السينودس يعلن توصياته والكنيسة المارونية: لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس
انهى امس سينودس الكنيسة المارونية برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ومشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وجميع بلدان الانتشار، أعماله.
تلقى لبنان صدمة سلبية جديدة تمثلت بإشهار البنك الدولي قراره بإزالة ترقُّباته الدورية الخاصة بالبلد ومؤشراته الاقتصادية لما بعد العام الحالي، بذريعة تعمّق حال «عدم اليقين»، المترجمة بالغموض الشديد الذي يكتنف النظرة المستقبلية، جراء «كثرة الأحداث الأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد».
وفي مؤشر متزامن لا يقل سلبية، تم إدراج لبنان في الترتيب الأقرب إقليمياً لمجموعة الدول التي تعاني المخاطر الحربية والعنفية، إذ حاز درجة «منخفضة» في المستويات المعتمدة في مؤشر السلام العالمي، وتم تصنيفه في المرتبة 134 عالمياً، خلف ليبيا وإيران، وقبل فلسطين والعراق وسوريا.
ويعكس القرار الأحدث للبنك الدولي، والذي يجمع لبنان، بالتماثل، مع سوريا، وجزئياً مع اليمن الذي ستحجب ترقُّباته بدءاً من العام 2026، مدى ارتفاع منسوب المخاطر وكثافة الضبابية التي تكتنف الأوضاع الداخلية، لا سيما التمادي في تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي يشرف على ختام العام الثاني بعد أشهر قليلة، والشكوك المستمرة حول فاعلية الحكومة المستقيلة قبل أكثر من عامين، واقتصار مهامها دستورياً على «تصريف الأعمال»، علماً بأن إدارة صندوق النقد الدولي اتخذت قراراً شبيهاً قبل نحو سنتين، قضى بحجب التوقعات الخاصة بلبنان في التقارير الدورية التي تتابع تطورات اقتصادات البلدان حول العالم.
فشل في عقد اتفاق مع صندوق النقد
وتعززت هذه الإرباكات في المشهد الداخلي، بإضافة غير عادية في مضمونها ومخاطرها، نجمت عن المخاوف المتصاعدة من توسّع المواجهات العسكرية المستمرة في الجنوب منذ اليوم الثاني لاندلاع حرب غزّة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، والمسبوقة أيضاً بالفشل المشهود في تحقيق أي تقدم يذكر لعقد اتفاق ناجز مع صندوق النقد بعد مضي سنتين وشهرين على عقد الاتفاق الأولي.
ومع تعمق حال الغموض غير البناء الذي يظلّل المسارات السياسية والاقتصادية على حد سواء، يبدي مرجع مالي في اتصال مع «الشرق الأوسط» مخاوفه من تقهقر أوسع نطاقاً تفرضه هذه العوامل الداخلية والخارجية التي اجتمعت في توقيت متزامن، معزّزة بخسائر مادية هائلة، تُراكمها المواجهات اليومية في الجنوب، فضلاً عن لوائح الخسائر البشرية من ضحايا وجرحى ونازحين.
ويشير المسؤول المالي إلى أن الخطر الداهم يمكن أن يتمدّد تلقائياً إلى الاستقرار النقدي الذي كابد البنك المركزي في تأسيسه وحفظ استدامته، من خلال سياسات نقدية صارمة اعتمدها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، بعد تسلم مهامه قبل نحو السنة، وأن يصيب التوازن الشكلي في إدارة موارد ومصروفات المالية العامة المستند خصوصاً إلى الامتناع عن سداد مستحقات ديون الدولة، بحيث تعجز فعلياً عن الاستجابة المنشودة لمعالجة الخسائر اللاحقة بالأفراد والأسر والقطاعات كافة في نطاق المواجهات العسكرية.
Whatsapp logo
Join our kataeb.org Whatsapp Group
CLICK HERE
أضرار في القطاع السياحي
وتتلاقى هذه المخاوف مع تحليلات بعثة صندوق النقد التي أشارت إلى المخاطر العالية المرتبطة بالصراع، لا سيما لجهة إنتاج قدر كبير من عدم اليقين للآفاق الاقتصادية.
وإضافة إلى الأضرار التي يمكن أن تتفاقم في القطاع السياحي الحيوي، فإن التداعيات السلبية الناجمة عن الصراع في غزة، وتزايد القتال على الحدود الجنوبية للبنان، تؤدي حكماً إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الضعيف أساساً، حيث نتج عن ذلك نزوح داخلي لعدد كبير من الأشخاص، كما تسبب بأضرار في البنية التحتية والزراعة والتجارة في الجنوب.
وفي الوقائع المستجدة، قدّر «معهد الاقتصاد والسلام» في تقريره الثامن عشر من مؤشّر السلام العالمي، الأثر الاقتصادي للعنف في لبنان عند مستوى 8.36 مليار دولار، والتكلفة الاقتصاديّة للعنف بما يوازي 6.55 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، وهو ما دفع إلى تصنيف لبنان في مرتبة متأخرة دولياً وإقليمياً، علماً بأن احتساب المؤشّر يجري استناداً إلى 23 عنصراً كميّاً ونوعيّاً، مدرجة ضمن ثلاثة عوامل رئيسيّة، تشمل مستوى الأمن الاجتماعي والأمان، ومدى استمرار الصراعات الداخليّة والدوليّة، ودرجة العسكرة.
من جهته، توقّع البنك الدولي في أحدث تقاريره عن «الآفاق الاقتصاديّة العالميّة»، والصادر بتاريخ 11 يونيو (حزيران) الحالي، أن يسجل لبنان نموّاً بنسبة 0.5 في المائة خلال العام الحالي، مع الإشارة إلى أنّه قد تمّت إزالة التوقّعات لما بعد العام 2024، نتيجة درجة عدم اليقين الكبيرة. كذلك، فإنّ النظرة المستقبليّة غامضة نتيجة كثرة التحدّيات الأمنيّة والسياسيّة والماليّة التي تعصف بالبلاد.
ومن المتوقّع أن تبقى نسبة تضخّم الأسعار في لبنان مرتفعة ومعدّلات الاستثمار خجولة، بينما يتوقّع التقرير استمرار التعافي في القطاع السياحي رغم درجات عدم اليقين المرتفعة، وخاصّةً كون السياحة رهينة التوتّرات الخارجيّة والمحليّة.
ليس السينودس الأول ولن يكون الأخير الذي تتشابه توصياته مع بعض تمايزات ظرفية. لكن توقيت انعقاده السنوي صادف هذه السنة مع تحرك ديبلوماسي فاتيكاني باتجاه لبنان، سيتوج الاسبوع المقبل بزيارة امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين هدفها المعلن المشاركة في احتفالية تنظمها جمعية "فرسان مالطا"، وسيكون له، "على هامشها"، لقاءات سياسية.
وكان بارولين قد التقى في الفاتيكان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وحضر الملف اللبناني في نقاشاتهما.
ترافق ذلك مع اعلان الدوائر الفاتيكانية أن البابا فرنسيس رفع الأب ميشال جلخ، الراهب الأنطونيّ، إلى رتبة الأسقفية بعد أن كان قد عيّنه منذ شهر شباط 2023 أمين سرّ دائرة الكنائس الشرقيّة في الفاتيكان.
متى البطريرك الجديد؟
تزامُن كل هذه الاحداث سلّطت الاضواء اكثر على السينودس، وفتحت أبواب الهمس حول موقف الفاتيكان من بعض سلوكيات المسؤولين الكنسييين الكاثوليك عموماً والموارنة خصوصاً.
وتحت كل ما يطفو من كلام عن مواقف فاتيكانية و"رسائل" واجتهادات، يبقى المسكوت عنه، الذي تتمحور حوله الكثير من السلوكيات والمواقف هو الحاضر الأبرز: "متى موعد انتخاب بطريرك جديد؟ ومن سيكون؟".
هو سؤال مشروع، تضج به كواليس اللقاءات الجانبية الكنسية والسياسية في لبنان والفاتيكان، تماما كالسؤال عما يشاع عن المواقف الفاتيكانية وملاحظاتها على اداء الكنيسة المحلية.
لكن العارفين باسلوب عمل الكنيسة يدركون جيداً ان الفاتيكان، الذي يعرف كل تفصيل حول الكنائس المحلية وملاحظاته عليها كبيرة، لا يتخذ أي قرار أو موقف يمكن أن يُفهم منه تقليلاً من دور وحضور وسلطة الكنائس المحلية. كما أنه حريص، اكثر مما يفترض كثيرون، على هامش "استقلالية" الكنائس الشرقية وبطاركتها، وتحديدا البطريرك الماروني وموقعه ودوره.
وبالتالي، فان انتخاب بطريرك جديد لن يكون الّا برضا البطريرك الراعي واستقالته وحفظ مكانته وإرثه، كما انه، كما نقل عن مسؤول فاتيكاني سابق في لبنان "لن يكون هناك بطريرك جديد للطائفة المارونية قبل انتخاب رئيس للجمهورية".
يمسك الفاتيكان العصا من نصفها. يوازن بين الاحترام التام للكنائس والرهبانيات و"استقلاليتها"، وبين مواقفه الحاسمة والممتعضة من سلوكيات بعض رجال الدين ومواقفهم، خصوصاً في الشان الاجتماعي. لذا جاء البيان الختامي ليضع الإصبع على الجرح فيقول "يتوجه الآباء الى اولادهم المنتشرين في كل انحاء العالم، ويقولون لهم: انتم تطلبون منا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الراعوية على مثال المسيح".
وليس يقيناً أنه تم تقصد اختيار المطران منير خيرالله لتلاوة البيان لتجربته الشخصية العائلية المؤثرة وما يرشح عن سلوكه وتواضعه وتعاطفه، حتى بدا شديد التاثر وكادت تغلبه دموعه وهو يقول" اننا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم، ولا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسيكم، ولا ان نصمّ آذاننا عن معاناتكم، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلا نغفل عن مساعدة أي فقير ومريض ومظلوم"... .
لا انقلابات ولا ثورات
ومع ذلك، قد يبدو هذا الكلام لبعضهم متأخراً قليلا. فليست المرة الأولى التي يؤشر فيها الفاتيكان إلى خلل في علاقة الكنائس المحلية بابنائها. عام 2015، نقل عن الموفد البابوي يومها الكاردينال دومينيك مومبارتي قوله "كنيستكم من حجر وبلا رحمة"، وحكي الكثير عن "تقرير أسود" رفعه إلى الكرسي البابوي. ولكن الفاتيكان يعمل بهدوء وصمت. فلا انقلابات في الكنيسة ولا ثورات. ولكن تغييرات موضعية وبالتراكم. لا اكراه انما "تمنٍ واقناع" .
ووسط كل التحديات، الكنسية والوطنية وصولاً إلى دول الإنتشار، حاول السينودس "تفكيك" الملفات ومعالجة ما يمكنه منها واتخاذ قرارات بشأنها وتأجيل أخرى أو تشكيل لجان متخصصة.
المصدر- المدن