Jan 03, 2020 2:47 PM
خاص

عصام خليفة... قصة بلاد ناكرة للجميل...

المركزية- نحن في بلاد ناكرة للجميل. قد يندفع البعض إلى اعتبار هذا الكلام قاسيا جدا، لكنه ليس كذلك، بل إنه أقل عن بلاد لا تعرف كيف تكرم مبدعيها وكبارها... بل لا تخجل من دفعهم إلى السجون ومعاملتهم كالمجرمين.

ليس أبلغ إلى ذلك دليلا إلا المسار القضائي المرعب الذي تسلكه الدعوى التي رفعها رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب ضد واحد من أهم أعلام هذا الصرح الوطني، الدكتور عصام خليفة. ففي الفصل الجديد من هذه القضية الذي كتب أمس، قررت الهيئة الاتهامية في بيروت إصدار مذكرة إلقاء قبض في حق خليفة، القامة المشهود لها بالاستقامة والشهامة، وأحالته إلى محكمة الجنايات في بيروت ليحاكم بموجب واحدة من مواد قانون العقوبات اللبناني... شأنه في ذلك شأن مرتكبي جرائم كبيرة ضد أمن الوطن والمواطن في لبنان.

لكن مهلا، سيطل بالتأكيد من يذكرنا بأن صدور مذكرة إلقاء القبض هذه لا يعني توقيف خليفة، بدليل أنه أطل أمس، من منزله، على شاشات التلفزة وتحدث إلى وسائل الاعلام، علما أن هذا النوع من المذكرات لا ينفذ إلا في حال تخلف المعني عن الحضور إلى المحكمة عند تحديد موعد للجلسة. لكن القضية تتجاوز هذه النقطة. فالمهم، يكمن في مكان آخر... في أننا نعيش في بلاد تلاحق كبار قاماتها وهاماتها كالمجرمين لا لشيء إلا لأنهم طالبوا ويطالبون بوضع النقاط على الحروف في قضية شغلت الرأي العام وهي تتعلق بأناس مؤتمنين على تربية أجيال من اللبنانيين الشباب، الطامحين إلى خدمة وطنهم على أكمل وجه، تماما كما فعل عصام خليفة نفسه حين كرس كثيرا من عطائه التربوي والفكري والسياسي لواحد من أكبر الموضوعات والملفات اللبنانية الخطرة، والتي غضت الدولة الطرف عنها مرارا للأسباب السياسية المعروفة، والتي لا مجال للخوض فيها. إنه ملف ترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا، كما في الجنوب، الذي سال حبر خليفة وفكره على صفحات مجلدات لم تكلف السلطات نفسها عناء قراءتها لتحل هذه المعضلة وتقينا شر حروب الآخرين وتداعياتها. بل فضلت الطريق الأقصر... الملاحقة القضائية في حق خليفة بدلا من تكريمه وايلائه أرفع المناصب ... نعم! في وطن الحريات وحقوق الانسان هذا، لا يجد المرء وعطاؤه الغزير منبرا للتكريم، بل يجد نفسه على حين غرة في ميدان المواجهة القضائي، بعد أن يكون قد ناضل، وهي حال خليفة تحديدا لتكريس الجامعة اللبنانية الوطنية المفترض أن تشرع أبوابها للجميع، صرحا تعليميا رائدا. ويروي العارفون بتاريخ هذه الجامعة أن النضال الطلابي الذي كان خليفة في صفوفه الأمامية  هو الذي أتاح لكليتي الهندسة والطب في الجامعة اللبنانية أن تبصرا النور، وقد صارتا اليوم إثنتين من أهم الكليات في هذين المجالين..

على أي حال، فإن ما يجب تسليط الضوء عليه اليوم ليس نضال خليفة الذي لا يحتاج شرحا ولا تفسيرا، وسيذكره التاريخ حين تدق ساعة إنصاف الجامعة اللبنانية، التي يجهد البعض في إغراقها في نظرة دونية مواجهة الجامعات الخاصة... فالأهم يكمن في أننا اليوم أمام فصل جديد من معركة الحريات المرادفة لعلة وجود لبنان، حيث باتت التساؤلات المحقة والمشروعة سببا لجر الناس إلى الزنزانات وأقواس المحاكم، بذريعة القدح والذم. غير أن رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب الذي اعتبر في بيان أن القضية ليست قضية حريات، فاتته أمور كثيرة أهمها أننا في زمن بات الشعب فيه يراقب ويحاسب، شأنه في ذلك شأن الاعلام الذي كان طلب منه عدم الاتيان على ذكر اسمه بتاتا. لذلك فإن القضية تتجاوز النزاع الشخصي إلى ضرورة صون الحق في الكلام والتساؤل والمطالبة بالشروح والتفسير. وليس في ذلك أي انتقاص من "انجازات أيوب" منذ توليه رئاسة الجامعة. تبعا لذلك، فإن معركة عصام خليفة والمتضامنين معه مستمرة إلى أن تتيقن السلطة من ان ممارسة هيبة الدولة تبدأ برد بعض الجميل إلى الكبار من طينة خليفة... يوما ما ... 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o