Mar 03, 2018 8:15 AM
مقالات

إن انتخَب الكتاب... لصَوَّت لِمن؟

 

إنه زمن المهرجانات الانتخابية. خطابات، «مشاريع»، تعبئة، مساعدات، إغراءات... وحتى تكريمات. في وقتٍ، حيث لصوت المواطن «المبحوح» قيمة، إستخدام كل الوسائل لازم لِكسب الصوت مهما كانت درجة «بحّته» و»حرقتِه». أن يخرق هذه المهرجانات مهرجانٌ لبنانيّ للكتاب أمرٌ غير مُستغرب في بلد يطبع فكراً وحرّية، لكن هَل مَن يتأثّر بما يُقدّمه هذا المهرجان كي يُصبحَ صوتُه أعمق وأعلى في آن؟ تُرى لو تغذّينا من أفكار الكتّاب والشعراء والفلاسفة لا من فتاوى وأحكام الوجوه نفسها، هل كانت لتتبدّل الوجوه؟

المُشاركون في المهرجان اللبناني للكتاب ليس عليهم إشهار أيّ هوية طائفية أو مناطقية أو ذمّة مالية... الهوية التي تخولّهم حجزَ كرسيٍّ لهم في مساحة المهرجان معروفة عنهم ولا داعي ليُظهروها، فشِعرهم أو كتاباتهم أو فنّهم يحكي عنهم.

مفتاح التغيير

ينطلق المهرجان اللبناني للكتاب اليوم. للسنة السابعة والثلاثين تمرّ أسماءٌ جديدة، وجوهٌ جديدة، كتبٌ جديدة، مُكرّمون جدد، تلامذةٌ جدد... ويبقى الفِكر والمعرفة الثابتان الوحيدان. لنتمعّن قليلاً بالأسماء التي حملتها دورات عدة من المهرجان. منصور الرحباني، وديع الصافي، غريغوار حداد، منير أبو دبس... ووجيه نحله هذا العام.

كلّ كتاب يفتح نافذةً جديدة في العقل البشري تطلّ على رؤية جديدة وعالمٍ جديد، مهما كان حجمُ هذه النافذة. تراكم القراءة يُراكم المعرفة، التي بدورها تُراكم الانفتاح، الذي بدوره يحفّز النقد، الذي يحثّ على المحاججة والمطالبة... والإبداع الذي يولّد التغيير. فالسلطة جزءٌ من شعبٍ.

ليس مقصوداً هنا «الكتاب»-الدستور الذي كان المرجع الأوحد لرئيس الجمهورية الراحل الجنرال فؤاد شهاب. ولكن لهذه الاستعارة دلالتها (للمصادفة). تسمية الدستور، القانون الأعلى في البلاد، بـ»الكتاب»، أمرٌ يجدر التمعّن به أيضاً.

عودةٌ إلى الكتاب، كل كتاب وأيُّ كتاب بشكلٍ عام (التعميم لا يشمل طبعاً ما لا تسمح مقوّماتُه بتصنيفه كتاباً)، هو سلاح يملك قوة التغيير اللاعبثي، اللاعشوائي، اللاغرائزي... لا تعمل دولتنا العليّة على تعزيزه وعلى التركيز عليه. والدعم إن لم يكن مالياً، ليس إلّا «مزحةً» غير مُضحكة.

 

سلطاتنا المتعاقبة تكتفي بالرعاية والدعم المعنويَين. خطّة ذكية. تحفظ ماءَ الوجه. تُظهر نفسها ضنينة على الثقافة وعلى المعرفة. تستميل مُنظّمي النشاطات الثقافية برعاية ممثليها أو حضورهم. تقول لرعاياها، أنظروا كم أهتمّ بثقافتكم وتثقيفكم. ويبقى الدعم كلاماً على الهواء و»بالهوا» يُضحك لشدة خياليّته وعدم صحّته (تلطيفاً للكلمة الأدقّ).

مجتمع المعرفة

الحركة الثقافية-انطلياس تنظّم المهرجان اللبناني للكتاب للمرة الـ38 في صالات دير مار الياس-انطلياس. أصحاب قلمٍ وفكر يُسخّرون وقتهم ومعرفتهم ليعمل كلُّ واحد منهم «عتّالَ» كتبٍ ومعرفة.

"رسالتنا الدفاع عن المعرفة وقيام مجتمع المعرفة، وإيماننا بأنّ الثقافة أساسٌ لأيِّ إنماء في المجتمع يحفّزنا على الاستمرار بتنظيم المهرجان اللبناني للكتاب»، يقول مسؤول النشاطات في الحركة الثقافية-انطلياس الدكتور عصام خليفة.

يُشارك في المهرجان (3-18 آذار 2018) 80 جهة بين دور نشر ومكتبات ومشاركين منفردين، وتُقام حفلات توقيع لـ 60 مؤَلَّفاً صادراً حديثاً. ومجاناً، ومن دون أيّ غايات إلّا تنمية المعرفة فالإنسان فالمجتمع فالوطن، تُنظّم الحركة في المهرجان 32 ندوة متنوّعة، فضلاً عن تكريم أعلام الثقافة وأساتذة ونساء في يومَي المعلم والمرأة، وتذكّر بأعلام الثقافة الذين غابوا خلال العام الماضي. ويلفت خليفة: «نصرّ دائماً على تنوّع المُكرَّمين، من الناحيتين المناطقية والطائفية. ونأخذ بعين الاعتبار التنوّعَ الطائفي كما تنوّع الاختصاصات في المجتمع".

تُشغَل المساحة حيث يُقام المهرجان بأكملها سنوياً، البعض يُشارك بشكل ثابت أو «حدا بيروح وحدا بيجي، لكنّ المهم أن تمتلئ المساحة». ويشير خليفة إلى أنّ هذا الأمر دليلٌ على أنّ المشاركين يحقّقون أرباحاً من المهرجان أو على الأقل لا يُمنون بخسارات مالية، على رغم الصعوبات التي يعاني منها المجتمع والتي تؤدّي إلى تقلّص القوة الشرائية.

مردودُ تأجير مساحة المهرجان سنوياً، يُغطي كلفة استئجار الصالة في دير مار الياس وأجور الموظفين. أما جوائز الطلاب فيقدّمها أصدقاءُ الحركة من خلال تبرّعات رمزيّة.

"المعرفة تؤمّن الإنماء في المجتمع وتصنع قوة المجتمع، ونحن نسعى لمجتمع الثقافة والمعرفة، بمعزل إن أحبّت الدولة أن تهتمَّ بدورها أو لا. نحن كمجتمع مدني نقوم بواجبنا، وليقم غيرُنا بواجباته»، يقول خليفة.

"ليبنوا مركزاً لجمع وحفظ الأرشيف، ليقوموا بتحسين الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي وليعطوا المعلّمَ حقوقَه... فيصل لنا حقُنا، ولا نريد منهم أيَّ دعم أو مساعدة».

راكيل عتيّق-الجمهورية

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o