Apr 30, 2021 1:37 PM
مقالات

الدولة القوية... واقع ومرتجى

كتب اديب ابي عقل:

بات واضحاً ان التخبط الحاصل على الساحة الداخليةفي الوقت الضائع، مرتبط بشكل عضوي ووثيق بما يحصل في المنطقة، من المحادثات المتصلة بالملف النووي الإيراني، وصولاً الى المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود النفطية، من دون إغفال ملف التهريب وتداعياته السلبية الاخيرة على لبنان، بعد قرار المملكة العربية السعودية وقف استيراد البضائع والمواد الغذائية اللبنانية.

وفيما تتراكم الملفات وتتزاحم، لتزيد العزلة والإرباك، على مستوى المسؤولين المربكين أساساً بالملف الحكومي، والاوضاع السياسية والاقتصادية المتهاوية، المصحوبة بمواقف متشنجة، ولغة تخاطب تحاكي الغرائز وتزيد الانقسام، وتستحضر صوراً وصفحات يريد الجميع نسيانها وطيّها، تبدو الأمور متجهةً نحو المزيد من التدهور، في حين تقتصر المعالجات على اجتماعات سياسية واقتصادية وأمنية، تكشف بالبيانات الصادرة عنها، والخطوات التي تقرر اتخاذها، التقصير في إجراءات ضبط الأوضاع ومنع التفلّت. في المقابل، لا يزال طرح الشعارات والكلام فوق السطوح، عن قوة الدولة وهيبتها، المادة الوحيدة المتبقية لدى من في يدهم - او يُفتٓرض ان يكون- قرار الحل والربط، لتكون الدولة قوية بالفعل والقول في آن.

الدولة القوية، هي الدولة صاحبة القرار، الذي لا يشاركها فيه احد، ولا يمليه عليها احد، سوى ضمير المسؤولين فيها، والمصلحة الوطنية التي هي دائماً فوق كل اعتبار.

الدولة القوية، هي التي تحترم دستورها وقوانينها، وتسهر على تطبيقها بدقة وحزم، واحترام المواطنين وحقوقهم المنصوص عنها فيها.

الدولة القادرة، هي التي تمنع اي تجاوز لوجودها ودورها وهيبتها، عن طريق المخالفات، التي تغطيها حمايات سياسية ونافذة، أو القفز فوقها بقرارات يتفرّد بها أشخاص وجماعات في مجالات شتى، تبدأ بالسياسة، وتمرّ بالقضاء، ولا تنتهي بالامن والاقتصاد.

 

الدولة العادلة، هي التي تُرسي العدالة بين ابنائها، من دون اي اعتبار، لأن الجميع، بلا استثناء، متساوون امام القانون، ولا فضل لمواطن على آخر، الا بمقدار تحلّيه بروح المواطنة، وتصرّفه بمسؤولية في سلوكه المجتمعي والوطني.

الدولة النزيهة، هي التي تضع قانوناً انتخابياً، يُلبّي طموح المواطنين في صحة اختيار ممثليهم، وتضع هيكلية ادارية متناسقة وغير فضفاضة، يكون فيها الشخص المناسب في المكان المناسب.

الدولة المحترمة، هي التي تحترم علاقاتها مع الدول القريبة والبعيدة، الشقيقة والصديقة، وتحترم المواثيق والاتفاقات والتعهدات، وتنأى بنفسها عن مشكلات الآخرين، لمنع اي ارتدادات سلبية على الداخل، وترسي علاقات احترام متبادل، وتفي بالتزاماتها حيال المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية.

الدولة السيدة، هي التي لا تساوم على سيادتها على ارضها، وحدودها البرية والبحرية، وتمنع اي تسويات او صفقات، مرتبطة باستحقاقات داخلية مهما كان نوعها، حتى الرئاسية منها، وتتولى بقواها الذاتية الشرعية، الدفاع في وجه اي اعتداء او تعدٍ، حيث يكون الشعب اللبناني كله، بقطاعاته وطاقاته، خلف هذه القوى، في جبه اي خطر يتعرّض له البلد.

الدولة الديموقراطية، هي التي تؤمّن حرية التعبير- تحت سقف القوانين- ولا تدرج من يرفع الصوت او يتظاهر مطالباً بحق، في خانة تعريض الوضع الأمني او السلم الأهلي للخطر، وهي تلك التي يُفتٓرض-بل يجب- ان يعرف المسؤولون فيها ان الحكم استمرار، فلا يلغون تاريخ الأسلاف، ومن سبقهم في تولّي المسؤولية، ويوحون ان الخطوات الإنقاذية تبدأ معهم.

وعندما يتنبه المسؤولون، جميع المسؤولين، الى هذه المعطيات، ويعملون بوحيها، بلا اعذار وتبريرات واهية للفشل، ورمي المسؤولية على الغير، والتذرّع بالتركة الثقيلة، وهي ليست كذلك، على اعتبار انهم جميعاً شاركوا في المسؤولية منذ الطائف الى اليوم، يمكن القول ان هناك أملاً في النهوض من الوضع الكارثي، والتأسيس لمرحلة قيام الدولة القوية، التي يفخر كل مواطن بالإنتماء اليها، وحمل جنسيتها، ولا تبقى الأمور مقتصرة على شعارات برّاقة.

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o