Feb 13, 2020 6:26 AM
صحف

الحكومة أمام خيارات الدين: الكحل أم العمى... ووفد من صندوق النقد في بيروت قريباً للمساعدة!

أشارت "النهار" إلى أن تكثيف الاتصالات والاجتماعات العلنية أو البعيدة عن الاعلام في السرايا ووزارة المال عكس التهيب الرسمي للدولة كلا ومعها حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف حيال دقة الخيارات التي يواجهها لبنان في ملف "الأوروبوندز" سواء قرر تسديد قيمتها في موعد الاستحقاق، أو لجأ الى تأجيل التسديد والتفاوض مع المدينين أو ركن الى استشارة صندوق النقد الدولي أولاً وقبل اتخاذ قراره النهائي. ذلك ان كلا من هذه الخيارات يرتب تداعيات بالغة الدقة والخطورة من شأنها تعريض لبنان خارجياً لتجارب غير مسبوقة، الأمر الذي يضع الجميع أمام معادلة "الكحل أحلى من العمى" أي الاتجاه نحو خيار طلب استشارة صندوق النقد الدولي والذي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أول من لمح إليه عبر "النهار" قبل يومين.

هذا الامر استدعى عقد اجتماع استثنائي قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا استباقاً لجلسة مجلس الوزراء ظهراً المخصصة للبحث في الملف المالي والاقتصادي. وسيكون الاجتماع رئاسياً ووزارياً ومالياً، اذ يعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء حسان دياب ووزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير.

وأفادت معلومات ان دياب التقى أمس وفداً من البنك الدولي بعيداً من الاعلام.

وقبيل ذلك، رأس وزير المال غازي وزني، في السرايا الحكومية أيضاً، اجتماعاً اقتصادياً مالياً، في حضور ممثلين للبنك الدولي، والمدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، والفريق الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء.

وعلمت "النهار"أن وفداً من صندوق النقد الدولي سيصل الى بيروت في الأيام المقبلة للبحث في المساعدة التقنية التي يطلبها لبنان منه. كما علمت أن الاجتماع الذي يعقد في قصر بعبدا قبل ظهر اليوم ويضم اللجنة الاقتصادية المؤلفة من رئيس الوزراء ووزيري المال والاقتصاد وحاكم المصرف المركزي والبنك الدولي سيبحث في الخطة الاقتصادية والمالية والنقدية وفي موضوع سندات "الاوروبوندز"، مع استبعاد اتخاذ قرار نهائي في شأنها في هذا الاجتماع في ظل تعدد الآراء والمقاربات على هذا الصعيد.

ذلك ان هناك اقتراحاً، كما علم لمصرف لبنان لاجراء "سواب" يدفع من خلاله الاستحقاق الخارجي في موعده فيما ترى جمعية المصارف وجوب دفع الـ800 مليون دولار المستحقة على لبنان للخارج الآن، على ان يجري التفكير في الاستحقاقات المقبلة والاجراءات التي ستعتمد فيها. وتفيد المعلومات ان مصادر وزارة المال تشير الى ان الموضوع لم يحسم وان الجدولة في المرحلة المقبلة ان لم تكن حتمية فلا بد منها، في حين ان عدم دفع لبنان استحقاقاته يجب ان يحصل بطريقة منتظمة.

واستبعدت المعلومات ان يبت مجلس الوزراء اليوم هذه المسألة أو ان يتخذ قراراً في شأنها. فثمّة تعدد في الآراء على خلفية ان الشارع نفسه منقسم بين استنزاف المصرف المركزي لاحتياطاته، علماً ان هناك من يشير الى ضمان حاكم المصرف ذلك، وعدم الدفع الذي سيرتب تبعات كبيرة على لبنان في قطاعه المصرفي وعلى المصرف المركزي إذا حصل ذلك بطريقة غير منتظمة.

ونقلت وكالة "رويترز" مساء أمس عن مصدر حكومي بارز أن لبنان طلب رسمياً من صندوق النقد الدولي إرسال وفد تقني للمساعدة في إعداد خطة اقتصادية ونقدية ومالية شاملة لإنقاذه من أزمة مستحكمة. وقال المصدر إن طلب الحكومة قُدم خلال اتصال هاتفي أمس مع صندوق النقد، وأن وفد الصندوق سيصل إلى بيروت في الأيام القريبة.

وتوقعت مصادر معنية عبر "النهار" ان يصدر صندوق النقد الدولي بياناً في شأن لبنان في الساعات المقبلة، فحواه الأساسي تأكيد توصيات من أبرزها الاصلاحات الاساسية المطلوبة في النظام الضريبي بما يتضمن زيادة الضريبة على القيمة المضافة وعلى صفيحة البنزين وتثبيت ضرائب جديدة على الشركات وعلى الاملاك المبنية وزيادة الانفاق على القضايا الاجتماعية والصحية.

ساعات غير حاسمة: وبحسب تقديرات مصادر مطلعة لـ"اللواء"، فإن الساعات المقبلة لن تكون حاسمة، على صعيد حسم الموقف الحكومي من موضوع استحقاق «اليوروبوند» الذي يستحق في التاسع من آذار المقبل، على الرغم من الاجتماع المالي والاقتصادي والسياسي، في بعبدا اليوم، والذي سيسبق جلسة مجلس الوزراء، والمخصص لبند وحيد وهو الموضوع المالي والاقتصادي وكيفية الخروج من الازمة الراهنة.

وفي تقدير المصادر ان مهمة اجتماع بعبدا والذي سيعقد على مستوى رفيع ويعيد إلى الاذهان الاجتماع الاقتصادي على مستوى قادة الاحزاب والسياسيين اللبنانيين أيلول 2019)، هو اعداد توصية في شأن القرار الذي يفترض ان تأخذه الحكومة بما يتصل بموضوع «اليوروبوند»، الا ان هذه التوصية أو القرار ليس من السهل التوصّل إليه من قبل الخبراء الاقتصاديين الذين يختلفون في ما بينهم، على اعتبار ان كلا الخيارين المتاحين للاستحقاق صعبين للغاية، ولكل منهما تداعيات خطيرة، ويتوقف على واحد منهما مصير الوضع المالي والنقدي للبلد، سواء على صعيد اشهار افلاسه في نظر المجتمع الدولي، في حال تخلفه عن الدفع، أو انعدام السيولة النقدية وضياع الاحتياطي في البنك المركزي في حال الوفاء بالتزاماته، فضلاً عن أن مسألة إعادة جدولة الدين تحتاج إلى خطة شاملة، لا يبدو أن الوقت المتاح خلال الاسابيع الثلاثة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الاوّل، قادر على إنجازه، استناداً إلى التجارب السابقة والتي اشتهر بها اللبنانيون، منذ باريس 1 و2 و3 حتى مؤتمر «سيدر».

ومن جهتها، أكدت مصادر مالية ان القرار الذي يحسم سداد الدين أو إعادة جدولته يعود إلى الحكومة وحدها، وليس لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أجرى في الايام الاخيرة مفاوضات لعملية «سواب» أي تأخير السداد لمدة ثلاث سنوات، وهو سيبلغ المجتمعين في بعبدا نتائج هذه الاتصالات، وقد يدلي برأيه في الموضوع في حال تمت استشارته، لكن الكرة في ملعب الحكومة.

وحذرت المصادر من انه في حال قررت الحكومة هيكلة الدين، أو تأخير الدفع يعني «أفلاس لبنان في نظر المجتمع الدولي وستكون له تداعيات مالية خطيرة لن تستثني القطاعين الاقتصادي والاجتماعي»، علماً ان الثنائي الشيعي من أصحاب نظرية عدم سداد الدين، وكان الرئيس برّي قد طالب الحكومة بالاستعانة بصندوق النقد الدولي للمساعدة على وضع خطة لجدولة الدين وإنقاذ الوضع الاقتصادي، في حين ان هناك اطرافاً سياسية ترغب في تسديد سندات «اليوروبوند» من أجل الإبقاء على سمعة لبنان.

تصور اولي: وعلمت "الجمهورية" من مصادر رئاسة الحكومة انّ الرئيس دياب أصبح لديه تصوّر أولي للواقع المالي والنقدي والخيارات المتاحة، بناء على سلسلة الاجتماعات التي عقدها في السراي في الساعات الاخيرة، وهو أمام 3 خيارات يدرس ارتدادات كلّ منها، وهي:
- الدفع الذي سيؤدي حتماً الى مشكلة نقص في السيولة.
- عدم الدفع يعني إعلان الافلاس default.
- إعادة الجدولة وتبديل السندات (swap)، وهذا يعني ترحيل الدين الذي لن يحل المشكلة. وبالتالي، سيكون امام الاجتماع الرئاسي المالي اليوم في بعبدا اتخاذ أهون القرارت او الاقل سلبية لأنّ الثلاثة موجعة.

وكشفت مصادر مواكبة للمشاورات الحاصلة حول القرار "انّ الخيارات ليست كلها متاحة، وهناك وجهة نظر تُوصي بعدم فصل الاستحقاقات المالية الثلاثة عن بعضها وتقديم حل متكامل لكل استحقاقات الـ2020".

وفي هذا الاطار ينتظر الرئيس دياب أجوبة من حاكم مصرف لبنان يفترض ان يقدّمها على طاولة الاجتماع المالي اليوم، تتضمن إمكانية إجراء تسوية نتيجة المفاوضات مع المصارف. ورأت المصادر انّ هذا الاجتماع، والذي سيليه جلسة لمجلس الوزراء استكمالاً له، ليس بالضرورة ان يخرج بقرار وربما سيترك الأمر لمزيد من الدرس والتشاور.

وتحدثت المصادر عن وجهة النظر الثانية التي يتم بحثها في الكواليس، والتي تميل الى دفع لحملة السندات الاجانب فقط وقدرها مليار دولار، الدفعة الاولى منها 500 مليون دولار في آذار المقبل.

وقالت مصادر هذا الفريق لـ"الجمهورية": انّ التخلّف عن دفع الدين الخارجي سيرمي كل الثقة التي بناها لبنان في السنوات الماضية مع المجتمع الدولي في سلة المهملات، وسيعرّض لبنان الى مخاطر عدم إقراضه مجدداً باعتبار انه أعلن الافلاس، بالاضافة الى مخاطر رفع دعوات ضده يمكن ان تؤدي الى وضع اليد على جزء من الاصول والممتلكات تماماً كما يحصل بين الدائن واي مصرف.

وأشارت المصادر الى انّ كلفة استيراد المازوت سنوياً هي 5 مليارات دولار، وبالتالي يمكن التضحية بشهرين استهلاك بدل التضحية بمستقبل لبنان من اجل مليار دولار. وأضافت انّ الحديث عن استشارة ومفاوضات مع صندوق النقد ليس دقيقاً، لأنّ الوقت لم يعد كافياً للتفاوض حول الاستحقاق الاول، اما الثاني والثالث فيمكن الآن التفاوض حولهما باعتبار انّ هذه العملية تحتاج الى مسار طويل من التفاوض أقله شهرين، وبنتيجته يُبنى على الشيء مقتضاه.

الى ذلك، قال مصدر مالي انّ عمليات الضغط التي مارسها اقتصاديون وسياسيون ونواب ووسائل اعلام قد أتت ثمارها لجهة إقناع الحكومة بترجيح كفة بدء التفاوض ووقف دفع استحقاقات الدين، ومنها استحقاق آذار.

وفي المعلومات انّ رئيس الحكومة، وبعد الاستماع الى كلمة احد النواب خلال جلسة الثقة، والذي فَنّد الاسباب الموجبة التي تحتّم عدم دفع استحقاق اليوروبوند في آذار، بَدّل رأيه السابق لجهة ضرورة التسديد. وصارَح بعض الوزراء بالأمر، مؤكداً انه بات يميل الى تبنّي نظرية وقف التسديد وبدء التفاوض فوراً على إعادة جدولة الدين العام.

وفي المعلومات ايضاً، انّ الجهات التي تضغط لدفع لبنان الى تسديد استحقاق آذار قد تكون مستفيدة من الامر، خصوصاً انّ ملكية السندات تغيرت في الفترة الاخيرة، ولم يعد مستبعداً وجود مستثمرين لبنانيين اشتروا السندات بأسعار متدنية ويأملون تحقيق أرباح سريعة من خلال المضاربة.

ويبدو انّ التغيير الذي طرأ على موقف الحكومة لجهة ترجيح تأجيل الدفع، انعكس فوراً على أسعار سندات استحقاق آذار، فهبط سعرها من حوالى 85 سنتاً للسند، الى 74 سنتاً، أي ما نسبته حوالى 14 %.

الدائنون: الى ذلك، أعلنت شركتان ماليتان دوليتان ("غريلوك كابيتال" و"مانجارت ادفيسورز") انّ مجموعة من الدائنين الدوليين للبنان، تشمل الشركتين، نظّمت "مجموعة نقاش غير رسمية" مع استمرار تفاقم وضع ديون البلاد.

وقال بيان صادر عن الشركتين إنّ المجموعة "ستبدأ تقييم خيارات في شأن كيفية إدارة المُقرضين لتطورات الوضع في لبنان. هذه المجموعة ستسهّل التواصل بين الدائنين المختلفين، وهي على أهبة الاستعداد للانخراط في أي مباحثات مع الجمهورية اللبنانية".

هذا الموقف يؤشّر الى قرب بدء مفاوضات رسمية بين لبنان ودائنيه لإعادة جدولة الدين، وهذا أمر يدعو الى الاطمئنان، كما يرى خبراء ومتابعون للشأن المالي.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o