Apr 29, 2025 3:06 PMClock
متفرقات
  • Plus
  • Minus

عقيقي: لبنان في حاجة الى اعلام يُعلي مصلحة الوطن فوق كل انتماء

المركزية - شارك العميد منير عقيقي في ندوة عن "دور الاعلام في تعزيز الأمن"، قال فيها: "ما دام عنوان الكلمة يتناول "دور الاعلام في تعزيز الامن"، اتوجه بتحية الى رجال الاعلام والامن الحاضرين في هذه الصالة.
  
اولا، أشكر منظمي المؤتمر في دورته الثالثة عشرة،  لإتاحة الفرصة لي للمشاركة في هذه الندوة التي تتناول موضوعا محوريا، هو "دور الإعلام في تعزيز الأمن".

في ظل الأزمات المتلاحقة التي نعيشها في لبنان، يتبيّن لنا يوما بعد يوم أن الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح لاعبا رئيسيا في تشكيل الوعي الجماعي، وبناء السلم الأهلي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والحراك السياسي، والاضاءة على كل جوانب حركة المجتمع ومؤسسات الدولة الدستورية وقطاعاتها العامة والخاصة، ومن بينها قطاع الامن.

خلال تجربتي المتواضعة في الاعلام الامني منذ العام 1985، في الجيش او في الامن العام وحتى اليوم، كنت اواجه اشكالية رئيسية وهي كيف نؤمّن متطلبات "نَهَم" الاعلام وتوقه الى الحصول على الخبر، وهذا الامر يصب في اساسيات مهمات الاعلام ودوره ورسالته. في مقابل المحافظة بعض الاحيان على المعلومات وعدم البوح بها لأن في ذلك احتمالا لكشف امور قد تؤثر على الامن والسلم والاستقرار. وبالفعل كان يقع الاعلام والامن في معضلة "من يساعد من"؟ هل الاعلام في خدمة الامن، ام الامن في خدمة الاعلام؟ ولا يزال هذا السؤال مطروحا الى يومنا هذا، واكبر دليل على ذلك عنوان الندوة التي نحن في صدد مناقشتها حول "دور الاعلام في تعزيز الامن". 

السؤال الذي يطرح نفسه في ندوتنا هذه: هل للاعلام دور في تعزيز الامن؟

والى هذا السؤال، نطرح الاشكالية من تصورات أخرى: هل للاعلام دور في تقويض الامن والسلم الاهلي للبلاد؟ هل الامن في حاجة الى الاعلام لتعزيز الاستقرار؟

امام العولمة المطلقة، التي انتجت جيشا اعلاميا متنقلا في ارجاء العالم، لا ضوابط مهنية له ولا اخلاقية حتى، كيف يمكن الحد من اثاره على الاعلام المهني والتقني الذي لا يمكنه الوقوف جامدا امام غزارة المعلومات، صحيحة او غير صحيحة، التي تتطاير وتتناقل في ارجاء الكرة الارضية واجوائها، وكل شخص قادر على ترجمتها الى اللغة التي يفهمها، ثم ينقلها افقيا وعاموديا، على اعتبار ان كل شخص بات من خلال مواقع التواصل، يصنع الجمهور الذي يريده بمواصفاته هو من خلال التركيز على المعطيات التي يبثها ويحاول جذب المؤيدين لها اليه.
كثر ممن خدمت معهم من اصحاب القرار، وفي مناصب ومواقع متقدمة، واثناء المناقشات التي كانت تجري بشأن التنسيق بين المؤسسات العسكرية والامنية وبين الاعلام، وكيفية ايجاد الاطار الانسب والافضل للتعاون معه وتأمين جانبه واستمالته. كان موقفي دائما ولا يزال: "ان الاعلام هو المرآة التي تعكس الواقع، اذا كان الواقع جيدا كانت الصورة التي ينقلها الاعلام مماثلة. وفي حال العكس، فمهما حاول البعض اخفاء اي خطأ في الممارسة، او هفوة في التنفيذ او تقاعس في تحمل المسؤولية، من الطبيعي ان يظهر هذا الامر عاجلا ام اجلا، وينتقل طبيعيا الى العلن بواسطة الاعلام المحترف والمهني والاستقصائي. لهذا كانت التوجيهات تركز على اهمية الالتزام بالقوانين وما تفرضه الصلاحيات، تأكيد الجدارة في تطبيق قواعد ومراقبة العمل الاداري والمالي ومكافحة الفساد والرشوة، المهارة في تنفيذ المهمات العسكرية والامنية، عندها تستقيم العلاقة بين الامن والاعلام". 

أضاف: "على الاجهزة الامنية والعسكرية ان تحرص على أن تكون بياناتها ومعلوماتها واضحة ومحددة، وان يعي الاعلام ان التحرك الامني والمهمات الامنية الاستباقية والتحرك العملاني، التي تقوم بها القوى العسكرية ليست دائما قابلة للنشر او للكشف، وذلك لأسباب تتعلق بالمهمات السرية والتحرك الميداني. وبالتالي يوجب الامر التنسيق والتعاون بين المستويين الامني والاعلامي لضمان المصلحة العليا للدولة وادواتها العسكرية الشرعية، وهذا امر بالغ الاهمية والحساسية والدقة شرط ان لا يؤثر على الحقيقة. فحرية النشر تكفلها القوانين، ولكن في الوقت نفسه حماية الامن والسلم المجتمعي يفرض في بعض الظروف، الاحجام طوعا وقانونا، عن النشر عندما تشكل هذه المعلومات او الاخبار تهديدا مباشرا للدولة والاستقرار العام، وليس للاشخاص او المسؤولين، طبعا من ناحية التقصير. ولا بد من الاشارة هنا الى ان المسؤولية يتحملها احياناً الامن عن سوء تقدير بتسريب معلومات بغرض الدعاية والظهور تنعكس سلبا. المسؤولية اذاً، يتحملها الامن بأن لا يُسرّب، ويتحملها الاعلام بادراك العواقب وعدم التهور.

•    النظرة الى الاعلام والامن:
الاعلام في عالمنا الحاضر، هو القوة الشاملة التي تؤثر سلبا او ايجابا، حسب التوجهات والتوجيهات، في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والمالية والفنية والدينية والثقافية، وغيرها من الامور التي تشغل الشعوب والانظمة والدول والجماعات في العالم. 
هو اداة للإستقرار والسلام، وفي الوقت نفسه هو الموجّه المباشر وغير المباشر للحروب والثورات، والمحرض عليها ويحاول استغلالها. 
هو الوسيلة التي تعبّد الجسور بين الاطراف، والالة التي تهدمها وتوسع الهوّة بينها.
النظرة الى الاعلام منوطة بالجهة التي تنظر اليه، ومدى استفادتها منه في خياراتها وخططها المختلفة. بكلمة مختصرة، الاعلام كالأمن ليس مهنة فحسب بل مسؤولية.
هو المحرك الايجابي والسلبي، هو الصفة والظرف والنعت والنقد، هو في النهاية عقل وعيون ولسان كل الناس والدول والجماعات. يفكر بعقولهم، يرصد ما يراه، يصنع الخبر وينشره. 

اما الامن في عالمنا الحاضر، فلم يعد محصورا فقط بالمفهوم الامني والعسكري الضيّق، ولم يعد عملا يتحرك خلف الابواب الموصدة والمقفلة، بل اصبح جزءا لا يتجزأ من هيكلية مؤسسات الدولة في معناها المتعدد والواسع، لأن كل الركائز التي تقوم عليها الدول اصبحت مترابطة كالسلسلة، ويمكن اختصار هذه الركائز بـ"بالسياسات" الامنية والدفاعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والصناعية والغذائية والنفطية والمائية، واي اختلال بأي منها ستؤثر على مجمل الهيكل، واذا اختل العدد الاكبر منها سقطت بكاملها. وهنا يأتي دور القيادات الامنية التي تعمل بعيدا من البروباغندا الاعلامية من اجل تسهيل اتخاذ القرارات على السلطات والسهر على حماية النظام والمؤسسات والديموقراطية وامن المجتمع.

امام هذه الصورة، يبقى الاعلام الداخلي اللبناني "السلطة" التي تنظر الى مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية من الخارج، يتحرك انطلاقا من القانون، لكن هذا الامر لا يزال غير مكتمل وغير مُحدّث، فالاعلام بشكل عام، سبق التشريع وتخطاّه بأشواط. وهو يتحرك ايضا من خارج اي ميثاق شرف او اعتماد كل المعايير المهنية، بالرغم من موافقة اكثر من 36 وسيلة اعلامية عليهما في العام 2013 برعاية رئيسة مكتب الاتحاد الاوروبي في لبنان. ايضا وايضا يتحرك من خلفية توجهات الداعمين والممولين له في الداخل والخارج، ويوجه الاعلام سياسة المالكين له الظاهرين وغير الظاهرين. لكن في الحقيقة، وبالرغم من الفوضى النسبية التي تعتري هيكله، يتمتع الاعلام في لبنان بقدر كبير من مساحة الحرية مقارنة بالخارج. فهو يشكل في لبنان السلطة الرابعة، وافراده محصنون بقانون المطبوعات. واثبتت التجارب ان اكثر من 90 في المئة من الدعاوى التي رفعت ضد الاعلام كانت خاسرة، حتى المعارك التي خاضها الامن ضده لم يفز فيها، وان كان محقاً".

وتابع عقيقي: "في الواقع، المعادلة تختصر بأن "الأعلام يتحرك مع نبض الشارع ويتماوج مع شعور الناس، بينما الأمن هو الشعور الذي يطمئِن المجتمع اليه".
وعلى اساس هذه المعادلة، تبقى "الجدلية" بين الأمن والإعلام، و"الاشكالية" حول دور الاعلام في تعزيز الامن قائمتين.
في النتيجة، يشكل الإعلام عامل تهدئة، واداة توتير وتحريض، ووسيلة كشف الاخطاء والمحاسبة، وجسر عبور لخطين: الاول ينقل وجهة نظر الدولة الى الرأي العام، والثاني يحمل هموم الناس ومطالبهم الى الدولة. عدا عن دوره الطليعي في الاعلام التخصصي والاستقصائي. فيتحول هذا الدور تلقائيا الى شريك في بناء المجتمع والدولة معاً، وفي تعزيز نسق الديموقراطية والحوار والمساعدة على المحاسبة والمساءلة والقيام بدور الموجّه، واحياناً المغالاة في دور سلبي.
    
في المقابل، طوّر الأمن في لبنان ادواته الاعلامية والمتكلمين بإسمه، فأضحت عملية التواصل سهلة وحاضرة في كل الاوقات والظروف والمناسبات من خلال الاتصال المباشر، او اصدار البيانات التي غالبا ما تكون واضحة ومحددة وغير مبهمة. وقد التزمت الجدية في التعامل مع كافة وسائل الإعلام ومندوبيها. والأهم أنها نأت بنفسها في كثير من الاحيان عن قول "لا تعليق".

لعب الإعلام دورا رئيسيا في تسليط الضوء على المبادرات المحلية التي تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وخصوصا في مجالات التكنولوجيا والطاقة البديلة.
كما أن تغطية الإعلام للأزمات التي ضربت لبنان ساعدت في كشف مكامن الخلل، ما مكّن من تشكيل خطوة أولى في مسيرة الالف ميل نحو المساءلة والإصلاح، وهذه الخطوة كبرت واتسعت بعدما وُجدت الإرادة السياسية لإعادة بناء الدولة وتفعيل الأجهزة الرقابية ورذل الإستزلام والمحسوبيات".

وختم: "ختاماً، وعلى صعيد دور الإعلام  في تعزيز الامن، فإن لبنان بلد التعدد والتنوع. والإعلام فيه يجب أن يكون أداة لبناء الجسور، لا لزرع الحواجز. وقد لاحظنا مؤخرا كيف أن بعض البرامج الحوارية والمنصات الرقمية، باتت تعطي مساحة لصوت المجتمع المدني، والأصوات تدعو إلى الحوار بدل الانقسام والتناحر، بالرغم من استمرار حدة التحريض الطائفي وبث الكراهية والحقد. في المقابل على الامن ان يساعد في ايجاد دولة موثوق بها يطمئن اليها المواطن ولا يكون عصا في يدها.

في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وخاصة على الحدود الجنوبية، يصبح من المهم أن يتحلّى الإعلام بالمسؤولية الوطنية، فلا يكون منبرا للتصعيد، بل أداة لتهدئة النفوس، وتغليب لغة العقل على لغة السلاح. كما لا يجوز ان يكون الاعلام على صورة الدولة المنقسمة على نفسها كما هو حاله اليوم، فيفقد ثقة الناس على غرار فقدانهم ثقتهم بالدولة.

لبنان في حاجة الى اعلام يُعلي مصلحة الوطن فوق كل انتماء، شريكا حقيقيا في بناء دولة القانون ودفع عجلة النمو، وتكريس ثقافة السلام الأهلي الداخلي، الى جانب امن يصون الكيان، يوفر الاستقرار والسلام والطمأنينة، يواجه التحديات ويكافح الارهاب والجريمة ويحمي الشعب والوطن.

الامن والاعلام خطان متوازيان في خدمة لبنان، ولكن اي لبنان؟ طبعا لبنان الكيان ودولة القانون والمؤسسات التي يجب ان تكون كاملة الاوصاف، لا تشوبها شائبة". 
 

إخترنا لك

Flat Ara
Beirut, Lebanon
oC
23 o