لماذا اُعلنت التعبئة العامة بدلاً من حالة الطوارئ؟
كشف مصدر مطلع على مداولات المجلس لـ"نداء الوطن" أنّ دراسة التدابير والاحتياطات الواجب اتخاذها في زمن كورونا لم تنتهِ إلى طلب إعلان "حال الطوارئ" لأنّ مثل هذه الحالة تُعلن "في وضع أمني أكثر منه صحي، ولأنّ فرض الطوارئ يعني أن يُمسك الجيش بزمام الأمور وهذا ما لا توجد له مبرراته في الوقت الراهن، فتم استبدال "الطوارئ" بـ"التعبئة العامة" إثر اقتراح الوزير السابق ناجي البستاني الذي كان حاضراً الاجتماع بصفته مستشاراً قانونياً، استناداً إلى المادة 2 من قانون الدفاع الوطني". وعن إقفال مطار رفيق الحريري الدولي، أوضحت المصادر أنّ "أكثر من فكرة تم التداول بها في هذا الموضوع بين الإقفال التام لفترة أسبوع وبين خفض عدد الرحلات من بعض الدول غير الموبوءة ووقفها من الدول الموبوءة فتقرر ترك القرار النهائي بهذا الصدد إلى مجلس الوزراء".
الفرق بينهما: وكشف مصدر عسكري لـ "الأنباء" أن الفارق ليس كبيرا بين التعبئة العامة وحالة الطوارئ إلا بالشق المتعلق بالجهة التي تتخذ القرارات، ففي التعبئة العامة تبقى الجهة السياسية المتمثلة برئاستي الجمهورية والحكومة هي مصدر القرار، لأن رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس الدفاع الأعلى وهو الذي يصدر الأوامر بالتشاور مع الحكومة مجتمعة باعتبارها السلطة التنفيذية. أما عند إعلان حالة الطوارئ فتصبح القرارات من صلاحية قيادة الجيش ولا يعود للسلطة السياسية أي تأثير عليها الا بعد انتفاء الأسباب التي أملت على السلطة السياسية اعلان حالة الطوارئ.
وفي هذا الإطار، يقول الوزير السابق المحامي زياد بارود، في اتصال مع "الأخبار"، إنّه في حال فرض الطوارئ "مُمكن أن يؤدّي ذلك إلى تقليص دائرة بعض الحريات، بينما في التعبئة العامة الصحية تُرفع الجاهزية؛ فيُمكن مثلاً أن يتقرّر تحويل مبنى إلى مستشفى". الفارق الثاني أنّه في حالة الطوارئ "يُمكن فرض حظر تجوال، الأمر الذي من غير المُمكن فرضه في التعبئة العامة". أما الفارق الثالث، فيكمن في أنّ حالة الطوارئ بحاجة إلى موافقة أكثرية الثلثين في مجلس الوزراء. ولكن ألا يُعتبر الطلب من المواطنين ملازمة منازلهم إلا للضرورات القصوى، نوعاً من حظر التجوال؟ يوضح بارود أنّ "الحظر يعني أنّ الشخص ممنوع من الخروج من منزله، وهذا الإجراء لم تتخذه الحكومة". هناك خيط رفيع بين التعبئة والطوارئ، حتى في ما خص الأولى "إجمالاً تُطبّق في الحالات العسكرية، ونادراً أن استُخدمت في مواجهة وباء، فمفهومها عسكري أكتر مما هو صحي". رغم ذلك يعتبرها بارود "مخرجاً مقبولاً، لأن إعلان حالة طوارئ ممكن أن ينطوي على تقليص واسع للحريات أو تعليق بعض الأحكام القانونية. تبقى العبرة في التنفيذ".
وذكرت "الجمهورية" انّ مجلس الوزراء ناقش ورقة معدّة مسبقاً حول إجراءات الحكومة. وحصل نقاش مطوّل دام نحو ساعتين في البند الأول المتعلق بحظر التجول وطريقة تعاطي الجيش والأجهزة الأمنية مع هذا الأمر وإمكانية الملاحقة القانونية. وكان الرأي الطاغي أنّ منع اللبنانيين من الخروج سيفتح على أزمات أخرى متعددة، منها عدم تمكّن المواطن من تسيير أعماله. فاستقر الرأي عند الاكتفاء بمنع التجمعات والاكتظاظ.
وقف حركة الطيران: وفي بند وقف حركة الطيران تمّ الاتفاق بداية على أن يستمر الاقفال حتى 22 من الحالي، ثم يتخذ بعده رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قراراً بالتمديد حسب المستجدات. لكن عدداً كبيراً من الوزراء أصرّ على اتخاذ قرار الاقفال حتى 29 الجاري أسوة بمدة الإجراءات الاستثنائية الأخرى. لكن مستشارة رئيس الحكومة بيترا خوري اقترحت أن يفتح المطار لمدة يومين بعد 22 الجاري ثم يقفل حتى 29، عندها طلب الوزير عباس مرتضى طرح الأمر على التصويت فصوتت الغالبية على الاقفال حتى 29.
اعفاء مساجين: وطرحت وزيرة العدل مشكلة ان هناك 120 سجينا انهوا محكومياتهم لكن لا أموال لديهم لدفع الكفالات و مجموعها 650 مليون ليرة وطلبت من وزير المال تغطيتها فاعترض على هذا الأمر وطلب رؤية الأسماء ومعرفة ما اذا كان لهم علاقة بمجموعات إرهابية فاستاء رئيس الحكومة من هذا الأمر وأقترح إعداد مرسوم لاعفائهم من هذه الرسوم.
وفي تفسير للخطوة التي اتُخذت في المجلس الأعلى للدفاع امس، قالت مصادر قانونية شاركت في اللقاء لـ "الجمهورية"، انّه قبل اعطاء هذا التفسير، تجدر الإشارة، انّ اعادة ترتيب المواعيد الخاصة بإجتماعي المجلسين وتقديم موعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع على موعد جلسة مجلس الوزراء، وضع الخطوات الضرورية في نصابها القانوني والدستوري الطبيعيين، وهو ما انتهت اليه الإتصالات التي سبقتهما اثناء البحث في ما يمكن اتخاذه من مواقف وترتيبات لمواجهة ما طرأ على أزمة الكورونا وتردداتها والبحث في الآلية الواجب اللجوء اليها.
تعبئة لا طوارئ
وقالت المصادر المعنية لـ "الجمهورية"، عند البحث في تحديد الخطوات التي يمكن اتخاذها، إستقرّ الرأي على عدم الوصول الى مرحلة اعلان "حال الطوارئ"، فكان اللجوء الى اعلان "التعبئة العامة" التي يمكن أن تمهّد لها. وهي حال تنصّ عليها المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي الرقم 102/1983 من قانون الدفاع الوطني مع ما تستلزمه من خطط وأحكام خاصة بطريقة تشكّل استمراراً للتدابير والإجراءات التي سبق لمجلس الوزراء أن إتخذها في جلساته السابقة.
ما قرّره مجلس الدفاع
وأضافت المصادر، انّه وعلى هذه الخلفيات، اجتمع المجلس الأعلى للدفاع بعد ظهر امس في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبيل اجتماع مجلس الوزراء، وانتهى الى ترك القرار لمجلس الوزراء لمواجهة خطر فيروس "كورونا"، بالتعبئة العامة مع ما تستلزمه من خطط وايضاً احكام خاصة تناولتها هذه الخطوة، تاركة لمجلس الوزراء اتخاذ القرارات التنفيذية التي يُمكن تطبيقها.
وفي الأسباب الموجبة قالت المصادر، انّ بلوغ مرحلة اعلان "حال الطوارئ" ليس اوانه، لما لهذه الخطوة من مستلزمات وكلفة مادية لا حاجة للجوء اليها الآن، وانّ مواجهة ما يحصل يكفي بإعلان حال التعبئة العامة. ولذلك دعا رئيس الجمهورية الى الاجتماع، بالإضافة الى اعضائه كافة، مستشار وزارة الدفاع الوزير السابق ناجي البستاني، لتقديم الشرح القانوني لهذه الخطوة ومستلزماتها لتسهيل المراحل التنفيذية.
منع الاحتكار والتلاعب
وقال احد اعضاء المجلس لـ "الجمهورية"، انّ البحث تركّز، بالإضافة الى البنود التي تضمنتها الفقرتان الأولى والثانية من المادة الثانية على البند "د" الذي تناول إمكان "مصادرة الاشخاص والاموال وفرض الخدمات على الاشخاص المعنويين والحقيقيين. وفي هذه الحالة تُراعى الاحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ". وهو الشق الإجرائي الذي يمكن اللجوء اليه لتسهيل عبور مرحلة "التعبئة العامة".
وبموجب هذا البند، في حال قرّر مجلس الوزراء اللجوء اليه، يعني تكليف القوى العسكرية والأمنية وضع اليد مباشرة على مستودعات المواد الغذائية والمشتقات النفطية ومستلزمات الحياة اليومية للمواطنين. بالإضافة الى مراقبة كل ما يمكن اعتباره من مستلزمات صمود الشعب اللبناني امام وباء شكّل خطراً على الصحة العامة والأمن القومي، وضمان توفير مقومات الحياة اليومية للمواطنين ووقف كل أشكال الإحتكار والتلاعب بالمواد الإستهلاكية ومنع حجبها عن المواطنين وتوفيرها بالأسعار القانونية.
كما تقضي هذه الترتيبات، ان تقوم الوزارات والمؤسسات المعنية بأدوارها الطبيعية وفق اختصاصاتها، على ان تأخذ القوى العسكرية والأمنية دورًا ضابطاً للوضع الى جانبها، بالإضافة الى التشدّد في التدابير التي يجب اتخاذها على مداخل المخيمات الفلسطينية وتلك التي تأوي النازحين السوريين كما على الحدود البرية والبحرية والجوية.
الاستثناءات: وقالت مصادر مطلعة لـ"اللواء" ان المعطيات التي توافرت لدى الدولة صبت في اتجاه إعلان التعبئة العامة، مكررة ان حالة الطوارئ العامة لها موجباتها العسكرية وتنم عن إجراءات مختلفة.
ولفتت إلى أن الاستثناءات التي تركت في القرارات هي من أجل تأمين الحد الأدنى من الحركة في القضايا الملحة (شركات تأمين، الدفاع المدني)، وعلم ان بقاء المهن الحرة الذين حضروا جلسة مجلس الوزراء عرضوا للمعطيات التي يملكون وتحدث كلٌ وفق اختصاصه، في حين عرض رئيس الصليب الأحمر لجهوزية الصليب الأحمر وتكاليف مهماته، وقال ان كلفة البذلة الوقائية الواحدة تبلغ 770 دولاراً أميركياً، وقال ان سيّارات الصليب الأحمر نفذت 129 عملية نقل.