اختلاف قامات البشر.. لغز لا يزال يحير العلماء
لا يزال اختلاف قامات البشر لغزا يحير العلماء، فلماذا يقف نمو البعض عند أقل من متر في حين يتجاوز طول آخرين المترين؟ وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال يطرح العلماء فرضيات عدة.
ويقول عالم الأحياء التطورية في جامعة هارفارد، تيرنس كابيليني، إن طول القامة عند البشر يتعلق بمجمل النمو البيولوجي للكائن الحي وليس فقط بصفة الطول وحدها، وفق ما ذكر موقع "علوم للعموم".
ويعتقد الباحثون أن طول القامة ليس صفة معزولة عن بقية الصفات الوراثية، التي يحملها الجينوم البشري المعقد، إذ تتشابك زيادة الطول مع عمليات نمو أخرى مثل نمو الأعضاء.
وعلى مدى ملايين السنين، صاغت عملية الانتقاء الطبيعي تسلسل الجينوم البشري، وأثرت بذلك على نمو الجسم والأعضاء من خلال ارتباط الجينات ببعضها ونمو الأنسجة. لذلك، طولنا مجرد نتيجة ثانوية لهذه العملية التطورية.
وإلى جانب علم الوراثة، يمكن أن تؤثر عوامل مثل التغذية السليمة والرعاية الصحية على طول القامة، ومع ذلك، تستحوذ الجينات على حصة الأسد، فهي مسؤولة عن النتيجة النهائية للطول بنسب تتراوح بين 70 إلى 80 بالمئة.
وتستوي قاماتنا في مرحلة البلوغ، وعند هذا المنعطف تنطلق آليات تطورية عدة، إذ توقف آلية بيولوجية، تسمى الشيخوخة المبرمجة، الجينات المسؤولة عن النمو حينما نصل إلى طول محدد.
ويزداد طول معظم الناس باطراد إلى أن تنتهي مرحلة البلوغ، وتحدث هذه العملية على مستوى "صفائح النمو"، وهما طبقتان من الغضروف توجدان في فقرات العمود الفقري عند الأطفال وفي العظام الطويلة مثل عظم الفخذ والساق.
ويقول طبيب الأطفال ورئيس أبحاث النمو والتنمية، جيفري بارون، إننا ننمو أسرع في المرحلة الجنينة، وبعدها يتراجع النمو تدريجيا.
ويضيف: "في الواقع تنمو الأجنة زهاء 20 مرة أسرع من الأطفال، الذين أعمارهم 5 سنوات، ويزداد نشاط صفائح النمو عند المواليد الجدد، مما يجعلها تنمو بسرعة".
ويتابع: "عندما يكبر الطفل يتباطأ نشاط هذه الصفائح، وفي النهاية، ما بين منتصف مرحلة البلوغ ونهايتها، يتوقف نشاطها وتبلغ قامتنا حدها".
ويشبه جيفري عملية النمو بكيفية عمل لعبة "انطلاق القطار"، إذ يؤدي تشغيلها إلى انضغاط النابض وتجمع مقدار معين من الطاقة، وعند تحريره يتجه القطار إلى الأمام، لكنه يبطئ تدريجيا باستعادة النابض طوله البدئي.
وعلى نفس المنوال، عندما نستهلك إمكانات النمو المبرمجة وراثيا لدينا، يتراجع نمونا تدريجيا إلى أن يتوقف.
وتوصلت دراسة أجريت عام 2018 إلى أن ثمة أكثر من 500 جين له علاقة بالطول، وتؤثر هذه الجينات على سلوك صفائح النمو وتتحكم في طول العظام.