Feb 08, 2019 8:53 AM
صحف

الراعي: لثورة شعبيّة ضد الفساد والفاسدين وسنتصدّى للمثالثة

عشيّة عيد مار مارون شفيع الكنيسة المارونية، تمنّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عبر "الجمهورية"، "ان يتمّ إنقاذُ البلد بشفاعة ابينا القديس مارون"، ويؤكد "ان الموارنة امّةٌ متجانسةٌ وباقيةٌ حتى لو إنتشرت في القارات أجمع وفرّقتها السياسةُ في اوقات شتى، لكن الإيمان الماروني والتمثل بسيرة ابينا القديس مارون وتعاليمه وقيَمه يُبقياننا صامدين بوجه كل انواع المخاطر والحروب.

ويتابع قائلاً "انظروا الى شعب مارون فما زال يقدّم قديسين للبشرية، لذلك لا خوفَ عليه، فنحن نكبر ونقوى بإيماننا المسيحي، نعمل للحق ولا نتعدّى على احد، نريد العيش بسلام لكننا في المقابل نرفص ان نكون ذمّيين عند احد، فالمارونية والحرية جوهران متلازمان، ولا يفكر احد مهما بلغ من قوة وجبروت بأنه قادر على إخضاعنا".

الراعي يسخر من كل مَن يقول ان لبنان سيبصبح أرضاً خالية من الموارنة، ويشدّد على "اننا نحن حرّاس هذه الأرض، ولا تستطيع أي قوة في العالم إقتلاعنا منها، دفعنا ارواحنا فداها، فالشعب الماروني يستشهد في سبيلها، ولدينا بطريركان شهيدان، ورهباننا لم يبخلوا في تقديم الدماء فداها"، ويضيف متسائلاً فأي عاقل يتصوّر اننا سنتركها لقمةً سائغةً للغرباء والطامعين"؟

ويراهن الراعي على الذاكرة المارونية الجماعية وعلى الحرص على حفظ تاريخ الأمة المارونية، ويؤكد "ان الماروني ماروني سواء كان في الجبال ام في الساحل أو في المهجر".

ويدعو الى "عدم الإستخفاف بالعلاقة التي نشأت بينه وبين الصخور والوديان، تلك العلاقة منحتنا القوة والعزيمة والإستقلالية، وباتت جبالنا وودياننا ملعب حريّتنا".

وفي عيد مار مارون، يعتير الراعي "ان الحفاط على لبنان ليس مسؤولية مارونية فقط بل مسؤولية وطنية شاملة، فالموارنة لم يعملوا لإقامة وطن قومي مسيحي بل ارادوا لبنان بشكله الحالي، ولاقاهم المسلمون الى منتصف الطريق، لذلك لا بد من تعزيز فكرة الإستقلالية اللبنانية لدى جميع مكوناته والإنتهاء من فكرة الإرتباط بالخارج او القوميات العابرة للوطن، فالأساس لبنان وولاؤنا الأول والأخير يجب ان يكون له، وإلا فكل فريق سيبحث عن قوة خارجية تحميه وتعطيه نفوذاً ويصبح عندها بلدُنا مشرّعاً لكل انواع التدخّلات والفتن والحروب".

ولا يخفي الراعي غضبه على معظم الطبقة السياسية، ويؤكد "ان تصرّفاتِها تدمّر البلاد، وهذا الأمر لا ينطلق من موقف شخصي من احد، بل ان الأرقام الإقتصادية والتقارير تُظهره".

ويقول "لم يصل لبنان في تاريخه الى هذا المستوى من الفساد، هناك مسؤولون فاسدون يشرّعون الفساد، ويعطون الشعب الفتاتَ ليُغرقوه في لعبتهم ويسكتون عليه وينهشون هم الخيرات والمليارات".

ويلفت الراعي الى "حجم الدين العام الذي يقترب من ملامسة عتبة المئة مليار دولار اميركي، ولا احد يحرّك ساكناً وكأن الهدف تفليس الدولة وإنهاء الكيان".

ويشدد على "ان المطلوب ثورة شعبية وثورة ضد الفساد والفاسدين وإلا سيسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع، فبكركي لا يمكنها ان تسكت لأنها بطريركية تدافع عن حقوق الشعب، وهنا اشدد كل الشعب، لأن الفقر يطال المسلم والمسيحي على حد سواء، والإنهيار لا يرحم احداً، ومن واجبنا ان نرفع الصوت عالياً".

ويدعو الراعي منبّهاً "نطروا ماذا فعلوا من اجل الحصول على الأموال الموعودة في مؤتمر "سيدر"، وكيف يفرّطون بها، فقد تأخّروا 9 أشهر عن تأليف حكومة بسبب خلافهم على الحصص والمغانم وكأن لبنان ملك ابيهم وورثوه ليدمّروه وهذا الأمر لن نقبل به بتاتاً.

في المقابل، لا يريد الراعي ان يكون سلبياً، إذ يرحّب بالولادة الحكومية الصعبة، ويدعو الى تعويض كل الوقت الذي ضاع منذ تسعة اشهر من دون اي مبرِّرٍ منطقي.

ويشير الى "ان امام الحكومة تحدّياتٍ كبرى ابرزها معالجة الوضع الإقتصادي والإجتماعي والمباشرة بالإصلاحات وتنفيذ مندرجات مؤتمر "سيدر".

ويطالب الوزراء حازماً بـ"ان يكونوا امناءَ على المال العام ويوقفوا مسلسل الهدر والفساد في وزاراتهم، لأن الإهتراء يأكل الدولة ومؤسساتها".

ويطلب الراعي من الحكومة الجديدة "بأن تكون فريق عمل متجانساً لا ان تتحوّل الى متاريس وجبهات متقاتلة، وهو يرى ويدرك ان التجارب السابقة لا تشجّع"، متمنّياً ترك الملفات الخلافية جانباً والمباشرة بالعمل لحلّ مشكلات الناس".

ووسط الخوف على الوجود المسيحي في لبنان، يرى الراعي "ان الوقت الآن ليس وقتَ تغييرِ نظام، فالأولوية للإنقاذ، ومَن يفكّر بهذا الأمر يفكّر بنفسه ويريد تحقيقَ مكاسب مستفيداً من فائض القوة الذي يملكه".

ويتابع "نسمع في الخفاء عن طروحاتٍ جديدة مثل المثالثة، وهذا الأمر مرفوص جملةً وتفصيلاً، ومَن يفكر فيه يريد إلغاء لبنان القائم بجناحيه المسلم والمسيحي، فالمسيحي شريك في الوطن والمدافعُ الأول عنه، وإذا تناقص ديموغرافياً فذلك لا يعني الإنقضاض عليه، لذلك سنتصدّى للمثالثة او اي طرحٍ آخر مشبوه من أي جهةٍ أتى".

ويشدّد "ان المطلوب تطبيق الدستور وإتفاق الطائف بنصّه وروحه، فيجدوا عندها المخارج لأزماتنا السياسية".

ويشرح الراعي "ان اللقاءَ الماروني الذي حصل في بكركي في 16 كانون الثاني الماضي ضروري، ولجنة المتابعة تقوم بعملها، والسبب الأساس لجمع الموارنة الشعور بالخطر على الكيان اللبناني وليس الطائفة، ونحن نتواصل مع كل الناس من كل الطوائف.

ويؤكد "ان التنسيق بين أبناء الطائفة مهم للغاية، فاللقاء ليس موجهاً ضد أحد، والتحرّك يبدأ من قلب البيت لينتقل الى الآخرين، لذلك سيكون العمل جدياً ومكثّفاً خصوصاً في المواضيع المطروحة، والأجواء حالياً بين الموارنة إيجابية لأن الجميع يتكلمون مع بعضهم ويتناقشون مصير الوطن على رغم الإختلافات الموجودة".

ويعتبر "ان العلاقة بين الموارنة قطعت اشواطاً كبيرة، فـ"القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" تصالحا ويجب الحفاط على المصالحة، والدكتور سمير جعجع والوزير السابق سليمان فرنجية إلتقيا في بكركي، لذلك على الموارنة ان يمنعوا الحقدَ من أن يتسرّب مجدداً الى نفوسهم والا سيدفعون الثمن من حضورهم ووجودهم، فالكره اخطر سلاح فتّاك يقضي على الوجود الماروني".

ويدعو الراعي الجميع الى "العودة الى مشروع الدولة لأنها تحمي الجميع من دون إستثناء، فلا مستقبلَ للدويلات في بلد مثل لبنان، ومن يفكّر بانشاء دويلته الخاصة سيرتد هذا الأمر عليه سلباً، لذا المطلوب جلوس الجميع مع بعضهم والمصارحة، فكّ القوى السياسية والطائفية كانت لها تجارب خاصة لكنها لم تصل الى أي مكان".

الراعي يطالب بالعمل فوراً لإنقاذ هيكل الدولة، فلدينا مؤسسات ما تزال تعمل رغم كل الفوضى والفساد، لذلك علينا أن نؤمِنَ بها وندعمها، فالجيش والقوى الأمنية إستطاعا أن يهزما "داعش" واخواتها والشبكات الإرهابية، وبالتالي فهما وحدهما مؤتمنان على الدفاع عنا ولحصر السلاح بأيديهما، لأن اللبناني على إختلاف أياً كان انتماؤه يدعم الشرعية".

وفي عيد مارون، يشدد الراعي على العلاقة الجيدة بين بكركي والفاتيكان، نافياً كل الشائعات المغرِضة التي يحاول البعض إطلاقها من اجل التصويب على الكنيسة، ويؤكد أن الشعب الماروني يطالب بكركي بالكثير لأنه يعتبرها مرجعيته، لكن المطالبة الأولى يجب ان تكون للدولة لحضّها على القيام بواجباتها.

 

ويرى ان الدولة تخطئ في اماكن كثيرة وكان آخرها إقرار القانون 46 التربوي الذي ضرب المدارس الخاصة والأهالي على حدّ سواء، ونحن نعمل جاهدين من أجل إطفاء كرة النار التي رُمِيت بين أيادينا".

ويضيف "نعم هناك هواجس مارونية واسئلة، مثل الديموغرافيا والجغرافيا التي تتآكل، ونحن نحاول جاهدين الحفاظ على أرضنا وعدم بيع المسيحي لها، ونجحنا الى حدٍّ بعيد في هذا الملف، وبالنسبة الى الخوف الديموغرافي، فإنه موجود لكن هناك دراسات تشير الى أن الخلل في الميزان بدأ يتصحح ونأمل ذلك".

اما بالنسبة لوظائف الدولة، فيدعو الراعي المسيحيين الى "الدخول الى الدولة وتصحيح الخلل، وعلى المستوى الإداري نتعب جاهدين للعودة الى المراكز التي كنا نشغلها، علما ان هناك من تعود بعد التسعين على أخذ القرارات والمراكز من دون ان يحسب الحساب للمسيحيين، وهذا الأمر يتصحّح تباعاً.

لم يشأ الراعي أن تمر زيارةُ البابا فرنسيس الى الإمارات من دون المشاركة فيها، إذ يصف الزيارة بالتاريخية، ويقول "ان ما اظهرته تلك الزيارة يُشكّل خيرَ دليل على أن الأديان السماوية تستطيع العيش معاً بسلام دون إرهاب وتطرف. ويُثني على كل ما فعلته القيادة الإماراتية قبل وخلال زيارة البابا، فهذه الزيارة وجّهت رسالةً كبرى للبشرية بأن الدين للسلام وليس للحروب ويجب السير وفق تعاليم الله لا تحويرها"، ويلفت الى إعلان الأخوة الإنسانية الذي وُقّع بين قداسة البابا وشيخ الأزهر حيث يجب أن نحمله الى بلداننا وبيوتنا ومجتمعاتنا".

ويقول "الإمارات قدّمت شهادةً للعالم كله بأننا اخوة في العالم والديانات هي مصدر الأخوّة والتلاقي، والحروب لا تأتي من الدين وإنما ممن يستغلّون الدين من أجل حروبهم".

ويطالب المسلمين والمسيحيين في الشرق ان يحافظوا على الرسالة العظيمة الموكلة اليهم من الله وان يعيشوا معاً، ويبنوا حضارة وثقافة معاً، ًًوان يُظهر المسيحي وجهَ الإسلام الحقيقي في العالم المسيحي وبدوره يُظهر المسلم الوجهَ المسيحي الحقيقي في العالم الإسلامي".

وفي النهاية، يدعو الراعي الشعب المسيحي الى الأمل بالغد وعدم الخوف، لأن ما مر علينا أصعب بكثير من وقتنا هذا، لكننا صمدنا وبقينا، وطالما أن هذه الجبال موجودة فالماروني باقي، ولبنان باقٍ أيضاً.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o