Jun 11, 2021 11:55 AM
مقالات

في مئوية لبنان الكبير... لبنان صغير

كتب أديب أبي عقل:

المركزية- في خضم التطورات والتحركات التي تحفل بها المنطقة والعالم، وفي وقت تستعد دول الشرق الأوسط لملاقاة هذه التطورات والتعاطي معها بما يمنع التداعيات السلبية عليها، يبدو لبنان بعيدا عن هذا المسار وكأن الأمر لا يعنيه، وهو ينتظر ما سيقرره الآخرون عنه، ويملأ وقت الانتظار هذا بحسابات انتخابية ومصالح خاصة.

ذلك أن تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب اللبناني لم يعد أولوية لدى المسؤولين، حيث يركز المعنيون على معرفة هوية الرئيس المقبل للجمهورية وشخصيته قبل التعاطي في أي أمر آخر، فيما وجود الدولة كسلطة قرار وإجراء وتنفيذ، معدوم.

وهذا مردّه، في جانب أساسي، إلى مفهوم حجم الدولة بالنسبة إلى المسؤولين، الذين يغضون الطرف عمدا حينا، وعن عجز حينا آخر، عن استباحة مقوّمات السيادة والقرار، وتحدي السلطة علنا، من دون موقف منها، أو في أحسن الأحوال، تسجيل اعتراض، ولو شكلي، على مثل هذه المواقف والتصرفات.

فكيانية الدول ودورها وقوة قرارها تنبثق من حجمها المعنوي والسياسي أولا بمعنى  جعل هذا الحجم قادرا ومقتدرا، ومتحررا من كل الأثقال السياسية وغير السياسية التي تشد الدولة إلى الأسفل، لا بل إلى القعر، كما الحال اليوم.

وليستقيم الوضع اللبناني من جديد، على أهل الحل والربط، وفي موازاة انشغالاتهم بالحسابات الخاصة والضيقة والاستحقاقات المقبلة وتأليف الحكومة، العمل على إعادة تكبير حجم الدولة لنكون على الطريق إلى الدولة المنشودة والمنتظرة، دولة الحق والحرية والعدالة.

ولكن، كيف يمكن تكبير حجم الدولة وفيها هذا الكمّ الهائل من الموظفين والمتعاقدين والأجراء والمياومين، ونسبة كبيرة من هؤلاء لا تنتج، بل لا تحضر إلى العمل أساسا لتنتج، والاستخدام يتم لحسابات انتخابية على رغم قانون منع التوظيف، وفي ضوء الوضع المالي السيئ للدولة، باعتراف أهل السلطة أنفسهم؟

كيف يمكن تكبير حجم الدولة، وهي عاجزة عن تأمين متطلبات العيش الأساسية من غذاء ودواء ومحروقات، ومشهد طوابير الذل والإنتظار، المستعاد من زمن الحرب، بات الصورة اليومية التي تنقل إلى الخارج عن لبنان؟

كيف يمكن تكبير حجم الدولة وفيها أحزاب وتيارات أقوى من الدولة، وتتخذ قرارات منفردة بالحرب أو التفاوض مع الخارج لاستيراد أدوية ومحروقات وغيرها وتتحداها علنا بأن تمنع أو تواجه أو على الأقل تعترض على هذه الخطوات؟

كيف يمكن تكبير حجم الدولة بالإحجام عن استكمال البناء القضائي، السلطة الثالثة في البلد، وعض الطرف عن خطوات  استعراضية منفردة لم تتخط العراضة الاعلامية وتوقفت بلا أي نتيجة؟

كيف يمكن تكبير حجم دولة غير قادرة، وتستطيع إن عقدت العزم، على ضبط التهريب إلى الخارج لمواد مدعومة من أموال اللبنانيين المحرومين من هذه المواد، ويعانون الذل والقهر للحصول عليها ولو بالتقنين؟

كيف يمكن تكبير حجم دولة بمساحة لبنان الجغرافية وعدد سكانه الذي أصبح نصفهم مهاجرا ومهجّرا، وفيها ثلاثون وزيرا، يصح اعتبار بعضهم غير منتج، ومئة وثمانية وعشرون نائبا، بعضهم لا يكلّف نفسه عناء الحضور إلى المجلس، ونسبة مَن هم لولب حركة التشريع لا تنوف عن خمسة في المئة  في أفضل الأحوال، من دون إغفال الرواتب والتعويضات والامتيازات المادية المعطاة لهم من أموال الشعب، وهم الذين ترشحوا باسم الشعب ولخدمته (!)؟

كيف يمكن تكبير حجم الدولة واستنزاف الأموال من المصرف المركزي جار على قدم وساق، في وقت تتقاعس السلطة عن تأمين الجبايات اللازمة من كل المناطق، ما من شأنه تخفيف العبء عن كاهلها وكاهل لبنانيين يعيشون تحت سقف القانون، فيما آخرون خارجون على كل القوانين والأعراف؟

كيف يمكن تكبير حجم الدولة ومسؤولوها يضعون أي تباين في الرأي أو اختلاف سياسي مع الآخرين في إطار شخصي محض، وهذا أمر غير موجود على الاطلاق في الأنظمة الديموقراطية؟

كيف يمكن تكبير حجم دولة، غالبية مسؤوليها اقزام في الممارسة السياسية، وصغار في الحس الوطني والاخلاق الوطنية، وهم خلفوا قامات كبيرة سياسياً وانمائياً ووطنياً وتوافقياً، عملت على إبقاء لبنان على دوره الرائد في محيطه والعالم، وإبعاده عن صراعات الآخرين والابتعاد عنها، وعدم جعله تابعاً كما اليوم؟

ذات مرة، وقف الرئيس تمام سلام في منزله أمام صورة والده الرئيس الراحل صائب سلام وقال: "ماذا أخبرك يا أبي؟ في أيامكم كان المجلس النيابي من أربعة وعشرين نائبا، والحكومة من ثمانية وزراء، والدولة كبيرة. أما اليوم، فمئة وثمانية وعشرون نائبا والحكومة ثلاثون وزيرا والدولة تصغر".

في مئوية لبنان الكبير... لبنان يصغر ... حمى الله لبنان... 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o