Mar 21, 2023 6:01 AM
مقالات

الهبوط عن شجرة السلطة

تدور المنطقة في فلك التسويات ويسابق الموفدون الزمن لاجتراح الحلول وعقد الإتّفاقات بالجملة في الإقتصاد والأمن أو ما اصطلح على تسميّته بالتطبيع الكامل، بما يدعو للدهشة والتساؤل في الوقت عينه، هل يعمل هؤلاء لدنياهم وكأنهم يحكمون أبداً أم لآخرتهم وكانهم يموتون غداً. هبط الإتّفاق الإيراني - السعودي بمنطاد صيني فانهالت بعده اللقاءات الإقليمية المفعمة بتوبة لم يتبين ملهمها حتى الساعة وبدعوة لدفن الماضي من أجل مستقبل أفضل.

تتموْضع الجمهورية الإسلامية في إيران في قلب المشهد الجديد، هي الضالعة والمتدخلة منذ تأسيسها في كلّ الأزمات الإقليمية بما يجعلها معنيّة الآن بكلّ التسويّات الراهنة. فقبل أن يجف حبر الإتّفاق مع المملكة العربية السعودية - بعد محادثات بكين التي أسفرت عن قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وأسّست لاستراتيجية جديدة عنوانها إعادة الإعتبار للسيادة الوطنية- أجرى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني مباحثات رفيعة المستوى في الإمارات، لينتقل بعدها الى العراق لتوقيع إتّفاقات حول حماية الحدود والتعاون في المجال الأمني. يسلط تكليف شمخاني بمهام تطبيع علاقات طهران مع الجوار العربي الأضواء حول أبعاد تخويل مجلس الأمن القومي القيام بالمهام التي تندرج في صلب عمل وزارة الخارجية لتجاوز مرحلة دقيقة راهنة تتزايد فيها الضغوط الخارجية وحول الأجهزة المكلفة بذلك والأسباب الكامنة وراء تحييد ملفات الخارجية والأمن عن المنافسة السياسية وإخضاعها لمؤسسات فوق حكومية صاحبة باع طويل في هندسة سياسات جديدة.

وبما يبدو أنّ ساعة الإستدارة الإقليمية قد حانت وأنّ دول الإقليم الوازنة قد اتّخذت قرارها بإنهاء أو تعليق مرحلة من العبث السياسي والتأهب لدخول مرحلة إقليمية جديدة، تندرج زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو منتصف الأسبوع المنصرم الى القاهرة - وهي الأولى لمسؤول تركي رفيع المستوى بعد عقد من العلاقات المتوترة بين البلدين - وإعلانه السعي لاستعادة العلاقات الكاملة مع مصر. التعهد التركي برفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع مصر إلى مستوى السفراء في أقرب وقت ممكن، وبتعاون أكبر بين أنقرة والقاهرة خلال الفترة المقبلة على المستوى السياسي والإقتصادي والعسكري والثقافي، والتجاوب المصري الذي أعلنه وزير الخارجية سامح شكري بتطبيع العلاقات مع تركيا في كافة المجالات، يؤكدان على إرادة سياسية لطيّ مرحلة إقليمية شائكة وعدائية بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في 13 تموز/ يوليو 2013، وإزدادت تعقيداً مع توقيع اتّفاقية ترسيم المناطق الإقتصادية الخالصة مع ليبيا في27 نوفمبر 2019 وموافقة البرلمان التركي على إرسال مستشارين عسكريين لدعم حكومة فائز السراج في كانون الثاني 2020، بما شكّل استفزازاً صريحاً لمصر على امتداد سنوات. حذفت أنقرة واقعة عزل مرسي من ذاكرتها وأسقطت خياراتها الأيديولوجية الإسلامية المستندة الى حزب العدالة والتنمية وكتعبير عن حسن النية أوقفت برامج سياسية في ثلاث فضائيات معارضة للنظام المصري تُبث من اسطنبول.

وفيما يمكن تصنيفه ضمن تداعيات الإتّفاق السعودي - الإيراني أعلنت المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، «أنّ لبنان يحتاج لتقارب لبناني وليس إيراني - سعودي»، بدورها اعتبرت طهران أنّ الازمة في اليمن هي أزمة سياسية داخلية تحتاج الى توافق بين اليمنيين، ليظهر فجأة الى العلن إنتهاء أزمة «خزان صافر» التي استمرت مستعصية لسنوات، بإعلان شركة هولندية البدء بتفريغ الخزان المتهالك وتفكيكه إعتباراً من مطلع شهر يونيو /حزيران المقبل تفادياً لمخاطره على الملاحة في البحر الأحمر.

وقد يكون في توقيع الإتّفاق السياسي النهائي في السودان في الأول من نيسان /إبريل القادم وفي التوقيع على الدستور الإنتقالي في السادس منه والبدء بتشكيل مؤسسات السلطة، وفي مباشرة التصديق على مواد قانون الإنتخابات في العراق أكثر من مؤشر على فك الإشتباك الإقليمي وسقوط نظرية الغزو المذهبي العابر للحدود ودعم الميليشيات الطائفية، وبمعنى آخر سقوط الإسلام السياسي بكافة فروعه لصالح إعادة الإعتبار للدولة الوطنية ومؤسساتها كأساس للتعاون الإقتصادي والأمني وتحقيق الإستقرار الإقليمي.

سيشكل نجاح التسويات التي تتشاركها الدول الإقليمية الأكثر تأثيراً، المملكة العربية السعودية، تركيا، مصر وإيران النقطة المحورية الجاذبة لتشكيل مرحلة جديدة قد تمتد لعشرات السنين، وبما يستحيل على الدول المتعثرة ومنها لبنان الخروج عن مدارها ومؤثراتها. وللبنانيين قبل سواهم من الأمثلة ما يؤكد استحالة القفز فوق ما يجري أو توْهم القدرة على تطويع الإندفاعة الإقليمية بعناصر ومكوْنات محليّة. يُستدل مما آلت إليه إجتماعات اللقاء الخماسي في باريس والفشل الفرنسي المتكرّر في تسويق نظرية الإستقرار المؤقت المرتكز الى جمع التناقضات وتطويعها، أنّ هناك استحالة في تجاوز الثقل الإقليمي وإسقاطاته على المسرح الدولي.

يتجاهل أولياء ما تبقى من سلطة في لبنان الرسائل الإقليمية الملزمة ويبالغون في تقييم قدراتهم، ربما تخون بعضهم الذاكرة أنّ القوى الإقليمية التي تذهب الى مسار التسويات هي من كانت وراء صعودهم الى شجرة السلطة وها هي الآن تقدّم لهم خيار الهبوط الهادئ بالرضى والقبول، فهل ينتظر هؤلاء أثمان الهبوط لإنعاش ذاكرتهم؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o