Jul 06, 2019 10:35 AM
اقتصاد

تقرير"المفوضيّة الأوروبيّة": اقتصاد لبنان يتحدى الجاذبية إلى الأبد؟

"من دون إصلاحات ملموسة، يخاطر لبنان بالتوجه نحو أزمة عملة وأزمة سيادية ومصرفية". هي ليست خلاصة تقرير المفوضية الأوروبية (المديرية العامة للشؤون الاقتصادية والمالية) الذي صدر أمس بعنوان "هل يتحدى لبنان الجاذبية إلى الأبد؟"، إذ اعتبر أيضا ان إقرار موازنة 2019 وتقديم إستراتيجية موثوقة للتكيف المالي على المدى المتوسط "هو أول خطوة نحو الاستدامة المالية. كما أن تحسين جودة الأصول مع تبديد المخاوف في شأن وصول "حزب الله" إلى الأموال الحكومية، سيساعد في ضمان استقرار النظام المصرفي".

كذلك رأت المفوضيّة الأوروبيّة أن اتخاذ خطوات ملموسة في الإصلاحات الهيكلية، "لا سيما من خلال استكمال وتنفيذ أجندة إصلاح الكهرباء ومكافحة الفساد، سيكون له دور أساس في استعادة ثقة المستثمرين وتوجيه التدفقات المالية إلى أغراض أكثر إنتاجية لتعزيز إمكانات النمو الطويلة الأجل في لبنان". ورغم إقرارها بسير الخطة في الاتجاه الصحيح، لفتت إلى أن "التطبيق سيؤدي إلى الإصلاح أو يكسره، نظراً إلى محاولات سابقة ذات التزامات مماثلة لم تصمد أمام الضغط السياسي والمصالح الخاصة".

ونشر موقع Arab Economic News خلاصة تقرير المفوضيّة الأوروبيّة:

"نظرًا إلى تلاشي الكثير من زخم الإصلاح الناجم عن مؤتمر "سيدر" في نيسان 2018، تواجه الحكومة اللبنانية الآن التحدي المتمثل في تنشيط جدول أعمال الإصلاح واتخاذ خطوات موثوقة نحو التوحيد المالي، بعد قدرتها طويلا في الحفاظ على مستوى مذهل من المرونة. ووسط تقلبات اقتصادية عالية وبيئة جيوسياسية مضطربة، كان الضغط يتصاعد لمعالجة العجز الكبير المزدوج، والمستوى العالي للدين العام، والافتقار إلى القدرة التنافسية. مع تباطؤ التدفقات المالية التي تحافظ على الحياة، أصبح نموذج الأعمال اللبناني السابق قيد الفحص. ومن شأن خطة موثوقة للإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو، أن تؤدي دوراً مهما في إعادة بناء ثقة المستثمرين وتمهيد الطريق لتحقيق انتعاش اقتصادي قائم على أساس متين.

أقرب إلى حافة الهاوية

أدت الاضطرابات السياسية والثقة المتناقصة والمشاكل الهيكلية إلى ارتفاع سخونة الوضع، فأصبح الوضع الاقتصادي في لبنان ينذر بالخطر بشكل متزايد. تراجع النمو الذي بلغ معدل 1.4% فقط منذ 2011، إلى نحو 0.3% في 2018، وهو بعيد عن متوسط ما قبل الأزمة البالغ 6.3% بين 2003-2010. أثر

الفراغ السياسي الذي دام قرابة 9 أشهر بين انتخابات أيار/مايو 2018 وتشكيل الحكومة في 31 كانون الثاني/يناير 2019، على ثقة الشركات، وأُدرج مؤشر مديري المشتريات في المنطقة الانكماشية منذ 2013.

ورغم التزام الحكومة الجديدة بجدول أعمال الإصلاح الذي ورد في "سيدر"، إلا أن ثقة المستثمرين لا تزال ضعيفة، مع استمرار إجراءات الإصلاح الملموسة. وفي الوقت عينه، يتوقع أن يصل العجز المالي إلى رقمين في 2018، مما يزيد الدين العام عن 150% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يبلغ عجز الحساب الجاري نحو 27% من الناتج، بفعل "تقلّب" التمويل، حيث تباطأت تدفقات الودائع الأجنبية خلال السنوات الأخيرة وأصبحت سلبية خلال اول شهرين من 2019 على أساس شهري. وبينما يواصل مصرف لبنان الدفاع عن إستقرار الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، ارتفعت أسعار الفائدة وتقلبات السوق المالية. زادت مخاطر البلد بشكل حاد، اذ تراكمت المشكلات الهيكلية، وبدا قطاع الطاقة الخاسر بشدة إلى جانب الفساد الواسع النطاق. ويشهد الخفض السيادي على ارتفاع الضغط.

إن إعادة تنشيط أجندة الإصلاح يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة التي تعتزم الحصول على "رؤية لتحقيق الاستقرار والنمو والتوظيف"، وهو برنامج إصلاح مقدم في مؤتمر "سيدر" وأيده إلى حد كبير الاتحاد الأوروبي. يتضمن المفهوم خطة شاملة لاستثمار رأس المال (CIP)، وتم تقييمها من البنك الدولي. وتأمل الحكومة الآن في إطلاق الـ11 مليار دولار الذي تعهدت به الجهات المانحة الدولية. في الجانب المالي، تتعهد الرؤية بخفض الدين العام عبر خفض عجز الموازنة بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدار خمس سنوات، بدءا من هذا العام. ورغم صعوبة الوصول إلى هذا الهدف على المستوى السياسي، لكنه قد لا يكون كافيًا بعد عام إضافي من الانزلاقات.

هذه التطورات تلقي بظلال من الشك على سجل لبنان الحافل بالمرونة. تاريخيا، كان لبنان منذ فترة طويلة قادرًا على تحمل ضغوط الديون العامة المرتفعة والعجز المزدوج المستمر، وذلك بفضل تدفقات الودائع الكبيرة التي تجذبها أسعار الفائدة التنافسية والبيئة المصرفية المنظمة بشكل صارم. ظلت البطالة والتضخم دون المتوسطات الإقليمية. وبحسب نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، "لقد كان لبنان يتحدى الجاذبية". مع ذلك، فإن الاتجاهات الأخيرة المتمثلة بتباطؤ تدفقات الودائع، إلى المشاحنات السياسية المستمرة في مواجهة المزيد من الضغوط المالية والهيكلية، هي مشاكل توحي بأن نموذج الأعمال اللبناني السابق قد لا يكون قابلاً للتطبيق.

الاستدامة المالية

وصل العجز المالي إلى رقمين. سجل الرصيد الإجمالي عجزًا تقديريًا بلغ 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018، وهو تدهور كبير مقارنة بـ6% سجل في 2017. وبمعزل عن التزام خفض 1%

سنويا من العجز وفق "سيدر" لأن خدمة الدين تستهلك نحو نصف العائدات بينما يكلف دعم الكهرباء نحو 15%، فان النفقات معرضة للتغييرات في أسعار الفائدة وأسعار النفط. توزّع معاشات التقاعد المكلفة بطريقة غير عادلة، إذ بلغت نحو 2% من الناتج على مدار العقد الماضي بينما تغطي فقط 2% من السكان، وفقًا لتقديرات البنك الدولي (2018). إنعكس اللجوء السوري رداءة في الخدمات العامة والبنية التحتية. وتشير الأرقام الأخيرة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان يبلغ نحو 950 ألفا، بينما تعتبر المنظمات غير الحكومية وجود 1.5 مليون لاجئ، تقديرا أكثر واقعية.

يبدو الدين العام غير مستدام في ظل السياسات الحالية، إذ ارتفعت نسبته من الناتج المحلي الى نحو 151% في 2018، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم. في السيناريو الأساس، يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الديون إلى 180% بحلول 2023 لتستمر في الارتفاع بعد ذلك، وهو مسار يعتبر غير مستدام (صندوق النقد الدولي، 2018). يتمثل أحد العوامل المخففة باعتبار الحكومة، في إمتلاك مصرف لبنان والمصارف التجارية نحو 50% من الدين العام رغم أنها ترفع مخاطر القطاع المالي.

يبدو أن معالجة العجز المالي الكبير أمر لا مفر منه. ورغم تأثيره السلبي على النمو الاقتصادي، فإن خفض العجز سيكون إشارة مهمة للبنان لطمأنة المستثمرين والعودة إلى الجدوى المالية. وكان التزام الحكومة بخفض العجز 1% لـ5 سنوات وفق "سيدر"، كافياً فقط لاستقرار الدين العام عند مستواه في ذلك الوقت. لكن، بعد مرور عام ومع استمرار نمو الدين العام، سيكون من الضروري إجراء تعديل أكثر طموحًا. تشمل الخيارات المطروحة رفع ضريبة القيمة المضافة، واستعادة ضريبة الوقود، والتخلص التدريجي من دعم الكهرباء، واحتواء فاتورة رواتب القطاع العام. وبينما أعلنت الحكومة عن خفض المساعدات وتجميد التوظيف في بيان أولي، استبعدت أي زيادة ضريبية. ومن غير المرجح أن يكون هذا كافيا للقيام بهذه المهمة.

من شأن استئناف الإصلاح الضريبي أن يعزز تحصيل الإيرادات. في 2017، اعتمدت الحكومة حزمة الإصلاح الضريبي الأولى بما في ذلك الزيادات المتواضعة في ضريبة القيمة المضافة، والضرائب على المؤسسات المالية، والضرائب على دخل الفوائد، والضرائب على مكاسب اليانصيب، ورسوم الاستيراد على الكحول والتبغ، إضافة الى فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التصرف في الأصول الثابتة، ودفع مسبق على عقود العقارات ورسوم الشحن البحري. ومع ذلك، فإن زيادة الإيرادات المتوقعة من هذه التدابير قد تم إمتصاصها إلى حد كبير من خلال زيادة أجور القطاع العام. يمكن أن تشمل الجهود الإضافية لتحسين تحصيل الإيرادات جهود الامتثال الأفضل (الإفصاح الضريبي) وتوسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة، التي يمكن ان يؤدي حسن جبايتها الى توليد 3.3% من الناتج المحلي. يمكن أن يؤدي إلغاء

إعفاءات في ضريبة القيمة المضافة وخفض أسعار بعض السلع والخدمات إلى تحقيق 4.1% أخرى من إجمالي الناتج المحلي (صندوق النقد، 2017). يمكن أن تهدف الإصلاحات الضريبية الإضافية إلى خفض عدد فارق ضريبة الدخل الفردية وتطبيق معدلات أعلى على الدخول الأعلى مع حماية أصحاب الدخل المنخفض.

إعادة توازن القطاع الخارجي: إعتمد لبنان إستقرار سعر صرف الليرة منذ كانون الأول/ديسمبر 1997. كان هذا الارتباط بمثابة الركن الرئيس للاستقرار الاقتصادي للبنان، وكان الحفاظ على صدقيته من أهم أولويات مصرف لبنان. ومع ذلك، قد يكون سعر الصرف الفعلي الحقيقي مبالغا فيه، مما يضع ضغوطا على الاحتياطيات التي انخفضت إلى 39.7 مليار دولار في 2018، وهي تغطي نحو 12 شهرًا من الواردات، مقارنة بـ40.6 مليار دولار أو 14 شهرًا من الواردات في 2017. إن تعويضات سندات اليورو بقيمة 2.2 مليار دولار في 2018، إضافة إلى تحويلات العملة عقب حال عدم اليقين السياسي، عوضت الهندسة المالية للمركزي في أوائل 2018 والتي حولت صافي الأصول الأجنبية من المصارف اليه. يقدر صافي مركز الاستثمار الدولي في لبنان بنحو 130% من الناتج المحلي الإجمالي، ويرتبط ذلك إلى حد كبير بالاستثمار الأجنبي المباشر. بشكل عام، يعاني تقييم الثغرات الخارجية من محدودية توافر البيانات.

يشير العجز التراكمي في الحساب الجاري والتقدير الحقيقي الثابت إلى خسائر في القدرة التنافسية. ظلّ العجز في الحساب الجاري يحوم عند 20% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يصل إلى نحو 27% في 2018. وقد أثر العجز الكبير في تجارة السلع على الحساب الجاري، مدفوعًا بضعف الصادرات والواردات القوية. لقد ولدت السياحة وغيرها من الخدمات فوائض صغيرة ومقلصة نسبياً في الخدمات. في حين أن الدخل الأولي كان ضئيلاً، إلا أن رصيد الدخل الثانوي كان إيجابيًا على خلفية التحويلات، رغم أنها أظهرت أيضًا بعض الانخفاضات في السنوات الأخيرة. عانت القدرة التنافسية للصادرات من الزيادات القوية في سعر الصرف الفعلي الحقيقي منذ عام 2007، مما أدى إلى ربط سعر باهظ بربط العملة.

ستستفيد الصادرات من استغلال افضل لاتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وتحديدا عبر تحسين الامتثال للمتطلبات التقنية ومعايير الجودة. الى ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي دعم لبنان نحو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والالتزام باتفاقية "أغادير" التي يمكن أن تكتمل في 2019.

يمكن أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى زيادة القدرة التنافسية للصادرات، لكنه قد يؤدي أيضا إلى تضخيم فاتورة الاستيراد وخصوم العملات الأجنبية بالعملة المحلية. ومع ذلك، قبل أن يبدأ هذا التأثير الإيجابي، فإن

الكمية الكبيرة من السلع المستوردة للاستهلاك والاستثمار ستشهد زيادة حادة في الأسعار، مما يزيد التضخم ويستدعي سياسة نقدية انكماشية قوية، ويدفع تاليا معدلات الإقراض إلى منطقة محظورة ويرفع حدة الركود الاقتصادي. إن الحصة الكبيرة من القروض المقومة بالعملات الأجنبية ستؤدي إلى تفاقم أعباء الديون العامة والخارجية في حال خفض قيمة العملة، وستؤثر على قدرة لبنان على السداد، مما سيجعل القطاع المصرفي مهددًا بشدة.

الاستقرار المالي: كانت المصارف في وضع مريح. مع أصول بقيمة 440% من الناتج المحلي في 2018، فإن حجم النظام المصرفي اللبناني كبير جدا. يتكون النظام المالي بالكامل من المصارف التي تتمتع برأس مال جيد، مع كفاية رأس المال بنسبة 17%، وتحافظ على الربحية. بفضل التعاميم الحكيمة، تتمتع المصارف بسمعة قوية بين المستثمرين الإقليميين والمغتربين اللبنانيين.

المخاطر في القطاع المصرفي الى ارتفاع.

- المصارف معرضة لعدم تطابق الاستحقاقات، اذ ازدادت استثماراتها في أدوات مصرف لبنان طويلة الأجل، بينما تميل ودائعها إلى فترات استحقاق قصيرة.

- إرتفاع نسبة دورلرة الودائع، مع ارتفاع حصة الودائع الأجنبية من إجمالي الودائع الى أكثر من 70% منذ كانون الأول/ديسمبر 2018، وذلك للمرة الأولى منذ 10 سنوات.

- ارتفاع نسبة تعرض المصارف للقطاع العام ومصرف لبنان إلى أكثر من ثلثي الأصول، إضافة إلى زيادة مخاطر تلك الأصول.

تدهورت جودة أصول القطاع الخاص. يشير وضع الاقتصاد الكلي وسط تباطؤ القطاع العقاري، إلى تدهور في جودة الأصول. ارتفعت القروض المتعثرة إلى 5.7% من إجمالي القروض في 2017. رغم أن البيانات المتعلقة بأسعار المساكن والتعرض المصرفي لسوق العقارات محدود، إلا أن القروض المتعثرة تبدو مدفوعة في معظمها بقروض لمطوري العقارات. أشارت اختبارات الجهد التي أجراها برنامج تقييم القطاع المالي لعام 2016 (FSAP) التي أجراها البنك الدولي وصندوق النقد، إلى الحاجة الكبيرة لاستعادة رأس المال في حال حدوث صدمة شديدة للنمو وأسعار الفائدة وأسعار العقارات، على خلفية الحجم الكبير للقطاع المصرفي والأوضاع الصعبة (صندوق النقد الدولي، 2017).

النمو والاستثمار: يعوق النمو المحتمل اعتماد الاقتصاد الكبير على الخدمات غير المنتجة. تشكل الخدمات 87% من إجمالي القيمة المضافة. تتعلق الركائز الثلاث الرئيسة لقطاع الخدمات في القطاع الخاص بالإنشاءات والخدمات

المالية والسياحة، بحصة مجتمعة تبلغ نحو 36%. وفيما غذّت هذه القطاعات معدلات نمو أعلى في لبنان خلال الفترة التي سبقت الأزمة السورية، فإنها لم تفعل سوى القليل لتعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد ووضع الأسس للنمو المحتمل. لا يزال البناء يواجه صعوبات عقب إلغاء دعم مصرف لبنان لإقراض القطاع العقاري، مما ينعكس في انخفاض عدد عمليات تسليم الأسمنت وتصاريح البناء. سجلت السياحة انتعاشًا جزئيًا من انهيار 2011. ومع ذلك، فإن معدلات النمو الأخيرة لم تبقَ دون معدلات ما قبل الأزمة فحسب، بل تباطأت بشكل كبير. يعاني التصنيع من نقص الاستثمارات وضعف امدادات الكهرباء وضعف نمو الإنتاجية. وفيما اكتسب القطاع الزراعي سمعة جيدة ويتمتع بإنتاجية أعلى، لكنه لا يمثل سوى 3% من إجمالي القيمة المضافة، ويعاني من ضعف شبكات النقل والطاقة.

البنية التحتية غير الكافية في لبنان تتطلب استثمارات كبيرة. مقارنة بالنظراء الإقليميين، تتخلف البنية التحتية للبنان في كافة أبعادها تقريبًا. تعتبر جودة الطرق والموانئ والنقل الجوي أسوأ بكثير. إن إمدادات الكهرباء غير موثوقة وأسوأ بكثير من مثيلاتها في نظيراتها الإقليمية، مما يعوق القدرة التنافسية لشركات لبنان والقدرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. فقط الوصول إلى الإنترنت في المدارس، يتجاوز قليلاً متوسط البلدان النظيرة. لم يواكب الاستثمار العام في لبنان النمو الاقتصادي خلال سنوات ما قبل الأزمة، مما أدى إلى انخفاض أقوى في نسبة رأس المال العام إلى الناتج المحلي مقارنة بنظرائه في المنطقة. وتفاقم العبء الثقيل أصلاً على البنية التحتية القائمة في لبنان بسبب وصول ما يقدر بنحو 1.1 مليون لاجئ سوري.

يدعم بنك الاستثمار الأوروبي تأهيل البنية التحتية وتطوير القطاع الخاص عبر مبادرة المرونة الاقتصادية، التي تساعد في إنشاء مناطق صناعية حديثة تقدم البنية التحتية للأعمال ذات الجودة العالية وأسعار الأرض العادلة، بما في ذلك في المناطق المتأثرة بشدة بأزمة اللاجئين السوريين. عموما، قام بنك الاستثمار الأوروبي بتقديم نحو 832 مليون يورو للبنان في الفترة 2017-2018، وهي خطوط إئتمان مضمونة بموجب تفويض الإقراض الخارجي للاتحاد الأوروبي (EIB، 2018).

من المتوقع أن تبدأ خطة استثمار رأس المال الحكومية ("سيدر) التي تركز على البنية التحتية في قطاعات الطاقة والنقل والمياه وإدارة النفايات، وذلك تماشيا مع أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان (مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، 2016). إن الاتحاد الأوروبي على استعداد للمساهمة في تمويل الخطة ومساعدة الحكومة في صياغة سياسات القطاع، وتحديد أولويات المشاريع ومن خلال المساعدة الفنية في تصميم المشروع وتقييم الأثر. ومع ذلك، تم إحراز تقدم ضئيل حتى الآن في التنفيذ، في ظل الجمود السياسي بعد انتخابات أيار/مايو 2018 وما تلاها من تأخير في الإصلاح. أعلنت الحكومة في بيانها الوزاري أنها تعتزم استئناف الخطة وتسريع تنفيذها.

تحوّل قطاع الكهرباء الى محور الإصلاحات الهيكلية. تم طلب إصلاح قطاع الكهرباء على نطاق واسع بغية تعزيز بيئة الأعمال، وتحقيق استهلاك أكثر كفاءة للطاقة والحد من استنزاف الميزانية. في نيسان/أبريل 2019، اعتمدت الحكومة خارطة طريق الإصلاح التي تم تطويرها بدعم من البنك الدولي، والتي تشمل التوسع في القدرات على المدى القصير تليها محطات توليد الطاقة الخضراء، وتأهيل وإنشاء شبكات النقل والتوزيع غير الفعالة وإعادة هيكلة "كهرباء لبنان". نرحب بتزامن التعريفة الجمركية المتصورة نحو استرداد التكاليف وزيادة السعة، رغم أن أي تدابير مخصصة قد تكون مكلفة وملوثة. تتطلب المصانع الجديدة والبنية التحتية الأكثر موثوقية استثمارات كبيرة، وستستفيد خارطة الطريق من التنسيق الدقيق مع خطة "سيدر". لا تزال مسائل الحوكمة المهمة دون حل، اذ لا تنص الخطة على تنظيم مستقل للطاقة، ولا على دور محوري للمجلس الأعلى للخصخصة والمفهوم المؤسسي في اجراء المناقصات، مما يعتبر انتهاكا لالتزامات "سيدر".

بشكل عام، يبدو أن الخطة تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن التنفيذ الفاعل سيؤدي إلى الإصلاح أو يكسره، نظر إلى أن المحاولات السابقة ذات الالتزامات المماثلة لم تصمد أمام الضغط السياسي والمصالح الخاصة.

يمكن أن تطلق التحسينات على البنية التحتية الإمكانات الأكبر للسياحة، وهي الصناعة التي تعافت جزئياً من الركود الذي حققته في 2011 وما زال لديها إمكانات كبيرة للاقتصاد اللبناني. تشير دراسة قطاعية حديثة بتكليف من الحكومة، إلى عدم وضوح العلامة التجارية والجهود غير المركزة في استهداف أسواق المصادر باعتبارها أوجه القصور الرئيسة الحالية (وزارة الاقتصاد، 2018). وتوصي بتطوير استراتيجية تركز على الترفيه، والسباحة والثقافة، تكملها السياحة الإقليمية التجارية والسياحة الطبية، التي تركز على الأسواق الأساس في أوروبا والعالم العربي والمغتربين. تشمل العوامل التمكينية الرئيسة تحسينات البنية التحتية، وتعزيز جهود التسويق والعلامات التجارية، فضلاً عن التسهيلات التنظيمية والإدارية. حددت الأدبيات التجريبية ربط النقل الجوي كمحرك رئيس للسياحة، وخصوصا بالنسبة للبلدان الصغيرة التي يتعذر الوصول إليها بطريقة أخرى.

إن توجيه استثمارات المغتربين إلى القطاعات الإنتاجية من شأنه أن يزيد من إمكانات النمو في لبنان. حتى الآن، يستثمر المغتربون بشكل أساس في ودائع مجزية في المصارف اللبنانية وفي المشاريع العقارية. إن المشاركة بشكل أكثر كما تشجعه أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، يمكن أن تساعد في حشد الاستثمار المباشر في المشاريع الإنتاجية التي تعزز إمكانات نمو لبنان بشكل أكثر استدامة مما تفعل التدفقات الحالية. إن سياسة الوصول المفتوح مع التحسينات المرئية في بيئة الأعمال التجارية من شأنها أن تدعم التزام لبنان وتعزز الثقة للمغتربين بالعودة إلى جذورهم.

إصلاح الحوكمة: الاستقرار السياسي والحكم الرشيد هما لبّ التحديات التي يواجهها لبنان. لم يكن المأزق السياسي الذي دام 9 أشهر بعد انتخابات أيار/مايو 2018 سوى أحدث مظاهر تقليد طويل من عدم الاستقرار السياسي. تتأثر التحديات التي تتراوح من السياسات المالية إلى السياسات الهيكلية، بالنضال المحلي من أجل الإجماع والإغراءات التي تلت ذلك لاستخراج الامتيازات عبر التهديد بعرقلة العملية برمتها. ينتشر الفساد على نطاق واسع، وقد برزت تحديات مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. لذلك، يُعتبر تحسين الاستقرار السياسي وخلق آليات للحكم الرشيد أمراً جوهرياً للتحسين المستدام للوضع الاقتصادي في لبنان.

إن تحسين إدارة الاستثمارات العامة من شأنه أن يفيد الميزانية والنمو. في حين أن البنية التحتية في لبنان عانت بوضوح من قلة الاستثمار، إلا أن اليقظة ضرورية عند زيادة الاستثمار العام أو متابعة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتجنب الإنفاق المهدر والالتزامات الطارئة الخطرة. في اتفاق الاتحاد الأوروبي - لبنان واستكمالًا لأولويات الشراكة، التزمت الحكومة بتعزيز إدارة المالية العامة في المؤسسات العامة وتعزيز القدرات القانونية والتنظيمية والمؤسسية والإدارية للبنية التحتية الجيدة.

طلب لبنان من صندوق النقد إجراء عملية تقييم لإدارة الاستثمارات العامةPIMA منتصف 2018. تقوم PIMA بتقييم عدد كبير من المؤسسات في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار العام، من التخطيط إلى مراحل التخصيص والتنفيذ، وتوصي بإجراء حكومي تفصيلي لتحسين العملية. خلافًا لدول مثل الأردن، لم يُعلن لبنان عن تقرير PIMA حتى الآن. في أي حال، لدى الحكومة الآن أداة ملموسة في متناول اليد لتوفير توفير أكثر كفاءة للبنية التحتية، والتي سيتم فحصها عن كثب من قبل المستثمرين الدوليين.

الحفاظ على السلامة المالية أمر حيوي للقطاع المصرفي في لبنان. تمتع النظام المصرفي اللبناني بسمعة الاستقرار والتنظيم القوي من قبل مصرف لبنان. اشاد برنامج دعم الاستقرار المالي لعام 2016 بلبنان للتقدم الكبير، لا سيما من خلال اعتماد قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الشامل في 2015، عقب تقييم المخاطر الوطنية. ومع ذلك، فإن ملخصات الاقتصاد الأوروبي الاقتصادية حددت الفجوات المتبقية بما فيها متطلبات السرية المصرفية، ومواءمة المخالفات مع المعايير الدولية، وإنفاذ تشريعات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تجاه كل المهن. تم إبداء القلق بشأن تقليص تقديم الخدمات المالية للمصارف اللبنانية، مما قد يشير إلى نقاط ضعف محسنة في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان. في أوائل 2019، أثار الدور الأبرز لـ"حزب الله" في الحكومة، مخاوف جديدة من أن تشديد العقوبات الأميركية على إيران وإذرعها قد يهدّد العلاقات المصرفية المراسلة.

معالجة الفساد ستعالج عقبة رئيسة في مجال الاستثمار. يعد عدم الاستقرار الحكومي والفساد من أكثر العوامل إثارة للمشاكل بالنسبة للشركات التي تمارس أعمالًا تجارية في لبنان، وفقًا لاستطلاع الرأي التنفيذي

الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017. يعد عدم وجود عقوبات على الأنشطة غير القانونية للجهات الفاعلة المرتبطة بالطائفية وتحويل الأموال من القطاع العام إلى جيوب الموظفين العموميين ورؤسائهم وعائلاتهم، من بين أكثر مشكلات الفساد انتشارًا. في حين أكدت الحكومة أن مكافحة الفساد هي إحدى الأولويات في بيانها الوزاري، فإن اتخاذ إجراء ملموس سيكون هو الأساس. وهذا ينطبق على تشريعات مكافحة الفساد، وكذلك على إنشاء هيئات التدقيق الخارجي ومراجعتها وتوفير الموارد الكافية لها.

الآفاق: من دون إصلاحات ملموسة، يخاطر لبنان بالتوجه نحو أزمة عملة وأزمة سيادية ومصرفية. بعد 9 أشهر من الانتخابات، عاد لبنان إلى المربع الأول. تم وضع خطة الإصلاح والاستثمار الخاصة بمؤتمر "سيدر"، وينتظر المانحون الدوليون أن يطبق لبنان الشروط المسبقة المتفق عليها. تعتبر الاجراءات الجريئة ضرورية في مجالات عدة لإظهار التزام الحكومة الجديدة بخطط الإصلاح وتنشيط زخم الإصلاح.

التطورات الإقليمية تحمل المخاطر والفرص. لقد أثر الصراع في سوريا على النسيج الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. لقد وُجهت للسياحة ضربة قوية، كما تعرضت البنية التحتية لمزيد من الضغوط بسبب التحدي المتمثل في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين. في حين أن استمرار الأعمال القتالية أو تفاقمها في المنطقة قد يزيد من تفاقم المشاكل الاقتصادية في لبنان، إلا أن تحقيق الاستقرار والانتعاش الناشئ في سوريا يمكن أن يكونا في أيدي لبنان إلى الحد الذي يضع فيه الآن الأسس لتثبيت موقعه كمركز إقليمي لإعادة الإعمار. وفي هذا المنظور أيضًا، ستكون القدرة السياسية على التصرف واستعادة الحيز المالي ونظامًا مصرفيًا يعمل بسلاسة وتحديث البنية التحتية للنقل والطاقة، أمرًا لا غنى عنه".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o