Jan 24, 2022 8:39 AM
صحف

الديبلوماسية الكويتية على خط أزمة لبنان مع الخليج… مَهمة "الفرصة الأخيرة"؟!

أنهى وزير الخارجية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد الناصر، أمس، «زيارة مَهمة» لبيروت أودع خلالها كبار المسؤولين اللبنانيين مذكرة مقترحاتٍ تحت عنوان «إجراءاتِ بناء الثقة» مع «بلاد الأرز» في أعقابِ الأزمة غير المسبوقة في علاقاتها مع دول الخليج العربي، بفعل انغماسِ «حزب الله» في صراعات الإقليم وتحويله لبنان «ممراً» لاستهداف أمنها واستقرارها.

وإذ اكتسبت زيارةُ الناصر أهميةً خاصةً، كما أشارت "الراي" الكويتية كونها الأولى لمسؤولٍ خليجي منذ انفجارِ ما عُرف بـ «خطيئة» تصريحات وزير الإعلام جورج قرادحي العدائية ضدّ السعودية والإمارات (أواخر أكتوبر الماضي)، فإن شكلها ومضمونها وتوقيتها جاء مدجَّجاً بالأبعاد التي تجعل مَهمة الديبلوماسية الكويتية وكأنها «مبادرة الفرصة الأخيرة» لبيروت لتصحيح المسار الذي جرفها بعيداً عن مقتضيات الشرعيتيْن العربية والدولية وجَعَلَ بلاد الأرز «منصة عدوان لفظي وفعلي» ضد بلدان الخليج.

ففي الشكل، زار أحمد الناصر، بيروت في إطار تحرُّك كويتي، خليجي، عربي، ودولي، ما يجعل المذكرة التي قُدمت إلى المسؤولين اللبنانيين كمدخلٍ لمعالجة الأزمة تحظى بغطاء خارجي مكتمل النصاب ويرفدها بعناصر قوة ديبلوماسية، يُرجَّح أن توازيها وقْعاً الإجراءاتُ المرتقبة بحال فشل هذه المبادرة وعدم التزام لبنان بمندرجاتها.

وفي التوقيت، لم يكن عابراً أن يأتي تحريك الأرضية الديبلوماسية مع لبنان على وهج التطورات المتلاحقة في الملف اليمني وتصعيد ميليشيا الحوثي عدوانها على السعودية والإمارات، وصولاً لدعوة الجامعة العربية، أمس «كل الدول لتصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية»، وأيضاً بعد «مضبطة الاتهام» التي وثّقها تحالف دعم الشرعية في اليمن لـ«حزب الله» بدعم الحوثيين «في تنفيذ عملياتهم الإرهابية» عبر المسيّرات، مروراً باستضافة بيروت وضاحيتها الجنوبية، مؤتمرين معادييْن: واحد للبحرين وثانٍ لكل دول الخليج، وليس انتهاءً بـ «تفعيل» عمليات تصدير المخدرات إلى هذه البلدان وبعضها تم إحباطه في لبنان.

أما في المضمون، فإن «الديبلوماسيةَ الناعمةَ» الكويتية لم تحجب المضامين المتشددة لمقترحات معالجة الأزمة والتي علمت «الراي» أنها من 12 بنداً، وقد تم التوصل إليها بالتنسيق بين الكويت والسعودية والإمارات وفرنسا والولايات المتحدة، وهي تجمع بين إطاريْن متكامليْن باتا يشكلان «خريطة الطريق» لإنقاذ لبنان من الانهيار الشامل، إلى جانب تأكيد ضرورة الالتزام باتفاق الطائف وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها (مايو 2022).

الإطار الأول تعبّر عنه روحية البيان المشترك الفرنسي – السعودي الذي أعقب زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لجدة ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي أحيا البُعد السياديّ للأزمة في لبنان ومع دول الخليج عبر معاودة جعْل القرارات الدولية ذات الصلة بسلاح «حزب الله» وضبط الحدود (1559 و1680 و1701) الناظم للواقع اللبناني بالتوازي مع موضوع الإصلاحات التقنية بوصْفهما شرطين متلازميْن لمدّ يد الدعم للدولة.

والإطار الثاني المكمّل، هو الذي تَبَلْوَرَ في قمة الرياض الخليجية التي أعقبت جولة ولي العهد السعودي على دول مجلس التعاون، والتي توجّهت إلى لبنان الرسمي برسالة مباشرة لا تحتمل التأويل انطوت على مطلب «سلة واحدة»… «اتخاذ الإجراءات كل الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية».

وقد جاء «مثلث الرسائل» التي حملها وزير الخارجية وكرّرها أمس في لقاءاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية بسام مولوي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، واضحاً في انضوائه تحت هذا السقف، وتحديداً في تأكيده «التعاطف والتضامن والتآزر والمحبة للشعب اللبناني الشقيق، وضرورة تطبيق سياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً وألا يكون لبنان منصة لأي عدوان لفظي أو فعلي، ورغبة الجميع بأن يكون لبنان مستقراً وآمناً وقوياً».

ورغم أن أحمد الناصر وضع «قفازات ديبلوماسية» في تصريحاته، رافضاً الحديث عن تهديداتٍ للبنان بحال لم يتم الوفاء ببنود ورقة المقترحات «فلبنان لا يستحق إلا حمائم سلام، ولا نتدخل في شؤونه الداخلية»، إلا أن بين سطور المواقف التي أدلى بها ولا سيما رداً على سؤال حول كيفية تطبيق القرار 1559 في ظل الانقسام اللبناني، تلميحاتٍ إلى «تبعات وإجراءات وإرهاصات» لعدم تطبيق أي بلد القرارات الدولية «الملزِمة لكل دول العالم».

وفيما جاء أول ردّ رسمي على المقترحات التي حَملها الوزير الناصر، عبر عون الذي أكد «ترحيب لبنان بأي تحرك عربي من شأنه إعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج العربي»، مؤكداً «التزام لبنان تطبيق اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والقرارات العربية ذات الصلة،» ومشيراً الى أن الأفكار التي وردت في المذكرة «ستكون موضع تشاور لإعلان الموقف المناسب منها»، لاقت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هذا المناخ بكلامها عن «ملامح إيجابية للأفكار التي حملها معه وزير الخارجية الكويتي ولكن لم تبدأ مناقشتها بعد».

وفي موازاة ذلك، برزت معلومات عن أن زيارة بوحبيب للكويت أواخر يناير الجاري، والتي ستتخللها مشاركته في لقاء تشاور عربي تستضيفه، «بحكم أنها الآن تترأس مجلس وزراء خارجية الدول العربية»، يُنتظر أن تكون مفصليةً في تحديد «الخطوة التالية» خليجياً وعربياً (ودولياً) حيال لبنان، ولا سيما في ظل التقارير عن تَرقُّب هذه الدول سماع جواب بيروت الرسمي (عبر بوحبيب) عن مقترحات الحلّ فيكون هذا الملف على طاولة اجتماع «الخارجية العرب» فإما يُطْلِق مسار بناء الثقة، أو يعمّق الأزمة ومعها المتاعب الديبلوماسية والسياسية للبنان «المنكوب» مالياً واقتصادياً ومعيشياً.

وعلمت "النهار" انه حمل الى لبنان رسالة خطية تحمٌل مبادرة خليجية – عربية – دولية من صفحتين تتضمن 12 بنداً وسلّمها باليد الى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب. وتمنى وزير الخارجية الكويتي الذي جاء الى لبنان بعد نحو شهر على استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، بصفته موفداً عربياً وخليجياً ودوليًا حاملاً مبادرة لإعادة تصحيح العلاقة مع دول الخليج بعد الازمة الاخيرة، الحصول على اجابات واضحة من الحكومة اللبنانية على المقترحات الواردة في الورقة الخطية في الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي ينعقد في الكويت في التاسع والعشرين من الشهر الجاري وذلك خلال مشاركة وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في هذا الاجتماع، والمفترض ان يتسلّم خلاله بوحبيب رئاسة المجلس الوزاري العربي في دورته المقبلة.

وتركز الورقة الخليجية -العربية، وفق مصادر دبلوماسية على اهمية التزام لبنان باتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والقرارات العربية وما سبق ان اعلنته الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن “النأي بالنفس” ، وتطبيق قرارات مجلس الامن ١٥٥٩ و١٧٠١ و١٦٨٠، ووقف التدخل في الشؤون الخليجية والعربية وعدم القيام بأعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون الخليجي ، واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها ، والتشدد في مراقبة الصادرات الموجهة الى الخليج ومنع تهريب المخدرات، والتعاون بين الاجهزة الامنية اللبنانية ودول مجلس التعاون الخليجي. وتنتهي الورقة بالتمني ان تكون لدى لبنان اجوبة حول هذه النقاط خلال الاجتماع الوزاري العربي لوزراء الخارجية العرب في الكويت نهاية الشهر الجاري. ووفق المصادر فان الورقة جاءت على ذكر “حزب الله” في سياق الحديث عن وقف الاعمال العدائية ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج. ولم تتضمن الورقة أي إشارة الى مساعدات ولم تأت على ذكر الجيش خلافا لما تم تداوله إعلاميا.

وأوضح الوزير الكويتي للصحافيين في كل محطات لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين انه حمل “رسالة كويتية، خليجية، عربية، ودولية، كإجراءات وأفكار مقترحة لبناء الثقة مجددا مع لبنان، وكل هذه الأفكار والمقترحات مستنبطة، وأساسها، قرارات الشرعية الدولية والقرارات الأخرى السابقة لجامعة الدول العربية. وهم الآن بصدد دراستها، وان شاء الله يأتينا الرد على هذه المقترحات قريبا”.

وردا على سؤال هل دول الخليج التي اتخذت إجرءات بحق لبنان ستراقب ما يقال فيه، بعد كلامه عن الا يكون لبنان منصة “للعدوان اللفظي”؟ أجاب: “ان الذي طالبنا به هو الا يكون لبنان منصة لأي عدوان لفظي او فعلي. نحن نريد لبنان مثلما كان لأكثر من 73 سنة: عنصرا متألقا، أيقونة ورمزية مميزة في العالم وفي المشرق العربي. لبنان واحة وساحة أمل للجميع، ملجأ للمثقفين، للفنانين والأدباء وللعلوم الإنسانية كلها. هذا هو لبنان الذي نعرفه. هو ليس منصة عدوان، ولا أي مكان آخر لجلب أي حساسية تجاه هذا البلد الشقيق وهذا الشعب الجميل. هذه هي المسألة الأساسية في هذا الأمر. وأنا أجدد أن ليس هناك ابدا أي توجه للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان. هذه أفكار ومقترحات كإجرءات لبناء الثقة، نتمنى ان يتم التعامل معها بالشكل المفيد للجميع”.

وعما إذا كانت الكويت مستعدة لرعاية حوار في لبنان تحت عنوان تطبيق اتفاق الطائف أعلن بوضوح: “نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبنان. فقط تطبيق ما تم الاتفاق عليه مسبقا، ومن بين ذلك اتفاق الطائف. واذا كانت هناك بعض الالتزامات التي لم تنفذ لغاية الآن، فان شاء الله من خلال تطبيقه بشكل ملموس، نصل الى مبتغى الجميع”. وعن مدى إمكانية لبنان تطبيق القرار 1559 في ظل الانقسام السياسي الواضح، قال: “هذا أمر يعود الى اللبنانيين أنفسهم، وليس أمرا يعود الى الكويت. لكن كل قرارات الشرعية الدولية ملزمة لكل دول العالم، وإن شاء الله لبنان وجميع من هم معنيون في هذا القرار بالذات يصلون الى أمر يكون متوافقا مع قرارات الشرعية الدولية”.

وقالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية»، انّ الورقة التي سلّمها وزير الخارجية الكويتي الى ميقاتي تهدف وفق ما تضمنته من افكار عامة، الى طي الصفحة السابقة بين لبنان ودول الخليج. وهي تتألف من 10 بنود معظمها وارد في البيان الوزاري للحكومة، خصوصاً لجهة التشديد على سياسة النأي بالنفس وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وقد ابلغ الوزير الكويتي الى الذين التقاهم أنّ هذه الافكار العامة نوقشت بين الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية. واكّدت هذه المصادر انّ هذه الأفكار سيناقشها المسؤولون اللبنانيون، وسيستكمل وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب البحث فيها مع المسؤولين الكويتيين خلال زيارته الرسمية الى الكويت في 29 من الشهر الجاري. ولفتت المصادر الى أنّ الوزير الكويتي أبلغ الى ميقاتي دعوة رسمية من نظيره الكويتي لزيارة الكويت.

وفي المعلومات، انّ الورقة شكّلت خلاصة لمختلف النقاط التي ركّزت عليها المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جولته الخليجية، وتلك التي اجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جولته على دول مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة البيانات الثنائية التي انتهت إليها كل زيارة، وتلك التي صدرت عن قمة دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية العام الماضي.

وعليه، قالت المصادر لـ«الجمهورية»، انّ توقيت زيارة الموفد الخليجي في هذا التاريخ مردّه الى الطلب من الجانب اللبناني ان يدرس هذه الورقة في مهلة تنتهي عند انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب المقرّر في 30 كانون الثاني الجاري في الكويت برئاسة وزير الخارجية الكويتي، على ان يحمل الرد وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الى المجتمعين. وان يوفّر الجواب قبل الموعد، ويودع لدى رئيس الدورة لهذه السنة، ليكون الاجتماع مناسبة للبحث في هذا الموضوع للبت به سلباً او ايجاباً.

وأبلغت اوساط سياسية واكبت جولة وزير الخارجية الكويتي على المسؤولين الى «الجمهورية»، انّ ورقة المطالب الخليجية لإعادة بناء الثقة مع لبنان هي شديدة الحساسية ولا يمكن قبولها بالكامل او رفضها بالكامل، لافتة إلى أنّ بعض البنود يمكن التجاوب معه والبعض الآخر يستحيل تنفيذه حالياً خصوصا ما يتعلق بتنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح «حزب الله».

واشارت الاوساط، الى انّه وعلى رغم السقف المرتفع للورقة، توجد فرصة للبناء عليها والانطلاق منها للوصول إلى تفاهم وتفهم متبادلين، على قاعدة ان يراعي «حزب الله» المصلحة الوطنية التي تقضي بضرورة عدم استهداف الخليج انطلاقاً من لبنان، وان تراعي الدول الخليجية خصوصية الواقع اللبناني وما يمثله الحزب ضمنه، بحيث لا تبالغ في طرح شروط ليست للدولة قدرة على تنفيذها.

واعتبرت الاوساط انّ زيارة الوزير الكويتي الى بيروت تحمل «الجزرة والعصا» في آن واحد، مشدّدة على أهمية ان تتمكن التسوية المفترضة من التوفيق بين مصالح الجانبين.

وبحسب "نداء الوطن" أمهلت الدول الخليجية الجانب اللبناني 5 أيام لتقديم إجابات واضحة ومباشرة حيال النقاط الواردة في الرسالة التي نقلها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح إلى المسؤولين اللبنانيين، تمهيداً ليحمل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب هذه الإجابات معه إلى الكويت في 29 الجاري، فإنّ الأيام الفاصلة عن هذا الموعود ستشهد مشاورات رئاسية مكوكية بين قصر بعبدا وعين التينة والسراي الكبير لبلورة صيغة الرد اللبناني الرسمي على الرسالة الخليجية، وسط إرباك جلي طغى خلال الساعات الأخيرة على أجواء أركان السلطة إثر مباغتتهم بسلة متكاملة من المطالب العربية لا تستثني وجوب تطبيق القرار 1559 الذي ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الشرعية، لا سيما وأنّ المعلومات المتواترة من دوائر الرئاسة الأولى كشفت أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان عرّاب القرار 1559، سارع أمس إلى التنصل منه أمام الضيف الكويتي مبدياً تحفظه بشكل غير مباشر على مطلب نزع سلاح الميليشيات في لبنان، في إشارة إلى استحالة حل مشكلة سلاح “حزب الله” باعتبارها مشكلة إقليمية أكثر منها لبنانية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o