعاون في آن معاً. وما يعبرّ اكثر عن ذلك المادة 13 من قانون النقد والتسليف التي لا تُخضع مصرف لبنان لقواعد الادارة وتسيير اعماله ولا للرقابة العائدة إلى مؤسسات القطاع العام، لأنه يتمتع باستقلالية، والمادة 26 تعطي أوسع الصلاحيات للحاكم لإدارة المصرف المركزي وتسيير أعماله وهو مكلف بتطبيق قانون النقد والتسليف. ولكن ذلك لا يعني أن هناك تفلتاً، بل يوجد ضرورة بحسب المادة 71 من قانون النقد والتلسيف لتعاون المصرف المركزي مع الحكومة، وبحسب المادة 72 "يُطلع المصرف المركزي الحكومة على الامور التي يعتبرها مضرّة بالاقتصاد والنقد"، ولا يستشير الحكومة بل ان الحكومة هي التي تستشير المصرف بحسب المادة 72 المذكورة". 

أما لجهة دور الحكومة، فـ"المادة 75 من قانون النقد والتسليف تنص على أن يستعمل المصرف المركزي الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع لكنه يعمل في ذلك بالاتفاق مع وزير المال مشترياً أو بائعاً العملات الأجنبية". أضاف: أما المادة الاخيرة التي تعطي جانباً كبيراً من الاهمية لدور ورقابة الحكومة وهي غير مطبقة، فتنص على الدور الذي يقوم به مفوّض الرقابة إزاء قرارت المجلس المركزي، وهنا بيت القصيد، لأن المجلس المركزي اليوم يقوم بدوره الحاكم استناداً إلى الصلاحية التي تعود له بغية تأمين عمل مصرف لبنان إستناداً إلى مبدأ المرفق العام وهو يبني تعميمه وقراراته على هذه القاعدة. فدور مفوّض المراقبة وفقاً لهذه المادة وهي المادة 43 من قانون النقد والتسليف كما يلي: "تعطي مفوّض المراقبة خلال اليومين التاليين لتبليغ قرارت المجلس المركزي، ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفاً للقانون والانظمة ويراجع وزير المال في هذا الصدد. وإذا لم يُبت بالأمر خلال 5 أيام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار في التنفيذ". فدور مفوّض المراقبة لدى هذا المجلس مهم جداً إذا كانت الحكومة راغبة في تفعيل صلاحياتها تجاه حاكم المصرف المركزي.و بروحية هذا القانون فإنه يجب التعاون لأن المصلحة واحدة وهي الاستقرار المالي والنقدي في البلاد، ولا يمكن تخيّل حكومة على نقيض مع ​حاكم مصرف لبنان.

وأضاف: للحكومة صلاحية على المصرف المركزي لكن لا ترتقي هذه الصلاحية إلى حدود وقف أعماله، وحتى أن لإقالة الحاكم شروطاً صعبة في القانون وضيقة جداً بحسب المادة 19 من قانون النقد والتسليف.

قراءة في كلام دياب .. وفي السياق، اعتبر مرقص أن "من المثير للاستغراب إعلان رئيس الحكومة حسان دياب في كلمته الجمعة الفائت عن أن الأرقام تكشف خروج مبالغ جديدة من العملات الأجنبية بقيمة 5.7 مليار دولار من الودائع من المصارف اللبنانية خلال كانون الثاني وشباط 2020، إذ كيف يتم ذلك أو يُصار إلى تكديسها في المنازل وسط قيود المصارف على السحوبات وعلى التحويلات التي هي بـ”القطّارة” كما قال.

وعن إعلان رئيس الحكومة ان حاكم البنك المركزي رياض سلامة لم يدقّق في حجم الأموال التي خرجت، وذلك منذ الأول من آذار حتى اليوم، أكد المرجع القانوني أن "لدى حاكم مصرف لبنان صلاحية مراجعة في هذه التحويلات بصفته حاكم "المركزي" وأيضاُ بصفته رئيساً لـ"هيئة التحقيق الخاصة" تحديداً، والتي لا تقوم بوجهها سرية مصرفية"، مشيراً الى أن "هناك طرقاً عدة لمعرفة وجهة هذه الأموال وما إذا كانت الاموال المحوّلة مثلاً، أموالاً مشروعة أو ناتجة عن تبييض الاموال أو تمويل الإرهاب".
وأضاف: ثمة ضرورة لتحديد الموضوع الذي يجب التدقيق به، لأن ليست كل الأموال التي تخرج من لبنان أو التدفقات النقدية محطّ تدقيق، إذ أننا في نظام اقتصادي ليبرالي حرّ بحسب الدستور، ولا نصّ تشريعياً يجرّم التحويل إلى الخارج بل أن التحويل لا يزال مسموحاً Evasion de capitaux وهو يختلف عن التهرّب الضريبي الذي يجرّم Evasion fiscale، وخصوصاً في ظل غياب قانون “كابيتال كونترول”. لكنّ الدكتور مرقص رفض في الوقت عينه "التمييز بين مودِع وآخر بما يتناقض مع ما ينصّ عليه الدستور في ما خصّ المساواة أمام القانون"، معتبراً أن "هذا الامر غير أخلاقي ويمكن وضعه في إطار مخالفة قانونية يقوم بها عدد المصارف، ولا ترقى هذه المخالفة إلى الجرم، لأنه في القانون الجزائي لا جرم من دون نصّ ولا عقوبة من دون جرم". ورأى أنه "كان على الدولة التحرّك من خلال القانون ووضع معايير تراعي العدالة بين المودِعين".
وعن إمكان إصدار تشريع لإلزام محوّلي الأموال بإعادتها، سأل "هل يمكن أن نبتكر جرائم سابقة لإصدار قانون أي بمفعول رجعي؟! وهل في الامكان إبطال عمليات التحويل؟! فالقوانين لا سيما الجزائية منها التي تأتي بعقوبة مستجدة لا تطبّق بأثر رجعيEffet retroactif  فضلاً عن أن قسماً من هذه الأموال يكون قد تبدّد". واعتبر أن "هذا الكلام بحاجة الى مزيد من التدقيق.. فإعادة الأموال المحوّلة عملية معقّدة جداً، وكان يجب استباق التحويلات. وذلك بخلاف استعادة الأموال المختلسة التي تبقى واجباً".

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o