Jun 07, 2019 6:38 AM
صحف

"ذئب طرابلس": عملية منظّمة ليست عفوية!

اذا كان الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية تمكنت بسرعة قياسية من تبديد المخاوف التي فجّرتها عملية "الذئب الارهابي المنفرد" عبد الرحمن مبسوط في هجومه الدامي ليل الاثنين - الثلثاء في طرابلس والتي تكبد فيها الجيش وقوى الأمن الداخلي ضريبة دم جديدة باستشهاد العسكريين الاربعة الملازم أول في الجيش حسن علي فرحات والمجند في الجيش ابرهيم محمد صالح والرقيب في قوى الأمن جوني ناجي الخليل والعريف في قوى الأمن يوسف علي فرج، فإن الحال بدت مختلفة تماماً من الوجهة السياسية إذ يكاد يصح القول إن الارهابي مبسوط حقق ما لم يكن في الحسبان. ذلك ان المشهد القاتم الذي سابق الصدمة التي تمثلت في عودة هاجس الارهاب ولو ضمن نطاق "هجمات الذئاب "المعروفة كبديل من عمليات التنظيمات الارهابية بعدما تلقت هزائم قوية في معظم بلدان المنطقة ومنها لبنان تمثل في اتساع التشققات السياسية على خلفية التداعيات التي فجرتها العملية الارهابية في طرابلس بحيث بدا واضحاً ان البلاد تعيش انكشافاً سياسياً كبيراً وهشاشة موغلة في اضعاف المناعة الرسمية والحكومية بما يخشى معه تفاقم متعاظم للخلافات والاحتقانات عند كل هبة ريح وأمام أي تطور أمني أو سياسي أو اقتصادي. 
واسوأ ما أسفر عنه هذا التطور الارهابي هو تفجيره سجالات ومعارك كلامية واعلامية اتسمت بحدة عالية بعد ساعات قليلة فقط من افتعال بعض "المتطوعين" هذه المعارك الكلامية بإقدامهم على توجيه اتهامات مبطنة الى جهات سياسية معروفة بأنها تدور في فلك "تيار المستقبل"، كما أكمل بعض آخر هذا النمط في نبش وقائع مجتزأة عن الارهابي مبسوط ليوحي بان أجهزة أمنية معينة اضطلعت بدور في اطلاقه من السجن، في حين تبين ان الارهابي كان نفذ حكما للمحكمة العسكرية بكامله وخرج بعده. لذا لم يكن غريباً ان تستغرب أوساط سياسية بارزة معنية بمواكبة المشهدين الامني والسياسي ان يكون الخرق المزدوج الامني والسياسي للواقع الداخلي من خلال هذه العملية قد تسبب بهزتين عنيفتين ستتركان تداعياتهما لوقت مديد على الاستحقاقات المقبلة. 
فمن جهة، لا يمكن تجاهل خطورة عودة الارهاب الى استهداف الساحة اللبنانية حتى لو كانت الثقة تعاظمت أكثر فأكثر بالقوى العسكرية والامنية، لكن ذلك لا يحجب خطورة هذا التطور، علماً ان التقويم النهائي لدرجة خطورته تتصل بانتهاء التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية وتحديداً مخابرات الجيش ليبنى على نتائجها التقويم الدقيق لمستويات الخطورة المحتملة. 
التحقيقات
وقد وصف مصدر أمني ما أقدم عليه مبسوط بـ"العمل المنظم وليس العفوي"، معتبراً ان تسلسل الاحداث بدءاً من الاعتداء الأول الذي نفذه ضد قوى الأمن ومن ثم الجيش يظهر ان احدى محطاته كانت تستوجب مساعدة من آخرين، خصوصاً انه بعد مهاجمة دورية الجيش واحتراق الجيب انصرف سيراً بعدما ترك دراجته النارية ما يعني انه قد يكون تزود مزيداً من الذخيرة قبل ان يصل الى المبنى الذي تحصن فيه قرب مستشفى التوليد. 
ورجح المصدر تلك الفرضية استناداً الى بعض الوقائع ومنها حيازة الإرهابي أكثر من 500 طلقة "كلاشنيكوف" أي ما يعادل 16 ممشطاً، إضافة الى قنابل يدوية وحزام ناسف. لكن مصادر قضائية أوضحت لـ"النهار" أن الحكم على الإرهابي السابق جاء ضمن سياق ملف انهاء أحداث باب التبانة وجبل محسن في العام 2016، وان العقوبة التي نالها كانت هي المستحقة ولم تكن مخففة أو مبالغاً فيها. وأضافت "ان قواعد وضعت في حينه لانهاء ذلك الملف ومن ثم التوصل الى مصالحة بين طرفي النزاع الذي أرهق الطرفين ومعهما طرابلس ولبنان، وان تلك القواعد صنفت المتورطين في الاحداث فئات وبحسب كل فئة كان الحكم. 
وتبعاً لذلك ناقضت المصادر القضائية تقديرات المصدر الأمني، منطلقة من ان أي تنظيم ارهابي لم يعمد الى تبني تلك العملية الارهابية، وعددت أمثلة عدة عن عمليات نفذتها الذئاب المنفردة في أكثر من دولة في العالم وكانت آخرها مجزرة نيوزيلندا الرهيبة والتي عمد المنفذ الى تصويرها بعدما قتل العشرات، كما شهدت أوروبا عمليات مماثلة ولا سيما في دول متطورة ومتقدمة في مجالات الأمن والاستخبارات والاستقصاء. 
من هنا أن الجزم بأي احتمال لا يزال محفوفاً بالتسرع، لكن الجديد البارز في الامر تمثل في توقيف نحو خمسة أشخاص يخضعون للتحقيقات التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش وجاء توقيفهم بعد استجواب أفراد من عائلة الارهابي ولا سيما منهم زوجته ووالده وشقيقه. وتردد ان مبسوط كان على علاقة بالموقوفين الثمانية الذين يرتبطون بجماعة الشيخ كنعان ناجي في طرابلس.

ارتباطات للارهابي! وفي السياق، افادت "اللواء" من مصادر مطلعة ان التحقيقات في احداث طرابلس تركزت عما اذا كانت للمتهم بها ارتباطات او ما اذا كان لديه شركاء وما قام به عمل محضر لضرب الأستقرار. واشارت الى ان التحقيقات الأولية اظهرت ان ما حصل ناجم عن عمل ثأري. وقالت ان الأشخاص الذين القي القبض عليهم يتم التحقيق معهم لمعرفة ما اذا كانوا شركاء معه. 
ولفتت هذه المصادر الى ان التحقيقات لم تنته لكن الأجتماع الأمني الذي عقد في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون صبيحة العيد توقف عند بعض الأستفسارات منها عن الجهة التي مدت الأرهابي بالسلاح والذخيرة. واكدت انه جرى التركيز على من جاء من سوريا وخلفيات الأتيان الى لبنان وضرورة قيام مراقبة لهؤلاء الداخلين الى لبنان. 
كذلك تم التأكيد على اهمية اتخاذ اجراءات في محيط اماكن العبادة. 
واوضحت المصادر انه قبل جلاء كل المعلومات والتفاصيل من قبل الجهات الامنية التي تتولى التحقيق في الجيش وقوى الامن، فإن الاعتقاد السائد حتى الان هو عدم ارتباط هذه الجريمة بمخطط كبير لإثارة اعمال ارهابية في البلد. لكن لا يمكن التثبت من اي امر قبل انتهاء التحقيقات وجلاء كل الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة. 

كذلك، ذكر مصدر أمني رفيع لـ"الحياة" أنه حتى مساء أمس الخميس لم تكن هناك معطيات جديدة حول ما إذا كان مبسوط قد تحرك في إطار مجموعة معينة". وأوضح المصدر "ان التحقيقات متواصلة ولا معطيات لإعلانها في هذا الصدد قبل الانتهاء منها. والهدف من توقيف الأشخاص الذين لهم صلات بالجاني جمع معلومات عنه وعن العملية التي نفذها وأدت إلى استشهاد عسكريين من الجيش أحدهما ضابط، وآخرين من قوى الأمن الداخلي، قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف.

وقال المصدر الأمني لـ"الحياة" إن مديرية المخابرات في الجيش لم تكلف بأي تحقيق جديد عن مرحلة سجن مبسوط، ورجحت أن يكون هذا الأمر منوطا بالقضاء، إذا هناك من نية لفتح تحقيقات في هذا الصدد.
ووفق المعلومات المتداولة من غير مصدر عن الملاحقات في حق مبسوط، ذكرت أوساط مطلعة أنه كان أوقف عام 2016 من قبل المديرية العامة للأمن العام، حين كان عائدا من تركيا بعد أن دخل منها إلى سورية حيث انتمى إلى صفوف "داعش"، بناء على مذكرة توقيف قضائية بناء لمعطيات لدى شعبة المعلومات عن نشاطاته مع التنظيمات الإرهابية، حيث سلمه الأمن العام لشعبة المعلومات التي حققت معه وحولته إلى المحكمة العسكرية مع ملف التحقيق لمحاكمته بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، فصدر الحكم في حقه بالحبس مدة سنة ونصف السنة.
وأشارت المعلومات المتداولة إلى أن مبسوط أوقف قبل شهرين حين زار مديرية مرفأ طرابلس، إلا أن طلبه قوبل بالرفض بعد أن جرى الاطلاع على سجله العدلي وبالتالي سوابقه وانخراطه في صفوف "داعش" في سورية، وأنه دخل السجن بسبب ذلك. وتشير هذه المعلومات ل"الحياة" إلى أن مبسوط استشاط غضبا حين تبلغ بالجواب السلبي على طلب توظيفه، وأخذ يشتم إدارة المرفأ ويتوعد، فأوقفه جهاز الأمن العام في المرفأ، ثم سلمه إلى الشرطة العسكرية، التي حققت معه ثم تُرك.

ذئب منفرد: ونُقل عن مصدر عسكري قوله "ان هناك فارقاً كبيراً بين ان يكون عبد الرحمن مبسوط "ذئباً منفرداً" كما يوحي تصرّفه، وبين أن يقول البعض إن ما قام به هو عمل فردي، لأنّ من شأن ذلك تبسيط الجريمة التي ارتكبها والتخفيف من دوافعها ودلالاتها».

كذلك، استغرب المصدر التفسير الذي يربط تصرّف مبسوط بـ«خلل نفسي لديه»، في حين انّ سجله الحافل يُظهر انّه صاحب خبرة في مجال الارهاب والقتال، وانّه مشبع بالعداء للجيش والقوى الامنية انطلاقاً من اعتباراته الايديولوجية.

ولفت المصدر العسكري نفسه، الى «ان مستنقع الإرهاب لم يجف كلياً بعد، إلاّ انّ الجيش جاهز للتعامل مع كل الاحتمالات وهو يعمل في اتجاه تفعيل الامن الاستباقي وتحصينه، آخذاً في الاعتبار الدروس المستقاة من الاعتداء الاخير».

وأضاف المصدر في «رسالة الى من يعنيه الامر»: «بصراحة، نحن نعتبر انّ بعض السياسيين يريد أيضاً ان يذبح العسكر، كما فعل مبسوط في طرابلس، وإنما بوسائل أخرى. للاسف هناك أكثر من مبسوط في الطبقة الحاكمة التي يوجد في داخلها من يسعى الى استهداف الجيش مباشرة من خلال التضييق المالي الذي تشمل مفاعيله الرواتب والآليات والصيانة والطبابة والتغذية وغيرها من الامور».

ونبّه المصدر الى «انّ اي إضعاف للجيش يستفيد «داعش» منه تلقائياً، وهذه معادلة محسومة»، مشدداً على «انّ المطلوب تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، وليس تقليصها، عبر بنود مجحفة في مشروع الموازنة».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o