Jun 08, 2021 1:53 PM
مقالات

فيديرالية مواقف في السياسة... ووحدة شعب في الفقر والقهر

كتب أديب أبي عقل

المركزية- لم يحصل مرة في تاريخ لبنان القديم والحديث أن تهتم الدول التي "تنتج" مواصفات الرئيس اللبناني بهذا الاستحقاق كما يحصل اليوم. خصوصا وأن أبناء الداخل الطامحين للخلافة الرئاسية بدأت حروبهم الإلغائية على الآخرين منذ السنة الأولى للولاية الراهنة.

إلا أن الاهتمام الاقليمي والدولي ينصب من الآن، ليس على وضع المواصفات "للبدلة" الرئاسية المقبلة في ظروف خارجية قريبة وبعيدة صعبة ومتوترة، إنما على التعاطي مع فترة ما بعد انتهاء العهد، بحيث قد لا تبدأ الولاية اللاحقة إذا كانت خريطة المنطقة، ومن ضمنها لبنان، غير مكتملة المعالم والصورة والحدود الجيوسياسية التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة وتوجّهاتها، ودور كل طرف فيها لعقود مقبلة، على قاعدة محادثات ومفاوضات وتفاهمات يتمّ تحضيرها راهنا، بحيث تكون نتيجتها، وكما يرغب القائمون بها، بديلا لحروب باردة أو بالواسطة أو مباشرة.

وفي خضم هذا المشهد، لا يبدو المسؤولون اللبنانيون أهل اطلاع ومواكبة وقراءة هادئة لتطورات الأوضاع، لاستخلاص العبر وتغيير بوصلة التوجهات بما يتناسب مع متطلبات المرحلة سياسيا واقتصاديا. بل هم منغمسون من الرأس حتى أخمص القدمين في سياسة "المختار والناطور" و"القال والقيل" و"الحرتقات" ومحاولات تسجيل النقاط على الآخرين وكيل الاتهامات والشتائم لهم، فيما البلاد تسير بسرعة نحو الانهيار على كل المستويات وفي كل المجالات والقطاعات.

ولم يعد مفيدا، بل أصبح مملا تماما كحكاية "إبريق الزيت"، الكلام عن المخاطر المحدقة أكثر، في حال استمر الوضع بلا حكومة، ولا سلطات تشريعية وقضائية وصحية وتربوية واقتصادية ومالية تعمل بالحد الأدنى، في موازاة إدارة ظهر ولا مبالاة في المحيط المجاور، وعزلة دولية واضحة ليست في حاجة إلى شرح أسبابها.

وفي غياب أي معطى أو مؤشر سياسي للمرحلة المقبلة، يبقى الهاجس الأمني خطر المخاطر. وهو يطل برأسه ليكون البديل لفشل أهل الحكم والسياسة في ايجاد الحلول للأزمة القائمة، والتي تضيّق الخناق على اللبنانيين في سعيهم وحقهم في العيش الحر والكريم، في دولة الحق والعدالة والحرية، وهي صفات لا تزال غائبة عن عقول أهل السلطة واهتماماتهم.

والمسؤولون، وبدلا من الاهتمام بأوضاع الناس المعيشية واتخاذ الخطوات العملية لضبط الحدود ومنع التهريب ومحاربة الفساد واعتقال الفاسدين والمفسدين، يركزون اهتمامهم اليوم على متابعة "تحركات" قائد الجيش العماد جوزف عون منذ زيارته الأخيرة لفرنسا واستقباله هناك بحفاوة ومظاهر تكريم لافتة لا تقام عادةً لقادة الجيوش، حيث نادرا ما يستقبل رئيس فرنسا قائد جيش دولة أخرى مهما كانت صديقة، وعلى زيارته أمس للسفير السعودي في بيروت، وكذلك زيارته المرتقبة لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.

وبات واضحا أن الأهداف هي الاطّلاع على الوضع الأمني في لبنان والإمكانات الموجودة لدى الجيش، إضافة إلى ما يحتاجه للحفاظ على الأمن في مرحلة فراغ محتملة بعد انتهاء الولاية الرئاسية، وتوجّه إلى احتمال تأجيل الاستحقاقات المقبلة، ووضع اللبنانيين في أجوائه منذ الآن من خلال "بروفة" التمديد للمجالس البلدية ثلاثة شهور، في مقابل حركة أوروبية وأميركية ضاغطة، انضم إليها الفاتيكان منذ أيام، تهدف إلى قيام حكومة في أقرب فرصة والتشديد على إجراء الاستحقاقات الثلاثة المقبلة ليحدّد اللبنانيون عبرها خياراتهم السياسية الداخلية والخارجية، ويحدّد العالم الخارجي بدوره بوصلة تعاطيه مع الخيار اللبناني الجديد.

ذلك أن الاضطراب الأمني، في حال حصوله هذه المرة، سيخرج بالتأكيد عن السيطرة، ويكون مخرّبا للمحاولات الجارية لرسم خريطة المنطقة للمرحلة المقبلة، والضغوط الدولية المصحوبة برسائل ديبلوماسية واضحة إلى الأفرقاء في الداخل، وإلى الدول الاقليمية من ايران إلى سوريا إلى إسرائيل من أجل عدم تغيير قواعد الاشتباك الراهنة.

أين أهل السلطة اللبنانية من ذلك كلّه؟

الجواب يُستخرَج من مماحكاتهم اليومية وعناد كل طرف معني بحلّ الأزمة من جانبه، ووضع تعاطي الآخرين معه في إطار شخصي، حيث "يتمترس" كل فريق "مع جماعته" في محيطه الضيّق والمحدود، بعدما منعت ممارساته وتصرفاته، خصوصا في تعاطيه "الاختلافي" مع الأفرقاء الآخرين، توسيع رقعة علاقاته وامتدادها إلى كافة أرجاء الوطن، فبات أسير مواقفه ومواقف الآخرين وقراراتهم منه.

أدخلت هذه الممارسات البلاد في "فيديرالية" مواقف وتوجهات سياسية على طرفي نقيض، بينما الشعب موحّد في الفقر والقهر اللذين أوصلته إليهما هذه الممارسات.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o