دياب يقود إنقلاباً على الوضع القائم: الحكومة امام خيار من اثنين والا....
للمرة الأولى يكون لبنان أمام مفترق خطر ومصيري، ذلك انه على رغم الحروب المتتالية التي شهدها تاريخه الحديث، فإن نموذجه الاقتصادي القائم منذ زمن والذي يتميز بحرية حركة رؤوس الاموال والودائع بالعملات الأجنبية المتعددة والتجارة الحرة لم يتبدل، بل تصدى لأزمات عدة، ووفر للبنان ضخ أموال وفيرة، وتحويلات كبيرة، واستثمارات كثيرة، أتاحت لهذا النموذج الصمود، قبل ان يتهاوى بفعل السياسات التي تسبب بها أكثر من فريق لبناني بمناصبته معظم الدول الصديقة والدول المانحة والمساعدة العداء، وتهجير الاستثمارات، وتعريض لبنان للعقوبات التي انعكست سلباً على ماليته وعلى قطاعه المصرفي، وتالياً على المواطنين. ومع اعلان رئيس الوزراء حسان دياب "فشل النموذج الاقتصادي" تزامناً مع تعليق لبنان دفعه سندات "الاوروبوند"، واعلانه أيضاً "ان لبنان لا يحتاج الى قطاع مصرفي يفوق أربعة أضعاف حجم الاقتصاد، وان الحكومة ستعمل على اعادة هيكلة القطاع بما يتناسب مع حجم الاقتصاد"، بدا كمن يقود انقلاباً على مجمل الوضع القائم، مترجماً الحملة التمهيدية التي شنها أكثر من طرف سياسي من فريق 8 آذار، للانقضاض على المصارف، وتالياً على النموذج القائم، تمهيدا ربما لعقد جديد وللبنان جديد ينقض ما قام عليه البلد.
واذا كان تطوير النظام، سياسياً أو اقتصادياً، أمر مطلوب، فإن المشكلة تكمن في توفير البديل، غير المتوافر حتى الساعة، ويبرز السؤال عن هوية القيمين على هذا التغيير، وما اذا كانوا من الحكومة أم ممن يقفون وراءها من دون علم وزرائها الذين لم يتسع لهم المجال بعد للبحث المعمق في مشروع مصيري مماثل.
فقد أعلن لبنان السبت "تعليق" سداد سندات مستحقة اليوم 9 آذار، في تخلّف عن دفع ديون للمرة الأولى في تاريخه، مع تأكيد السعي إلى التفاوض في شأن إعادة هيكلة الدين في ظل أزمة مالية تطاول الاحتياطات بالعملات الأجنبية.
اما وقد اختارت الدولة "تعليق سداد استحقاق 9 آذار من سندات الأوروبوند"، فإنها تصبح أمام خيار من اثنين كما صرح لـ"النهار" المحامي والمحكم الدولي ورئيس الهيئة الإدارية للمركز اللبناني للدراسات محمد عالم: الخيار الأول يتعلق بإمكان ان تنجح الدولة في التفاوض مع 57% أو أكثر من حاملي السندات على إعادة هيكلة لاحقة لهذه السندات تكون ملزمة لسائر الدائنين، والثاني ان تفشل في التفاوض، وعندها قد تضطر الى مواجهة الاجراءات القانونية التي قد يقيمها دائنوها في وجهها.
وذكرت "النهار" ان المفاوضات بدأت رسميا يوم الجمعة الماضي وتحديداً بعد اتفاق الحكومة على قرار تعليق الدفع. هذه المفاوضات التي يديرها الاستشاري المالي "Lazard" والاستشاري القانوني "Cleary Gottlieb"، تشمل المصارف اللبنانية وتهدف الى اقناع الدائنين الاجانب بالموافقة على الانخراط في عملية إعادة هيكلة منظمة للدين اللبناني. وتشير مصادر الى ان هذه المفاوضات تشمل صندوقي "أشمور" و"فيدلتي".
واذا كان المجتمع الدولي يترقب التطورات اللبنانية، فان العبرة تكمن في افعال الحكومة لا في أقوالها، لذا فإن وعود رئيس الوزراء تنتظر اجراءات تطبيق وتنفيذ عبر الخطة الاقتصادية الموعودة. وفي هذا الاطار أفادت مصادر وزارية ان الخطة قيد الاعداد وتحتاج الى مزيد من الوقت كي تأتي واقعية وقابلة للتنفيذ فلا تكون حبراً على ورق. وتقوم الخطة أولاً على مراجعة دقيقة للارقام من الواردات الواقعية في ظل الأزمة، والنفقات وفق أرقام تقشف حقيقية، واقرار خطة واقعية منسجمة مع الارقام الفعلية، وضمان مناصرة مجلس النواب لورشة قانونية تشريعية كبيرة.
ولإتمام هذه الخطة، يعقد مجلس الوزراء جلستين أسبوعياً، في محاولة لانجاز العمل في غضون أربعة الى ستة أسابيع.