نهر الشعب يجرف الدولة و"الدواليب" تحرق السلطة
الحريري يقول كلمته مساء وباسيل يحذر من طابور خامس ويطلب مهلة للحكومة
"الاشتراكي" و"القوات" يتظاهران وجعجع يدعو "حليفه" الاستراتيجي للاستقالة
المركزية- بنيران الضرائب الشعبية احرقت السلطة نفسها. وبدخان الاطارات المشتعلة في الطرق سقطت. وبضربة توّحد الشعب حول الوجع وخروجه عن القيد المذهبي والطائفي وتعاليه عن الانتماءات السياسية والحزبية وهنت. فقدت السلطة سيطرتها على الشارع المحتقن بتراكمات خلافاتها وازماتها اللامتناهية وحاصرت نفسها باصوات الناس التي بلغ سيلها الزبى وفاض كأس صبرها على من يمعن فيها قهرا واذلالاُ من دون ان يرف له جفن. فهل تحدث فورة الغضب الشعبي وصرخات شباب يستعدون للهجرة من وطن احكم "الفاسدون" قبضتهم عليه وغلّبوا صفقاتهم ومصالحهم على ادمغة هؤلاء التي يمتص طاقاتها الخارج، التغيير المنشود الذي عجزت عنه تحركات كثيرة سابقا. وهل ما زال الامل موجودا في بلد تآلف شعبه مع اليأس نتيجة الوعود الكاذبة؟
استقالة لا استقالة: وفي انتظار الكلمة الفصل التي يلقيها الرئيس سعد الحريري المُطالبة حكومته بالاستقالة من حلفائه الاستراتيجيين في السياسة قبل الشعب، وقد تراوحت التقديرات في شأنها بين اعلان الاستقالة واعلان حال الطوارئ ومصارحة اللبنانيين بما يجري، وتردد ان الحريري اعد بيان استقالة غير ان حزب الله وبعض القوى السياسية تمنوا عليه العودة عنها نظرا لدقة الوضع، سجلت دوائر الرصد السياسي مجموعة ملاحظات لعل ابرزها، ان الانتفاضة الشعبية تكاد تكون الاولى من نوعها لناحية غياب قيادتها على مدى 24 ساعة ، على الاقل في العلن، وتحرك البحر الشعبي تحت راية العلم اللبناني لا غير، على رغم ان الكثير ممن يفترشون الطرقات ينتمون الى احزاب سياسية فقدت قدرة التأثير عليهم. وتوازيا، توقفت الدوائر المشار اليها عند توقيت الانتفاضة الشعبية عشية انجاز موازنة الـ2020 المطلوبة بالحاح للافراج عن اموال "سيدر" وفتح خزنتها بكلمة سر الاصلاحات الموعودة، وعشية زيارة يعتزم الرئيس سعد الحريري القيام بها في 29 الجاري لالمانيا التي تعد مؤتمرا استثماريا للبنان على غرار مؤتمر ابو ظبي. وفي سجل الملاحظات ايضا تدرج الدوائر تفرد سفارة المملكة العربية السعودية في دعوة مواطنيها الى مغادرة لبنان وخصصت فندقا في منطقة الروشة كنقطة تجمع تمهيداً للانتقال إلى المطار ومن ثم المغادرة في أقرب فرصة ممكنة، في حين اقتصر طلب سائر السفارات من رعاياها في بيروت على اخذ الحيطة والحذر.
باسيل يحذر: كلمة الحريري استبقها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بخطاب من بعبدا في اعقاب اجتماع مطول مع تكتل لبنان القوي والوزراء الذين يشكلون الفريق السياسي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعويضا عن جلسة حكومية اطاحت بها الانتفاضة الشعبية التي قطّعت اوصال الوطن رافعة شعارات منادية باسقاط النظام الحاكم من اعلى الهرم حتى اسفله. وقبل ان يطل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قبل ظهر غد في ختام مسيرة في بعلبك لمناسبة ذكرى اربعين الحسين، اذا لم تلغَ، بفعل الثورة الشعبية، اطل باسيل مناديا شعبه وبيئته ومحذرا من حراك الشارع فأكد أن بين المتظاهرين طابورا خامسا وحذر من لم ينتظروا قرارا من التيار ونزلوا للانتفاضة الى الشارع وهو ركن أسياسي فيها من مدسوسين قد يأخذون البلد الى المجهول ونصح اللبنانيين بتخيل هذا السيناريو إن لم يكن هناك حكومة. وعدّد ما يكوي اللبنانيين من وجع على غرار بلد من دون طحين ومن دون دولار ومن دون فيول... وقال: أن ما يحصل تراكم ازمات، وأردف: اتفهّم الناس ولكن لا استطيع ان اعبّر مثلهم واتفهمهم والاتي اعظم اذا لم يتم الاستدراك. ورأى أن ما يحصل فرصة لانقاذ لبنان من الفساد والسياسات الخاطئة او يتحول الى كارثة ويدخل لبنان في الفوضى والفتنة والانهيار الكبير او الانقاذ الجريء.واعتبر أن ما يحصل يجب ان يقوي موقف الرئيس وموقفنا ويضعف موقف معارضي الاصلاح ويمنعوننا من تحقيقه بوجودهم في الحكومة او استغلال الشارع.وحذر باسيل من أن البديل عن الحكومة الحالية ضبابي وأسوأ من الوضع الحالي بخاصة عدم وجود حكومة والخيار الآخر الفوضى في الشارع وصولا للفتنة وتذكروا الطابور الخامس بين الناس وهو معروف مجهول . والمح الى عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء طالبا اعطاء فرصة للحكومة لوضع الاصلاحات.
ثورة الشارع: وكان المحتجون قبعوا في الشوارع منذ ليل امس قبل ان تنضم اليهم مجموعات واسعة اليوم، واضرموا النار بالإطارات قاطعين الطرق في مختلف المناطق ومرددين هتافات لم تستثن احدا من اهل السلطة في حين تواصل الإعتصام في ساحة رياض الصلح وتوجه المعتصمون إلى شوارع بيروت وهم يحملون الأعلام اللبنانية ويهتفون "الشعب يريد اسقاط النظام". كما توجّه عدد من المتظاهرين إلى مصرف لبنان في الحمرا. فيما حاول آخرون التوجه نحو قصر بعبدا مرارا الا ان القوى الامنية منعتهم . وافادت المعلومات عن سقوط عدد من الجرحى بينهم جريح أصيب في صدره اثر تعرضهم لإطلاق نار تردد انه من موكب النائب السابق مصباح الأحدب في طرابلس.
الاشتراكي ايضا: موجة الاحتجاجات لم تقتصر على المستقلين، ذلك ان اهل الحكومة انفسهم شاركوا في التظاهرات .فتظاهر "الحزب التقدمي الاشتراكي" على دوار بعقلين- بيت الدين بمشاركة شعبية واسعة من ابناء منطقة الشوف، حيث تم قطع الطريق الرئيسي من خلال الآلاف من المواطنين الذين يرفعون الاعلام اللبنانية والحزبية ويطلقون الهتافات الداعية إلى "إسقاط العهد". كما رفعوا شعارات تحمل العهد مسؤولية "كل ما جرى وأوصل البلاد الى هذه النتيجة"، وسط بث أناشيد وطنية وثورية .
القوات مشاركة ودعوة للاستقالة: اما القوات اللبنانية فدعا رئيسها سمير جعجع العائد فجر امس الى بيروت، المناصرين والمحازبين للمشاركة في الاحتجاجات وفق منطق وأجواء هذه التحركات، اي من دون شعارات وأعلام حزبية، كما دعاهم إلى الالتزام بأقصى درجات المناقبية والتصرفات السلمية.
واعتبرمن جهة أخرى، ان لا يمكن لهذه الأزمة أن تنتهي سوى بمجموعة متغيرات جذرية تبدأ باستقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بعيدا كل البعد عن الطاقم السياسي الحالي. وفي بيان سابق، قال جعجع "أوجِّه دعوة صادقة الى رئيس الحكومة سعد الحريري لاستقالة هذه الحكومة نظرا لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد مما أوصلنا الى الحالة التي نحن فيها. أنا أعلم مدى الجهود التي بذلها الرئيس الحريري في سبيل استدراك الوضع، ولكن الأكثرية الوزارية، ويا للأسف، كانت في مكان آخر. إن أفضل ما يمكن ان يقدّمه الرئيس الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيدا لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماما وجديدة تماما تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد".وتردد ان قيادتي القوات اللبنانيّة والتقدمي الاشتراكي تدرسان خيار الاستقالة من الحكومة خلال الساعات المقبلة.
...والكتائب ايضا: كما دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الحكومة الى الاستقالة وتشكيل حكومة اختصاصيين وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة.
سندات لبنان الدولارية تنخفض: تداعيات الحراك الشعبي انعكست بحسب ما أفادت وكالة رويترز على سندات لبنان الدولارية السيادية التي انخفضت 1.9 سنت بفعل الاحتجاجات. واشارت الى إرتفاع تكلفة التأمين على ديون لبنان لأجل 5 سنوات 14 نقطة أساس مقارنة مع إغلاق الخميس إلى 1208 نقاط أساس.
****