Aug 01, 2019 7:05 AM
صحف

رسالة عون إلى تشرين ومخاوف من إنقسامات جديدة

بعد أسبوع على تسلمه قانون الموازنة الذي أقره مجلس النواب في 19 تموز الماضي، وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل ظهر أمس، القانون الرقم 143 المتعلق بنشر الموازنة عن سنة 2019 وإنجاز قطوعات الحسابات وتأمين الموارد اللازمة لديوان المحاسبة، كما وقع القانون رقم 144 المتضمن الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019. وبموجب هذين التوقيعين، تمّ نشر الموازنة في محلق خاص في عدد الجريدة الرسمية حمل رقم 36، وبلغ مجموع الموازنة العامة مع مجموع الموازنات الملحقة 25.504،504،756،000 مليار ليرة، من دون ان تعرف بعد أو تعلن نسبة العجز المحقق التي يتوقع ان لا تكون أكثر من 7،56 في المائة. 
وبالتزامن مع التوقيع والنشر، بكر الرئيس عون في توجيه الرسالة التي تحدثت عنها بعبدا إلى مجلس النواب بطلب تفسير المادة 95 من الدستور الخاص بطائفية الوظيفة العامة، على الرغم من علمه ان الرئيس برّي الذي تسلم الرسالة مساء أمس، لا يعتزم الدعوة إلى عقد جلسة نيابية لمناقشة مضمون الرسالة في خلال ثلاثة أيام، وفق الآلية المحدد ضمن المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس، على اعتبار ان المجلس في حال انعقاد استثنائي، وان مرسوم فتح الدورة لم يتطرق إلى مثل هكذا موضوع، وان التعديل الدستوري الذي يطمح إليه فريق "تكتل لبنان القوي"، أو التفسير الذي يريده رئيس الجمهورية يحتاج إلى دورة عادية لن تبدأ قبل الخامس عشر من تشرين الأوّل المقبل، طبقاً للمادة 77 من الدستور. 
لكن مصادر مطلعة مقربة من بعبدا، كشفت لـ "اللواء" ان الرئيس عون كان في جو ان الرئيس برّي ينوي طرح الرسالة الرئاسية للنقاش في العقد العادي للمجلس، وانه أبلغ ذلك إلى الوزير جريصاتي الذي زاره قبل يومين. 
وافادت "اللواء" ان ما من مطلب رئاسي حول عقد الجلسة لمناقشة الرسالة اليوم قبل الغد وان الوزير جريصاتي الذي تواصل مع الرئيس بري تبلغ منه امس ايضا عن مناقشة الرسالة في اول جلسة في اول العقد العادي منعا للألتباس في جدوى انعقاد المجلس في العقد الأستثنائي لاسيما ان هذا العقد هو عقد تشريعي بإمتياز. وافادت ان تبريد الأجواء الحامية يساهم في توفير مناخ لمناقشة الرسالة. 
وخلصت الرسالة التي استندت اساساً في طلب تفسير المادة 95 من الدستور، معطوفة على الفقرة "ي" من مقدمته، على ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 80 في قانون الموازنة لجهة حفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية، وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية، معتبرة ان نتائج هذه المباريات تناهض مقتضيات الوفاق الوطني التي يجب مراعاتها حتماً في معرض إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة. 
ورأت أن المادة 95 من الدستور تلحظ "خطة مرحلية" تؤدي إلى إلغاء الطائفية - حيث لا يقتصر الإلغاء على الطائفية السياسية- في ضوء صراحة النص، كما تلحظ "مرحلة انتقالية"، تلغى خلالها قاعدة التمثيل الطائفي، بحيث يعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة "وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني" باستثناء وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها حيث تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ما يقتضي معه تحديد هذه المرحلة الانتقالية من حيث حلولها من عدمه، في ضوء انتفاء أي إجراء لوضع "الخطة المرحلية" أو لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ما يعني بالمبدأ ان هذه المرحلة الانتقالية لم تبدأ بعد. 

مخاوف من انقسامات جديدة
وتخوفت مصادر نيابية، ان يؤدي طرح الرسالة على الهيئة العامة في تشرين إلى تعميق الخلاف السياسي بين الفرقاء السياسيين، اما بإصرار المجلس على القول ان المادة المذكورة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، وتستوجب قبل كل شيء تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، أو الدخول في سجال حول الطائف والصلاحيات الرئاسية، وبالتالي قد يفتح النقاش الخلافي امام التصويت على أمرين: 
- اما برد الرسالة وهذا يعتبر بمثابة مواجهة مع رئيس الجمهورية وهو ما لا يرغب به رئيس المجلس- أو اللجوء إلى التصويت على تفسير من اثنين، بين معارضي الطائف والمدافعين عنه، وهذا بدوره دونه محاذير، مع الإشارة إلى ان اي مطالبة بتعديل الدستور تستلزم تأمين اكثرية الثلثين، وهو حكما ليس مؤمنا اليوم أو غداً، بالإضافة إلى خيارات اخرى تتعلق بعدم تأمين النصاب أو مقاطعة بعض الكتل الجلسة. 
ولفتت المصادر إلى ان المواقف التي اعلنها برّي امام نواب الأربعاء كانت بمعظمها رسائل في اتجاهات مختلفة، حرص فيها التأكيد على أن "المجلس النيابي سيبقى الحصن المنيع ضد أي انقسام، فكل شيء في هذا البلد يمكن أن نتحمله إلا المساس بوحدته وبوحدة أبنائه". 
واعتبر وفق ما نقل عنه النواب، أن "مقاومة الطائفية والمذهبية لا تكون باستخدام الطائفية والمذهبية بل باستخدام التسامح والحوار والفهم المشترك والمتبادل". 

تعديل الطائف! ولاحظ مراقبون ان رسالة الرئيس عون الى الرئيس بري والنواب، الداعية الى تفسير المادة 95 من الدستور معطوفاً على الفقرة "ي" من مقدمة هذا الدستور، جاءت لترفع النقاش الخلافي الى مستوى جديد، وتطرح نقاشاً دستورياً في الصميم حول "اتفاق الطائف" ما قبله وما بعده، لأنّ هذه المادة موجودة منذ ايام الانتداب الفرنسي وتمّ تعديلها بالقانون الدستوري الصادر في 9/11/1943 ثم بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990. كذلك جاءت رسالة عون الى مجلس النواب لتشخّص الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حالياً وتفتتحها على مدى اوسع وأبعد، ولتؤكّد انّ منظومة التعايش بين الطوائف ينتابها خلل كبير، فشل "اتفاق الطائف" في تنظيمه وادارته، علماً انّ النقطة الابرز في المناخ المحيط بهذه الرسالة الرئاسية هي انّ رئيس الجمهورية من موقعه الدستوري والسياسي يفتح بها البلاد على نقاش يتصل بأصل الاشياء وليس بتفاصيلها، الامر الذي قد يقود الى تعديل "اتفاق الطائف" او الى "مؤتمر تأسيسي" وربما الى صيغ أُخرى، حسب هؤلاء المراقبين. 

شدّ العصب: ووضعت اوساط متابعة ومعارضة الاستفاقة على المادة 95 من الدستور "في إطار شدّ العصب الطائفي نفسه الذي يعمل عليه الوزير جبران باسيل بنحو مركّز، في محاولة لانتزاع مشروعية يعتقد أنّ فرز اللبنانيين طائفياً يشكّل المدخل الوحيد لانتزاعها". 
وقالت هذه المصادر لـ"الجمهورية": "انّ معظم المواد الدستورية تحتمل التأويل والاجتهاد، وبالتالي هل المطلوب فتح النقاش في الدستور واستجرار خلافات وانقسامات نعلم أين تبدأ ولا نعلم أين تنتهي؟ وأين المصلحة الوطنية العليا في فتح النقاش في مادة دستورية انقسامية وفي لحظة لا تجتمع فيها الحكومة والوضع الاقتصادي على حافة الهاوية؟ وهل الأولوية اليوم لنقاشات تثير انقسامات أم لتوحيد الموقف اللبناني وإنهاء التعطيل وإعادة الوضع الاقتصادي الى السكة الصحيحة؟ وهل يُعقل بعد ثلاثة عقود على إقرار "اتفاق الطائف" ان يستفيق أحد الأطراف، الذي كان حتى الأمس القريب ضد هذا الاتفاق، ليثير إشكالية من خارج سياق الأحداث الطبيعية؟". وأضافت: لماذا تصوير اللبنانيين وكأنهم منقسمون الى مسيحيين ومسلمين؟ ومن تخدم هذه الصورة الانقسامية في هذه اللحظة؟ وما علاقة هذا التوتير الطائفي بـ"صفقة القرن" وما يُحكى عن مشاريع تفتيتية للمنطقة؟ وهل يمكن عزل هذا التوتير الطائفي المتعمد عن سياق الأحداث الخطيرة في المنطقة؟ وأليس من الأجدى رصّ الصفوف في هذه المرحلة لإسقاط مشاريع التقسيم وصفقات القرن الخطيرة؟". 
وأسفت المصادر "لهذا الانحدار في الحياة السياسية"، ورأت "انّ المعارك الطائفية المفتوحة هي معارك مشبوهة وخطيرة ويجب مواجهتها بحزم، لأن التآمر على لبنان لا يمكن أن يمرّ إلّا من خلال تقسيم اللبنانيين وفرزهم، وهذا ما هو حاصل حالياً". ودعت الى "معالجة المسائل الحساسة بمسؤولية وطنية بعيداً من لغة الاستفزاز المستخدمة والتي أعادت لبنان إلى زمن الحرب الأهلية". 
وحول الرسالة الرئاسية الى مجلس النواب، قال الوزير والنائب السابق إدمون رزق لـ"الجمهورية": "ان المجلس النيابي هو المختص بتفسير الدستور، ورئيس الجمهورية له صلاحية توجيه رسائل إلى مجلس النواب. وهذه الرسالة في موضع قانوني ودستوري، لأن هناك موضوعاً ملتبساً يحتاج إلى حسم يُفترض ان يفسّره مجلس النواب. ففي "الطائف" اتفقنا على وثيقة وفاق وطني، وكان أساس هذا الوفاق الوطني اعتماد المناصفة، وأضفنا الى المادة 95 بناء على اقتراحي الشخصي، اعتماد الكفاءة والاختصاص". 

ورأى رزق أنّ "المحافظة على المناصفة من أسس الوفاق الوطني والمطلوب المحافظة عليها ضمن مبادئ الكفاءة والاختصاص. وصحيح كان التركيز على الفئة الاولى من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة، لكن مقتضيات الوفاق الوطني طالبت بتأمين المناصفة بكل الفئات، ولذلك العمود الفقري للوفاق الوطني هو تثبيت المناصفة". 

حركشة في وكر دبابير: دوره، تخوّف النائب السابق بطرس حرب "من ان تفتح هذه الرسالة الرئاسية باب النقاش في الاسس التي قام عليها "اتفاق الطائف"، وتُحركِش في وِكر دبابير، وتفتح باب جهنم علينا، وتُعرّض "الطائف" للخطر، وتكون مناسبة لبعض الغايات المشبوهة، وأن يُقفز عليها لإعادة طرح موضوع "الطائف" بكامله وخطر الانتقال مما تمّ الاتفاق عليه في الطائف الى ما يسمّى بدل المناصفة، الى طروحات اخرى كالمثالثة او الفدرالية او الصيغ اللامركزية الادارية الموسعة التي من شأنها ان تضرب كل القواعد التي قام عليها إتفاق الطائف". 
وقال حرب لـ"الجمهورية": "قد تؤدي هذه الرسالة الى مشكلة جديدة مفادها كيف سيفسّر المجلس النيابي المادة، لأنّ هناك نظريتين متناقضتين، فتفسير الدستور يستدعي موافقة ثلثي أعضاء المجلس، لأنّه يشكّل نوعاً من تعديل الدستور، ونظرية ثانية تقول ان تفسير الدستور لا يحتاج إلا للاكثرية العادية". 
ورأى حرب "أنّ توجيه الرسالة الى مجلس النواب لم يساهم في حل المشكلة لكن قد يكون طرح القضية بهذا الشكل مناسَبة لاعادة تنفيذ لما ينص عليه "اتفاق الطائف" وما تنص عليه المادة 95 والبدء بتنفيذها بجدية، لكن من المفيد أن يُطرح هذا الموضوع في جو بعيد من التشنّج والعنتريات والاستفزاز واثارة الغرائز الطائفية". وأشار إلى "أنّ وضع صيغة "وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني"، كان بهدف تفادي الوصول الى نتائج غير مرغوب فيها، كأن تتفرّد بعض الطوائف بإدارة معينة". 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o